Al-Quds Al-Arabi

«العفريتة»: ثقافتنا العربية محدودة واطلاعنا ضيق للغاية

-

في تفسيره لعنوان كتابه «العفريتة» الصــادر عــن الهيئــة العامة للكتــاب في القاهرة، يقول محمد سلماوي مستهلاً كتابه هذا: «قبــل اختراع التصويــر الرقمي كان هناك ما يُسمى بالعفريتة، وهي التي كانت تُستنسخ منها الصور، وفي العفريتة تكون الألوان معكوسة، فالأسود أبيض والأبيض أســود، ومن خلال هذه الألوان المعكوســة كانت تُطبع الصورة بشكلها الصحيح».

كتــاب «العفريتــة» لســلماوي، يضع فيه كاتبــه العديد من المقــالات التي كتبها ونشــرها على مدار ســنوات، مُصنّفا إياها إلى: مصر المحروسة - سياسة ـ أمور الدين ـ ثقافة ـ صحافة وإعلام ـ شــؤون دولية ـ إسرائيليات، وكل عنوان من هذه العناوين

الرئيسة نقرأ تحته عددا من المقالات.

هنــا يقــول ســلماوي، إننا فــي العالم العربــي، كثيرا ما نُســمي الأشــياء بغير أسمائها، لأن ثقافتنا محدودة جدّا، ودائرة اطلاعنا ضيقة للغاية. أيضًا يكتب سلماوي عن مصــر بلــد الســياحة وكيــف يراها السائحون الأجانب حيث يصدقون أحيانا ما يُشاع عن مصر وعن العمليات الإرهابية، التي تُقلــق أمنهم، وتجعلهــم يخافون أن يأتوا إليها، مع أنها في الأســاس بلد الأمن والأمان، وما يحدث فــي غيرها من البلدان يفوق ما يحدث في مصر مئات المرات.

عيوب شائعة

في كتابه هذا يُذكّر سلماوي قارئه بالمليم والنّكْلــة والقرش، وعن قيمتها الشــرائية وأنها كانت عملات معدنية، والله يرحم أيام زمان، أيام ما كان كيلــو اللحمة ببضعة قروش، هنــا يكتب ســلماوي كذلك عن فستان يسرا، وعن الشباب الذين يلقون حتفهم غرقا في البحر، باحثين عن الرزق بالعملــة الصعبة، متفقا مــع ما ذهب إليه المفتي مــن وصف هــؤلاء بالطماعين. هنا أيضا يرى الكاتب أن من عيوبنا الشــائعة أننــا ليس لدينــا تفكير مســتقبلي، وأننا ننتظر وقوع الكارثة كي نتعامل مع أسبابها، بدلا مــن أن نتخذ من الخطــوات ما يحول دون وقوعها. في مقالاته هذه ينتقد ســلماوي بعض السلوكيات البشرية التي تحدث من بعض البشــر، كما ينتقد بعض العادات الســيئة التي يمارســها البعض. هنا وفي عفريتته يعلن الكاتب أنه ممن يؤمنون بأن العبقرية الوطنية تعيش من جيل إلى جيل، ولا تندثر مع مرور الزمان، لذلك فــإن عبقرية قدماء المصريين ما زالت تعيش معنا، ومن يقولون إنها ذهبت حيثما ذهبوا مخطئون. سلماوي متهكما على كثرة ما يصدر من فتاوى يقول، إنه ليــس مع من يصورون حال المســلمين على أنــه قمة الجهل والتخلــف، فيكفي أن ننظر كيف أصبح الشــيوخ يتبــارون في مــا بينهم للإتيــان بأفضل الفتــاوى التي ترفع من شأن المســلمين أمام العالم. يكفي أن ننظر كيــف أصبحوا يتبــارون لتقديم صــورة مشــرفة للإســام أمــام العالمين، تثبت أنه ديــن العقل والتقــدم والحداثة والعدالــة والإخاء، دين المســتقبل، مؤكدا أن شــيوخ الوطن العربي والإسلامي لا هم لهم إلا إصــدار الفتاوى المبتكرة التي تهدف إلى تحديــث الفكر الدينــي والوصول إلى التفســير العصري للدين، الــذي يثبت أن الإسلام هو دين كل العصور، لأنه يتماشى مــع التقــدم والعصريــة. ومعترضا على وقْف إصــدار مجلة «إبــداع» المصرية منذ سنوات، يكتب ســلماوي قائلا، إن الإبداع في مجتمعنــا لا لزوم له كمــا هو معروف، فلماذا نضيّع فيه الوقت، لا لســبب إلا لأننا نريد مســايرة بعض الدول الأخرى، التي تختلف تقاليدها عن تقاليدنا، فهم يهتمون بالإبــداع ويكرمون رجال الفكــر والثقافة والفنــون ويزهــون أمامنــا دون خجــل بأســماء أدبائهم، ويرصدون مئات الآلاف

من الدولارات لمكافــأة المتميزين من الكتّاب والروائيين والشعراء، فيقدمون لهم جوائز نوبل وبوكر وجونكور وبولتزر، لكن ما لنا نحن بكل ذلك؟ نحن، يقول الكاتب، تشغلنا قضايا أخرى أكثر إلحاحا مثل، هل التماثيل حلال أم حــرام؟ كيف ندخــل دورة المياه؟ نرتدي خاتم الزواج من الفضة أم الذهب؟

تطبيل وتزمير

في مقالــه «أنا أطبّــل.. إذن أنا موجود» يقول سلماوي، إنه ما بين التطبيل والتزمير الذي تضــج به بعض الصحــف، والتهجم والســباب الذي تضج به صحــف أخرى، يضيع القارئ الحقيقي الباحث عن المعلومة الموثقة والتحليل الموضوعي.

وفــي مقاله «بامــوك وســجائر أمريكا» يقول ســلماوي، إن الكاتب التركي أورهان باموك الحائز جائزة نوبل قال له، إنه يؤمن بنظريــة فرويد التي تقول بأنــك إذا قمعت شيئا فإنه يعود حتما للظهور، لكن في شكل آخر، وهو يعتقد أن الدولة التركية الحديثة منــذ أن أسســها مصطفى كمــال أتاتورك، قمعت أشــياء كثيرة وأصيلة فــي المجتمع التركي، وهذا هو أحد أسباب ظهور الإسلام السياسي في تركيا الآن.

فــي «عفريتته» أيضــا، يظهــر الكاتب إعجابه الشديد بالالتزام الأمريكي بحقوق الكلاب، فالمجتمع الأمريكــي يحترم الكلاب ويراعي حقوقها الأدبية والطبيعية والمالية أيضا، وفي أمريكا كلاب أصبحت مليونيرات توفي أصحابها، وتركوا لها وصية بثروتهم الطائلة، وقد احترم المشــرع الأمريكي تلك الوصية ولم يعتبرها ســفها! وتحت عنوان مقالــه «لــن أزور اليابــان ثانيــة» يكتب سلماوي قائلا، إنه في كل مرة يزور اليابان يعاهد نفســه ألا يعود ثانية إلى تلك البلاد، التــي لابد أن تصيب كل مصري بالأســى لما فيها من تقــدم ونظافة ونظــام وأدب جم، وهــي كلها بالطبع أشــياء لا لــزوم لها كما نعرف في مصــر، بل هي مضيعــة للوقت، فنحن مشــغولون هنا بالتخلــف والقذارة والهرجلة وقلــة الأدب، ولا وقت عندنا لتلك التوافــه اليابانية التي عفــى عليها الدهر، والتــي أقلعنا عنها منذ مــا يقرب من نصف قرن من الزمان.

وســاخرا ممــا تفعلــه إســرائيل يقول الكاتــب، إن كل هذا يجــب أن يدفعنا نحن العرب إلى ضرورة تغيير نظرتنا لإسرائيل والاقتناع أخيرا بأنها دولــة محبة للعرب، وأنها تســعى بكل الطرق إلى الســام، كما يجب أن يدفعنا أيضا إلــى ضرورة مبادلة ذلك الحــب العنيف، الذي تكنّه إســرائيل للعرب بحب لا يقل عنه عنفا!

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom