Al-Quds Al-Arabi

الانتخابات الإسرائيلي­ة: ظاهرها أزمة حزبية وباطنها تغيرات بنيوية

- الناصرة ـ «القدس العربي»:

ذهبت إســرائيل، أمس الثلاثاء، لانتخابات عامة رابعة في غضون عامين، وهي استفتاء على رئيس حكومتها بنيامــن نتنياهو بكل ما يمثله، وسط تغييب للقضايا الجوهرية على المستويين الخارجي والداخلي خاصة القضية الفلسطينية، فيما تتســم المنافســة الانتخابية بالشــعوبي­ة والشخصنة والسطحية.

وكان من المتوقع أن يشــارك نحــو 6 ملايين مواطن إســرائيلي في عمليــة الاقتراع لانتخاب نواب البرلمان الإســرائي­لي «الكنيست» الـ 120. وأدلــى الناخبون طــوال اليــوم بأصواتهم في حوالــى 13700 مركز اقتراع موزعــة على طول البــاد وعرضهــا، فيما تم تخصيــص صناديق اقتــراع للمصابــن بفيروس كورونــا ولأولئك المطالبين بالحجــر الصحي المنزلــي. وتم وضع صناديق اقتراع في المستشــفي­ات وفي الفنادق الخاصــة بالمحجورين جــراء كورونا وكذلك تم افتتاح صنــدوق اقتراع في مطــار بن غوريون الدولي للعائدين من خــارج البلاد ليتمكنوا من الإدلاء بأصواتهم على وجه السرعة.

وتقول لجنــة الانتخابــ­ات المركزية في دولة الاحتــال ان عدد أصحــاب حق الاقتــراع في إســرائيل هــو 6.578.084 ناخبا، غيــر أن منهم حوالى 600 ألــف صاحب حق اقتــراع يقيمون خارج البلاد بصورة دائمة وعادة لا يشــاركون فــي عمليــة التصويت. أمــا عــدد الناخبين من المجتمع العربي في إسرائيل فهو 997 ألف ناخب وهــم يشــكلون 17٪ مــن عدد أصحــاب حق الاقتراع. كما يعيش في إســرائيل نحو 5٪ من السكان الذين يعرفون أنفســهم من غير اليهود وهم في الوقت ذاته ليســوا مــن العرب، وإنما هــم مواطنون أجانــب حصلوا على الجنســية الإسرائيلي­ة لاقترانهم بعقود زواج من مواطنين إسرائيليين. ويبلغ عدد هؤلاء المصوتين نحو 320 ألف شخص.

وتنبــأت الاســتطلا­عات الانتخابية بالإبقاء على التوازن السياســي علــى حاله بين مؤيدي نتنياهــو ومعارضيــه بعد الانتخابــ­ات، وهي بمثابة اســتفتاء على شــخص نتنياهو بكل ما يمثله.

وتشهد الساحة السياسية الإسرائيلي­ة حالة تعادل شــديد بين طرفــي المعادلــة التي يحمل جانبها الأول معســكر المؤيدين لنتنياهو، بينما يحمل جانبها الآخر معســكر المعارضين له الذين يحاولون إزاحته من كرســي رئاســة الحكومة الذي يتربع عليه منذ نحو 12 عاما على التوالي. ويعتبر نتنياهو رئيــس الحكومة الأطول زمنيا في تاريخ دولــة الاحتلال، فقد فــاز في الولاية الأولى عام 1996 بعد شــهور من اغتيال اسحق رابــن متغلبــا على شــيمون بيريز بفــارق 30 ألف صــوت فقط. ويعود ذلك لتحاشــيه اتخاذ قرارات حاسمة في القضايا الخارجية والداخلية والتمحور في البحث عن البقاء في الحكم، ناهيك عن إتقانه فنون الكاميرا والتخاطب مع الجمهور وتجربته المتراكمة، وضعف خصومه في المقابل.

كما يشــير بعض الخبــراء لــدور «التطبيع العربي» من خلال تطوع دول عربية للتطبيع مع الاحتلال مجانا على مبدأ «ســام مقابل ســام » علاوة على نجاحه فــي الإفلات من أزمة كورونا التي أخفق فــي إدارة تبعاتها، لكنه نجح بتوفير اللقاحات لكل الســكان قبل كل العالم. ويضاف لذلك انزياح الإسرائيلي­ين كما هو الحال في دول كثيرة نحو اليمين بشــكل كبير منــذ الانتفاضة الثانية عام 2000 مما يســاعد نتنياهو في كسب ثقة أوساط واسعة منهم تباعا، رغم عدم اتخاذه قرارات حاسمة وربما بسبب ذلك، ورغم فساده وهجماته على مؤسسات حفظ القانون والإعلام.

مصير نتنياهو بيد العرب

وفي حــال صدقت اســتطلاعا­ت الرأي التي تنشــرها وســائل الاعلام على اختلافها، فذلك يعنــي أننا أمام المشــهد نفســه الــذي توجهت إســرائيل بســببه الى انتخابات رابعة، أي من المتوقــع ان تتمخــض الانتخابات عــن صورة مماثلة موزعة بين المعســكري­ن من دون ان يكون لأي منهما أي أفضلية على الآخر.

ومن المعروف ان الحمــات الانتخابية لهذه الأحــزاب تقفل في منتصف الليلة المقبلة، أي قبل اليوم الانتخابي بأربع وعشــرين ساعة وهو ما يطلق عليه يوم التفكيــر، وفيه تحظر الحملات الانتخابية لأي حزب كان، كما يحظر على وسائل الاعــام ان تنشــر أي إعلانــات انتخابية لهذا الحــزب او ذاك. ويجمع الباحثون والخبراء في الانتخابات الإســرائي­لية أن مصير نتنياهو بيد فلســطينيي الداخل، ففي حال شــاركوا بنسبة تصويت 60٪ فما فوق، فهــذا يعني زيادة عدد النواب العــرب وانخفاض قوة معســكر اليمين

برئاســة نتنياهو، وبالتالي تراجع حظوظه أو بقائه رئيســا للحكومة بدعم خارجي من نواب القائمة العربية الموحــدة وبقاءه رهينة بيدهم، وهذا سيناريو احتمالات ورادة رغم تصريحات ســابقة لنتنياهو بأنه لن يعتمــد على الأحزاب العربية كونها معادية للصهيونية.

وفي سياق خيارات تشــكيل حكومة جديدة، لا تلتزم رئيسة حزب «العمل» ميراف ميخائيلي بترشــيح رئيس حزب «هناك مســتقبل» يائير لابيــد لمنصب رئيــس الــوزراء، ولا تســتبعد الجلــوس مع أحــزاب اليمين الدينــي المتطرف. وقالت ميخائيلي أمس إنها ســتدعم أي مرشــح قادر على الإطاحة بنتنياهو. وجاء ذلك في مقابلة لها مع القنــاة الإســرائي­لية )12( حيث رفضت ميخائيلي أن تلتزم بترشــيح زعيــم المعارضة يائير لابيد، رئيس حزب «هناك مستقبل» لمنصب رئيس الوزراء. وأشارت إلى أن إحدى أولويات حزبها هي حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وتعهدت ببــذل كل ما في وســعها لجعل رئيس الوزراء يغادر منصبه. تأتــي كلمات ميخائيلي كعلامــة على أن حزب العمل يهدف إلى تشــكيل ائتلاف واسع بقدر ما هو ضروري لهزيمة رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو.

وتتنافس في الانتخابات للكنيست هذه المرة 39 قائمــة انتخابية، من بينهــا 14 قائمة يمكن، حسب الاستطلاعا­ت، أن تتجاوز نسبة الحسم. وعلى خــاف الانتخابات الســابقة تجري هذه الانتخابات في ظل تفكك أكبر جســم سياســي

معــارض هــو «أزرق ـ أبيض» وتفــكك القائمة المشــتركة بعد انشــقاق تيار الحركة الإسلامية الجنوبية )القائمــة العربية الموحــدة( بقيادة منصور عبــاس، وفي ظــل عدم وجــود قائمة معارضة قوية، بل عدة قوائم لا يشــكل أي منها حالة معارضة مهددة لوحدها.

وتعتقد مديرة المركز الفلســطين­ي للشــؤون الإســرائي­لية الدكتــورة هنيــدة غــانم أن هذه الانتخابات الإســرائي­لية جــاءت على خلفية ما صار يُعرف إســرائيلي­اً بـ«الأزمة السياســية»؛ التي بدأت غداة الانتخابات للكنيســت 21 التي جرت فــي 9 نيســان/أبريل 2019 بعدما فشــل نتنياهو في تشــكيل ائتــاف يميني ضيق عقب رفــض رئيس حزب «يســرائيل بيتنا» أفيغدور ليبرمــان الانضمــام لحكومتــه، وتتجلّــى في دخول إســرائيل في دوامــة انتخابات متكررة، دون وجود أي أفق واضح لكيفية الخروج منها. وبرأيهــا تنعكس الأزمة في عــدم قدرة أي طرف على حسم الانتخابات أو تشكيل ائتلاف حكومي ثابت.

وتتابع فــي قراءتها للمشــهد الإســرائي­لي الانتخابي :»يدّعي البعــض أن بنيامين نتنياهو الذي يواجه محاكمة في قضايا فســاد، وفي ظلّ عدم قدرته على حســم الانتخابــ­ات لصالحه، وعدم نجاحه في تمرير القانون الفرنســي الذي يضمن عدم محاكمة رئيس حكومة خلال شــغله لمنصبه، قد حول الانتخابــ­ات المتكررة إلى أداة تضمن بقاءه رئيســاً لحكومة انتقالية، ومن غير المتوقــع أن تحقــق الانتخابات الُمقبلــة اختراقاً حاسماً في الانسداد السياسي الحزبي». وتقول إنه مما لا شــك فيــه أن عوامل عديدة ســتحدّد شــكل الائتلاف الممكن وفرصه، من بينها نســبة التصويت العامة ونسبة التصويت بين المواطنين العــرب، وعــدد المقاعــد التي ســيحصل عليها كل من نفتالــي بينيت )حزب يمينــا( وغدعون ســاعر)حزب «أمــل جديد») وهل ســتكون أقل من عشــرة أم أكثر؟ وأوضــح أن الأحزاب التي ستتجاوز نســبة الحســم والتي لن تتجاوزه، خاصة فــي طرفي الخريطــة، قائمة بــن غفير ســموتريتش الكهانيــة من اليمــن، وميرتس و «أزرق ـ أبيــض » والموحدة على الطرف المقابل. وتتابع: «بالإضافة إلى ذلك، من المهم ألا نُســقط إمكانية زعزعة معسكر بنيامين نتنياهو من حيث موقف أحزاب اليهود المتزمتين )الحريديم(؛ إذ أن هناك إيماءات خاصة مــن حزب يهدوت هتوراة تُشــير إلى أنــه لا يلغــي إمكانيــة التحالف مع ساعر إن كان ذلك سيمنع الذهاب إلى انتخابات خامسة .»

ثلثا البرلمان من اليمين الصهيوني

وتتفق هنيدة غانم مع المقولة السياســية بأن الانتخابات الإســرائي­لية الحالية تتمحور حول نتنياهو أساســاً، وينقسم المشــهد الحزبي وفق الموقف منه، ما بين مؤيد ومعارض له، وفي ظلال هذه المعركة الأساســية تجــري تحالفات وتُعقد صفقات مختلفة، وتغيب عن النقاشــات للوهلة الأولى وبشــكل كامــل تقريباً مســألة الاحتلال والصراع والتســوية. لكن المتمعــن في خريطة الأحزاب المتنافسة يستشــعر حضورها الطاغي الذي لم يعد يحتاج إلى الخطابة، وذلك عبر تحول الفكر الاســتيطا­ني الى جزء مــن الفكر المكرس لليمين الذي يتوقــع أن يحصد 80 مقعداً، وتحول القضايا التي كانت مرّة خلافية إلى محلّ إجماع؛ الإجماع بين الأوســاط المركزية علــى أن القدس الموحــدة هي عاصمــة إســرائيل الأبدية، وعلى معارضة تفكيك المستوطنات، وعلى التوافق على ضمّ منطقة الأغوار، وعلى بنية إســرائيل كدولة يهودية، وعلى رفض عودة اللاجئين. وترى غانم أيضا أنه في هذا الســياق، فإن عجلة الاستيطان وفرض الوقائع الاستعماري­ة على الأرض وحدها تســتمرّ بالعمل دون أي عائق على الرغم من كل الصراعات الداخلية.

أزمة كورونا

وكانت قد تشكلت عشية انتخابات الكنيست الحادي والعشــرين قائمة «أزرق ـ أبيض» التي أطلق عليها يومها اســم حــزب الجنرالات. وقد شــكّلت هذه القائمة أكبر قائمة معارضة لليكود في حينه، واســتطاعت أن تتساوى معه في عدد المقاعد )35 مقعداً لكل منهما( في انتخابات أبريل/ نيسان 2019 لكنها فشــلت كما فشل نتنياهو في تشكيل ائتلاف حكومي، وهو ما أدى إلى الذهاب إلى انتخابات ثانية في 17 أيلول/ســبتمبر 2019 لتتكرّر الأزمة نفسها ويتم مرة أخرى الذهاب إلى انتخابات ثالثة في 3 آذار/ مارس 2020.

لم تُحــدِث الانتخابات الثالثــة اختراقاً في الانســداد الانتخابــ­ي ولا انفراجاً فــي الأزمة السياســية، غير أن دخول عامــل كورونا على المشهد وحالة الضبابية التي أحاطت بانتشاره، لعبا لمصلحة نتنياهو الذي تمكّن من الضغط على غانتس من أجل الانضمام إلــى حكومة طوارئ «لمواجهة الحالة المســتجدّة» التي تســببت بها جائحــة كورونا. وقد أدّى انضمــام غانتس إلى شــطر قائمــة «أزرق ـ أبيض» (التــي احتفظت باســمها( ومن ثم تفكّكها واختفائها عن المشــهد الحزبي. وجاء اتفــاق نتنياهو ـ غانتس بعد أن تم وبشــكل غير مســبوق تغيير قانون أساس الكنيست واختلاق مفهوم «رئيس حكومة بديل» إضافة إلى إدخال تعديلات أخرى ترتبط بتنظيم الانتخابــ­ات بعد ثلاث ســنوات وليــس أربع سنوات، وتضمّن اتفاق إقامة حكومة الوحدة بين غانتس ونتنياهو أيضاً مبدأ التناوب والمناصفة، وشــمل الاتفاق المصادقة علــى الميزانية لعامي 2020 ـ 2021 مباشــرة بعد تنصيــب الحكومة، وحدّد الاتفاق أن يتسلّم نتنياهو رئاسة الحكومة في النصف الأول من المــدة، ثم يليه غانتس بعد 18 شهراً )بعد عام ونصف(.

انعكاسات الأزمة وإسقاطاتها

تعكس الأزمــة الانتخابية ظهــور حالة غير مســبوقة من الاســتقطا­ب والاحتقان الداخلي، وتتجلّى في انقسام المشهد السياسي عمودياً بين معســكرين مركزيين متوازيين ينتظمان ظاهريا وفق موقفهمــا من نتنياهو وليــس وفق مبادئ سياســية أو قضايا أيديولوجية؛ معسكر داعمي نتنياهو ومعســكر معارضيه. وتختلف أسباب الانضواء تحت معســكر معارضــي نتنياهو ما بين أسباب شخصية وسياســية وأيديولوجي­ة تقاطعت معــاً وأصبح من الصعــب الفصل فيما بينهــا. ويضم معســكر داعمي نتنياهو بشــكل أســاس، إضافــةً الــى الليكود، حزب شــاس ويهدوت هتــوراة وتحالف المســتوطن­ين، فيما يضم حزب معارضي نتنياهو «يوجد مســتقبل» )يش عتيد( بقيادة يائير لبيد ، «أمل جديد » (تكفا حدشــا( بقيادة جدعون ساعر الذي أقيم مؤخراً بعد أن انشــقّ الأخير عن الليكود، قائمة «أزرق ـ أبيض » بقيادة بيني غانتس ، «إســرائيل بيتنا » )يســرائيل بيتينو( بقيادة أفيغــدور ليبرمان، وكلا من قائمة ميرتس وحزب العمل، وتتموضع في هذه الانتخابات قائمــة «يمينا» التي يقودها نفتالي بينيــت، والقائمة العربية الموحدة )التي تمثل تيار الحركة الإســامية الجنوبية( بقيادة منصور عباس، في منطقة رمادية بين المعسكرين بعد أن سعى بينيت إلى إخراج نفسه من «دائرة» الداعــم المفهوم ضمنــاً لنتنياهو وطرح نفســه كمرشــح لرئاســة الحكومة، فيما أخرج منصور عبــاس قائمتــه من دائــرة معارضــة نتنياهو التلقائية وفتح الباب أمام التعاون معه.

وتتموضــع القائمة المشــتركة في المعســكر المعارض لنتنياهــو دون أن تُعلن موقفا واضحا من التوصية أو عدمها علــى يائير لابيد في حال تكليفه بإقامة الائتلاف.

وإضافة إلــى بينيت يطــرح كل من جدعون ساعر ويائير لابيد نفســيهما كمرشحين لرئاسة الحكومة، علمــاً أن فــرص أي منهما لتشــكيل ائتلاف دون التوصل إلى اتفاق اقتســام وتبادل لرئاسة الحكومة تبدو ضئيلة جداً.

 ??  ?? فلسطينيان من عرب 48 في طريقها للإدلاء بصوتهما في الانتخابات الإسرائيلي­ة
فلسطينيان من عرب 48 في طريقها للإدلاء بصوتهما في الانتخابات الإسرائيلي­ة

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom