Al-Quds Al-Arabi

الأردن: «حائر» الكلمة الأنسب لوصف «الوبائي والاجتماعي والاقتصادي» ... الغموض «عمودي» والقلق «أفقي»

- عمان- «القدس العربي» من بسام البدارين:

المفردة الأنســب التي يمكن استعمالها للتحدث عن المشهد الوبائي، وبالتالي الاقتصادي والاجتماعي والأمني الأردني، هي «حائر» .

ويبــدو أن الحيرة يمكن تلمســها علــى وجوه كبار المســؤولي­ن في الحكومــة الأردنية وأيضــاً على وجــوه المواطنين، وبصــورة خاصة المتأثــرو­ن منهــم اقتصادياً بتداعيــات الوباء، خصوصــاً مع تناقض التصريحات واســتمرار بروز تصريحات متباينة ما بين خبراء اللجنة الوبائية ووزارة الصحة، أو بين المعنيين بالقطاع الصحي والفيروسي أو من يقرأون المنحنى الوبائي وبقية المسؤولين.

ظهــر التباين بشــكل واضح عندمــا تحدثت إحــدى عضوات لجنة الوبــاء الوطني عن عدم اجتمــاع اللجنة طوال الأســبوعي­ن الماضيين، وبالتالي عدم صدور توصيات جديدة بالرغم من إعلان وزارة الصحة عدة مرات بأن البلاد وصلت إلى الموجة الثالثة والتفشــي الفيروسي، ممــا يتطلب إجــراءات محددة في مجــال الحظر والعــودة إلى بعض التشدد والإغلاق عشية شهر رمضان المبارك.

لكــن أعضــاء مختلفين فــي اللجــان الوبائيــة وخبــراء الفيروس

يعاودون التأكيد على أن الحظر الطويل قد لا يكون الطريقة المناســبة لاحتواء الفيروس، وهو ما ورد على لسان عضو اللجنة الوبائية جمال الرمحي مؤخــراً. في كل حال، الحيرة تلتهم الأردنيين على مســتوى الحكومة ومؤسساتها ورموز المؤسسات الرسمية والمواطنين أيضاً.

والســبب الأساسي للحيرة هو التراوح الكبير في أرقام الإصابات وأحيانــاً الوفيات وعدم الوصول إلى قناعة بمســألتين أساســيتين: الأولــى هي قدرة النظام الصحي والمستشــف­يات فــي القطاعين العام والخاص علــى الصمود ومتى تصل مؤسســات القطاع الصحي إلى مرحلة الخطر. والثانية هي التراوح في الأرقام والمنحنى الوبائي. ويبــدو أن تراوح أرقــام المنحنى الوبائي تحديــداً أصبح يمثل لغزاً وســراً ليس للخبراء فقط، ولكن للمواطنــن أيضاً، فقد تم الإعلان عن عدد وفيات غير مســبوق قوامــه 109 وفاة، وعــدد إصابات تجاوز 9 آلاف إصابة على الأقل مســاء الاثنــن، بمعنى أن الأرقام ما بين الأحد والثلاثاء عادت للارتفاع بشــكل غير مســبوق وبشكل مقلق جداً، في الوقت الذي كانت قد انخفضت فيه أرقام الإصابات وتراوحت ما بين 5 و6 آلاف إصابة يومياً طوال بداية الأســبوع الماضي ولخمســة أيام تقريباً.

وهــذا التباين الرقمي يقلق الســلطات الأردنيــة ويفتح المجال أمام اجتهــادات متزاحمة ويظهــر حجم الغموض والحيرة في التأســيس لمرحلة اشــتباك مع التفاصيل، حيث لا مبادرات سياســية حتى الآن، واحتقــان معيشــي واقتصــادي صعب جــداً ومعقد، وحيــث وعود باحتمالية وصول شــحنة قوامها مليونا لقــاح قريباً جداً وقبل نهاية إبريل المقبل.

وحيــث -وهــذا الأهم- قد تكــون أجواء ومناخات شــهر رمضان بمعناها السياســي والاجتماعي والاقتصادي أيضاً مثيرة وساخنة، خصوصاً مع ارتفاع أســعار بعض المواد الأساسية مثل السكر والأرز والزيــوت النباتيــة، وهو أمــر أثار الكثير مــن الجدل ما بــن القواعد الاجتماعية والسلطات المختصة.

فــي الأثناء، يواصــل الحراك الشــعبي عزفه على أوتــار الإصلاح الشــامل والسياســي والمطالبــ­ة بمكافحــة الفســاد والتحريض على تحدي نظام الحظر والتمرد عليه.

بمعنى آخر أيضاً، على المســتوى السياســي الحيــرة تلتهم جميع أوصال ومفاصل القوى الاجتماعية في الشــارع ما بين وجهتي نظر، الأولــى تطالب بالالتزام التام بالحظر الشــامل والتباعد وعدم تحدي الإغــاق الذي تفرضــه الحكومة ووقــف أي مظاهر احتجاج بســبب الوضع الفيروسي، وهو خيار يناسب السلطة بطبيعة الحال.

والثانيــة تعتقد بــأن الحكومة تعمل على تســييس الحظــر ولديها

أجندة إغلاق تستخدمها لأسباب سياسية وليس وبائية.

طبعــاً القناعــة راســخة الآن بوجــود وجهتــي نظــر في الشــارع: الأولــى تتحدث عن ضرورة التقيد التام بالتعليمات الرســمية ووقف الاعتصامــ­ات والاحتجاجـ­ـات وتأجيــل أي مطالبــات لهــا علاقــة بالأجنــدا­ت السياســية لأســباب وبائيــة. وهــي وجهــة نظــر مئات المواطنــن والنشــطاء وخبراء الصحــة وبعض السياســيي­ن كما ترد يومياً بســيل من البيانات العشائرية والشــعبية التي تحث المواطنين على عدم العودة للشارع في ظل الظروف الصعبة الحالية.

والثانيــة تقتصر على قوى فاعلة في الشــارع تريــد التظاهر خلال اليومــن المقبلين تحت شــعار مكافحة الفســاد والتصــدي للصوص واستعادة الأموال المنهوبة، ويعتقد أصحاب هذا الرأي بأن الحكومة الحالية تتلاعب بإجراءات الحظر وأحياناً بالأرقام لأغراض سياسية.

هــذا التناقــض في بوصلــة واتجاهــات ومنصــات الأردنيين على المســتوى الشعبوي يؤشر على أن الحيرة مع غموضها باتت عمودية، فيما المخاوف العامة أفقية ولا علاقة لها فقط بالســلطات والمنحنيات الوبائيــة وأرقــام الإصابات ولا بمخــاوف خطيــرة وجوهرية عميقة على النظام الصحي، لا بل لهــا علاقة هذه المرة بحيرة تعتري أوصال المواطنين، خصوصاً في ظل المنــاخ الذي يفرضه على جميع الأطراف شهر رمضان المبارك.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom