Al-Quds Al-Arabi

عن النصر والحرية بعد 18 عاما من غزو العراق

- ٭ كاتبة من العراق

■ «فــي معركة العراق، انتصــرت الولايات المتحدة وحلفاؤنا.» أعلن الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش من على متن حاملــة طائرات، في الأول مــن مايو / أيار 2003، واقفاً مباشــرة تحت لافتة، كُتــب عليها « أنجزت المهمة». وكان قد دَشَن، قبلها، حملة « الصدمة والترويع» على العراق، فــي 19 آذار/ مارس. حينهــا أكد الرئيس بوش لشعبه والعالم «إن تحرير العراق تقدم حاسم في الحملة ضد الإرهاب. لقد أزلنــا حليفًا للقاعدة، وقطعنا مصدر تمويــل الإرهاب». مؤكدا « لن تحصل أي شــبكة إرهابية على أسلحة دمار شامل من النظام العراقي، لأن النظام لم يعد موجودًا.»

لم يــدم النصر طويلا، حتى بمفهوم الادارة الأمريكية للنصر. فقد فككت أحداث الايام والسنوات التالية كل ما قامت أمريكا وبريطانيا، مع متعاونين عراقيين، بتصنيعه من أكاذيب لتســويق الحرب ضد العــراق. وقد أظهرت كل المراجعــا­ت والوثائق وحتى شــهادات المســؤولي­ن المشــاركي­ن في «المهمة» عمق الخدعة التي اســتخدمت لصناعة الرضا حول حرب عدوانية ضد شــعب قاســى من حصار لا إنســاني على مدى 13 عاما. وتحول النصر الموعود، المزجج بألوان «التحرير» و«الديمقراطي­ة» إلى مفرخة لإرهاب منظمات ودول على حســاب تخريب بلد واســتباحة حقوق وحياة مواطنيه. مما دفع هانز فون ســبونيك، ممثل الأمين العام للامم المتحدة السابق، الى القول «لم يبق بند في ميثاق حقوق الإنســان لم ينتهك بالعــراق بعد احتلاله». ودفعت كثــرة الاعدامات نافي بيــاى، المفوضة الســامية لحقوق الإنســان في الأمم المتحدة، الى وصفه بأنه «مسلخ بشري.»

يأخذنا حــال العراق اليوم، ونحــن نقف على عتبة

مرور 18 عاما على «انجاز المهمة» الأمريكية ـ البريطانية، الى مســتويات المقاومة التي واجه بها المواطنون قوات الاحتلال وما أسســت له من مشــاريع تقســيم طائفية وعرقية ونهب اقتصادي. حيث كانت المقاومة المســلحة، اولى مســتويات النضــال. فكانت الفلوجــة رمزا أراد المحتل والمتعاونو­ن المحليون ابادته بكل الطرق الممكنة. من القصف بأســلحة محرمة دوليا الى تشويه المقاومة وتهديم 70 بالمئة من المدينــة. كان الثمن غاليا. ولم تتح للمقاومين فرصة الاحتفال بفعل المقاومة والاستبســ­ال، اذ تمــت ســربلتهم، في حملــة إعلامية مكثفــة، محليا خاصة، بالإرهاب. التهمة الجاهــزة التي لم يعد بامكان أي معــارض يرفع صوتــه احتجاجا للدفاع عن نفســه ازائها. تدريجيا، تعمقت قــدرة توليفة الحكم )الطائفية + الفســاد( على كتم انفاس شعب، محكوم عليه بالمادة 4 مكافحة الإرهاب، وشــهادة المخبر الســري، والقضاء الفاســد، بعد تعريضه للتعذيب والاغتصاب الذي امتد الى الرجال كما النســاء. الأمر الذي دفع منظمة العدالة الانتقالية الدولية الى كتابة تقرير خاص حول الموضوع، احتل فيه العراق مركز الصدارة.

إعلاميــا، لم يعــد عراق اليــوم موضوعــا «مثيرا» تستثمره اجهزة الإعلام لجذب القراء. انه، على الاغلب، محاط بالصمــت. واذا ما حدث وأشــير اليه لارتباطه بحدث « مثير» كما في زيارة البابا الاخيرة، فانه يُصنف تحت الصــورة النمطية المعتادة لبلــدان العالم الثالث، من الشــرق الاوســط وافريقيا الى امريــكا اللاتينية. كواحد من بلدان لديها حكومة وطنية، منتخبة، وجيش وقوانين ودستور. أما مشاكله من فساد ورشوة واقتتال داخلي، فهــي، أيضا، جزء من الثقافة الســائدة في تلك البلدان. تتقبل فيها الشعوب، باستسلام قدري، قادتها غير الأخلاقيين والفاسدين الذين يمارسون السلطة من خلال المحسوبية.

بتقديم هذه الصــورة، يُنفى واقع الاحتلال وجرائمه وما ســببه من فتــح الأبواب أمــام التدخــل الإيراني، ومأسسة ميليشــيات يزيد عددها على الاربعين، وزرع بــذرة الانتقام المتمثلــة بالمنظمات الإرهابيــ­ة. في ذات الوقت الــذي تمكن فيــه المحتل الأمريكــي/ البريطاني مــن تغيير دوره من محتل الى متدخل بمهمة انســانية، لتقديم المســاعدة والاستشــا­رة والتدريــب للحكومة «الديمقراطي­ــة» حديثة الولادة، مع التأكيد المســتمر أن وجودهم، مهما كان شــكله وحجمه، انما يتم بناء على دعوة الحكومة العراقية.

الا ان سياســة وصم المقاومة بالإرهاب التي نجحت، الى حد مــا، في بعض المحافظات، وصورة الاستســام القدري في محافظات اخــرى، والتخويف من ) الآخر( أسقطتها انتفاضة تشرين/ اكتوبر 2019 ز فكانت صرخة «نريد وطنــا» و « وكلا للاحتــال الأمريكي والإيراني» جماعية. وجاء رد فعل النظام والقوى التي يستقوي بها وحشــيا. فعوقب المحتجون السلميون باستخدام قوات الأمن الذخيرة الحيــة ضدهم. وحين عــادت المرأة الى ســاحات التحرير لاســتعادة دورها النضالي، جوبهت بالاختطاف والاعتقال والانتهاكا­ت الجســدية. ســلب النظام حياة 600 متظاهر وجرح الآلاف.

جــددت الانتفاضة الأمل بإمكانيــة التغيير الحقيقي وليس مجرد تدوير الوجوه والمناصب بشــكل تزويقي، وكانت ســتحقق أهدافها فعلا لولا انتشــار الكوفيد وما صاحبه من حظر صحي. ومع ذلك، لم تنطفئ الشــرارة.

بقيت متوقــدة في مدن متعددة من بينها الناصريــة )محافظة ذي قــار( علــى الرغــم من كل اساليب القمع والقتل وتصاعد ظاهرة الاختطاف والاختفاء القســري. حيث كشــفت مفوضيــة حقوق الإنســان فــي العراق، في الاســبوع الماضــي، عــن تلقيهــا 8 آلاف بلاغ عن حــالات اختفاء قســري للمواطنين خلال الســنوات الأربــع الأخيرة. وشــهدت الايام الاخيرة تصاعد وتيــرة التظاهرات في مدينــة النجف، حيث بيت المرجع الشــيعي الأعلى علي السيســتان­ي الذي زاره البابا فرانسيس، يوم 6 مارس/ آذار. والمفارقة أن يؤكد المرجع للبابا «اهتمامه بأن يعيش المواطنون المســيحيو­ن كسائر العراقيين في أمن وسلام وبكامل حقوقهم الدســتوري­ة» وهاهــي القوات الأمنية تواصــل عنفها المعتاد واطلاق قنابــل الغاز والرصاص ضد المتظاهرين ومنع إسعاف المصابين منهم، على مقربة من بيته. فهل هذا ما يعنيه بتمتع سائر العراقيين بالامن والسلام والحقوق الدستورية؟

«الخائفون لا يســتحقون الحرية» واحد من شعارات المنتفضين التي بقيت ترفرف عاليا في ســاحة التحرير، ببغداد، وســاحة الحبوبي في الناصرية، وهو شــعار يعبر، فــي عمقه، عــن روح مقاومــة المحتــل، المتمثلة بالفلوجة رمــزا، والنضال ضد الطائفية والفســاد، من اجل الحرية والكرامة والعدالة، في ارجاء العراق. وهي روح لاتزال تنبض بالتحدي وعدم الخضوع، على الرغم من مرور 18 عاما على محاولة دحرها.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom