Al-Quds Al-Arabi

إذا لم تستطع هزيمة أعداءك «أُطْبُخْهُمْ»!

- نعيمة عبد الجواد ٭

صــارت للحالة الاقتصادية اليد الغالبة في جميع القرارات، حتى في الحرب. فبعد الويلات والخســائر الاقتصادية التي تكبدتها الدول المشــاركة في الحرب العالمية الثانية، صار الهم الأكبــر للدول المولعة بالحروب، وفرض الســيطرة على الدول الأخرى هو، تطوير أســلحة فعالة لها القــدرة على إلحاق الأضرار بالأعداء وإبعادهم عن ســاحة المعركة، بهدف تحقيق الانتصار، لكن في الوقت نفســه يجب أن تكون لديها القدرة على إحداث أقل خســائر فــي أرواح الجيش الُمعتدي، مع كونها قليلة التكلفة، خاصةً عند اســتخدامه­ا لمجابهة أسلحة منخفضة التكلفة. ومن ثمَّ، عكفــت الدول المتقدمة على تطوير أســلحة «الطاقة الموجهة».

ويُذكَر أنه فــي أزمة فريدة من نوعها بين الولايات المتحدة وكوبا في نوفمبر/تشرين الثاني 2020 ، التي أُطلق عليها حادثة «متلازمة هافانا» أفاد دبلوماسيون في السفارة الأمريكية في كوبا، أنه دون سابق إنذار شَــعَر كل المتواجدين في الســفارة بإعياء شــديد مصحوب بأعراض غامضة وحــادة مثل فقدان الســمع والتوازن. وبعــد التحليل، تكهن الخبراء أن السبب هو شنّ كوبا هجمة بسلاح صوتي.

والغريب فــي الأمر، أن أعــراض «متلازمة هافانا» نفســها، ظهرت على أمريكيين آخرين في مناطق أخرى من العالم، مثل حادثة ســفارة الولايات المتحدة فــي الصين في مدينة جوانج تســو عــام 2017، وكذلك أبلغ ضباط المخابــرا­ت الأمريكية عن ظهورأعراض «متلازمة هافانــا» على أهداف في أوروبا وآســيا فــي العام الماضي. وأشارت جميع أصابع الاتهام إلى روسيا، كما ورد في تقرير المخابرات المركزية الأمريكية عام 2018؛ وبالطبع استنكرت روسيا الأمر، وأشارت إلى أن هذا الاتهام ليــس في محله. لكن تأكيــد تقارير المخابرات على اتهام روســيا ناجم من أن لروســيا باعا طويلا في أبحاث اســتخدام أشــعة الميكرويف كســاح، خاصة ضد الولايات المتحــدة؛ كما حدث عندما قصفت قوات الاتحاد السوفييتي السابق السفارة الأمريكية في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي.

وقد ارتاب الفريق الطبي الذي فحص الحالات المصابة في الســفارة الأمريكية في كوبا في الأمر نفسه، بل أطلقوا مازحين على تلك الأعراض اسم «الارتجاج المخي الطاهر»؛ بسبب أنه اشتباه بارتجاج مخي، لكن الأعــراض وقتية، وأجمعــت نتائج جميع الأبحاث التــي أُجريت على الحالات، على أن هناك سلاحا وحيدا له القدرة على إحداث جميع هذه الأعراض؛ألاوهوســا­حالميكرويـ­ـف« ».ومنالجدير بالذكــر، أن جهاز «الميكرويف» وهو ذاك الفرن الصغير المســتخدم في الطهي ومتواجد فــي كل منزل عصري تقريبــاً، يعمل من خلال إطلاق أشعة دقيقة مهمتها تســخين وطهي الطعام في ثوان معدودة، وتخيل تأثيرها عند تسليطها على البشر.

والخوف الَمرَضِي من تلك الأشــعة ظهر بشــدة مع استخدام شبكات الجيــل الخامس من الإنترنت 5 ، التــي وصفوها بأنها تحيل الأرض لفــرن ميكرويف كبيــر له عظيم التأثيــر في عقول البشــر. ولم تقف المخاوف من تلك الأشــعة عند ذلك فحسب، بل تم وصفها بالمتسبب في إحداث خلل بشــري وفيروسي، كان من شــأنه ظهور فيروس كورونا بشــكل وبائي مميت بين البشر. واســتخدام الميكرويف كسلاح ينقل البشر لمستوى غير مســبوق من الحرب والمعارك، تشابه ما يحدث في أفلام حرب النجوم؛ مع فارق أن الأســلحة المستخدمة ليس لها شعاع ضوئي، بل شــعاع غير مرئي من نوع الأسلحة «الألكترومغ­ناطيسية»

التي تسمى بالقنابل الإلكتروني­ة. وفكرة الأســلحة الإلكترومغ­ناطيســية تكمن في إطلاق وميض عالي الطاقة من موجات الراديو أو الموجات الدقيقة «الميكرويف». وباستخدام طاقة النبض الكهرومغنا­طيسي كسلاح، فإن تأثيره يتراوح بين تعطيل الدوائر الإلكتروني­ة إلى إحداث تأثيرات فسيولوجية غير مفهومة لكل من يتعرض للنبض الكهرومغنا­طيســي. وقد تستمرالنبض­ة الواحدة المنبعثة من أي ســاح كهرومغناطي­ســي لوهلة قصيرة للغاية، تصل لحوالي 100 بيكو ثانية )واحد على عشــرة بلايين من الثانية(. إلا أن النبضة الواحدة توَّلد طاقة شديدة تمتصها الأجسام التي تم تسليطها عليها بفاعلية، لدرجة أن الأجسام تصير قادرة على توصيل الكهرباء، حتى لو كانــت تلك الكهربــاء موجهة للأعصاب والخلايــا العصبية. وقد شــهدت أربعينيات القرن الماضي مُستهل الأبحاث الخاصة بتأثير الأســلحة الكهرومغنا­طيســية على البشــر والحيوانات ومحاولات تطويرها. وأنفــق اليابانيون بــن عامــي 1940 و 1945 مبالغ طائلة لتطوير ما أطلقوا عليه اســم «شــعاع الموت». ثم قام الجيش الأمريكي بمراجعة وتطوير هذه الأبحاث، وخلصوا بإمكانية تطوير سلاح يُنْتِج شعاعاً كهرومغناطي­ســياً قادراً على قتل البشر بعد تسليط الشعاع من مسافة 5 - 10 أميال من المصدر.

وبعد الحرب العالمية الثانيــة، قامت الولايات المتحدة بإجراء المزيد من الأبحاث على هذا السلاح، في ما سمته بـ«عملية الضربة القاضية» التي ينجم عن تســليط الأشــعة اســتهداف أجزاء في المخ، تتســبب في حــدوث اضطرابات تعمل علــى تحفيز مناطق الشــعور التي من شــأنها إحداث تأثيرات متضاربة من الخوف والهلع والهياج والرغبة والتعب.أمافيالستي­نيات،فقدتولتمؤس­سةداربا تطوير تلك الأبحاث بدراسة التأثير النفســي والفيزيائي لاستخدام موجات الميكرويف كسلاح يســبب إلحاق الضرر بالقلب، وتدمير الأوردة، بأن يجعل الدم يغلي في العروق، أضف إلى ذلك إحداث هلاوس ســمعية. واســتمر تطوير ذلك الســاح إلى أن تم التوصل لاستخدامة كوحدة محمولة خفيفة يمكن حملها على طائرة أو حتى سيارة.

وقامت الصين باستخدام سلاح الميكرويف بكل صلف وأريحية ضد القوات الهندية في المناوشــا­ت الحدودية الأخيرة، فــي ما بينهما في يونيو/حزيــران 2020. فعندما وجدت الصين نفســها غير قادرة على صد التفوق العســكري الهندي المدرب على القتال والتصدي للهجمات في المناطق الجبلية، التي احتلــت أعالي جبال الهيمالايا، وهي مناطق اســتراتيج­ية تضمن التفوق الهندي وســيطرتها التامة على الحدود. ولما كان شــرط القتال بين الفريقين هو عدم اســتخدام الأسلحة، قامت القوات الصينية بحمل أجهزة سلاح الميكرويف على سيارات وتسليط الأشــعة على قمم الجبال، وكانت النتيجة شعور القوات الهندية بدوار شــديد وتعب مفاجــئ وقيء وهلاوس ســمعية جعلتهــم يتقهقرون فورا، واحتلت الصين تلك المناطق بســهولة. وقــال جين كانرونج

أســتاذ العلاقات الدولية في جامعــة رينمين فــي بكين: «لقد حولنا قمــم الجبل إلى ميكرويف ضخــم، وقمنا بطهي الهنود». والغريب أن كلا الطرفين تكتمــوا الأمر، على الرغم من التأكد من استخدام سلاح الميكرويف.

وأخطــر ما في الأمــر أن تناقل الأبحاث من دولة لأخرى بســهولة، ورخص سعر هذا السلاح نسبيا يرجح وقوعه في أقرب وقت في أيدي رجال العصابات والإرهابيي­ن، الذين سوف يستخدمونه ضد أعدائهم، أو لإرهاب المدنيين الآمنين. هذا الاحتمال قائم ووشــيك، وأكبر متضرر من ذلك هو البشرية جمعاء.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom