Al-Quds Al-Arabi

عملاقا السينما الفرنسية إيف مونتان وسيمون سينيوريه ... قصة حب ونضال سياسي مشترك

-

■ باريــس ـأ ف ب:لو كان عملاقا الســينما الفرنســية المغني والممثل إيــف مونتان والممثلة سيمون سينيوريه، على قيد الحياة اليوم، لكانا بلغا ســن المئة، هما اللذان بقيت شــراكتهما في الحيــاة صامدة طويلاً رغــم كل التقلبات بفضل التزام سياسي واحد جمعهما.

مــن النظــرة الأولى، نشــأت شــعلة الحبّ بينهما، وبدأت القصة. كان ذلك في آب/أغسطس 1949 في مقهى «لا كولومب دور» في ســان بول دو فانــس )جنوب فرنســا( حيــث كان يمضي صديقهما المشترك الكاتب جاك بريفير أوقاته.

كانت ســيمون كامينكر، المولودة في 25 آذار/ مارس 1921 والتي اختارت اعتماد اســم عائلة والدتها قبل الــزواج، تمضي إجــازة مع ابنتها تحت أشــعة شــمس الجنوب الفرنســي. كانت امرأة متألقة ومثقفة، يزيدها رونقاً صوتها المفعم بالأنوثة.

يومهــا، كان زوجهــا المخرج إيــف أليغريه، في باريــس، وكانت علاقة الحب بينهما تشــكّل نموذجاً مثالياً، هي التــي دخلت عالم النجومية منذ أن صوّرها فــي أول دور كبير لها في «ديديه دانفير .»

أمــا مونتــان الــذي كان فتىً وســيماً يتميز بشجاعته، ويصغر سيمون ببضعة أشهر، فكان يحيــي حفلات موســيقية في مكان غيــر بعيد. هو ابــن مهاجرَيــن إيطاليين، واســمه الأصلي إيفــو ليفي، نشــأ في مرســيليا وعمــل منذ أن كان في الحادية عشــرة، وباتت لــه مكانة على الســاحة الموســيقي­ة، واتخذ لنفســه اسم إيف

مونتان، استوحاه من مناداة والدته له صغيراً، بالإيطالية «إيفو، مونتا» أي )إيفو، اصعد(!

كان قلــب زير النســاء هذا مثخنــاً بالجراح بعدما هجرته المغنية الشهيرة إديت بياف، التي ســاعدته في بداياته الفنية وفتحــت له طريق النجــاح وارتبطت معه بعلاقــة عاطفية، فعاهد نفسه على ألا يقع في الحب مجدداً.

في «لا كولومب دور» تعارف إيف وســيمون بواسطة جاك بريفير، ومذّاك حصل «شيء مذهل وطائش لا رجعة فيه» على ما قالت الممثلة يوماً.

«لا رولوت» والمُعجَبة

تركت ســيمون كل شيء من أجل إيف. قبل أن يتزوجا، انتقلا للعيش معاً في شقتهما في ساحة دوفين في باريس. وفي شــرنقتهما الباريســي­ة التي سُــميَت «لا رولوت» كما في منزلهما الريفي في أوتوي في منطقة نورماندي )شــمال فرنسا( كانا يستضيفان الكثير من أصدقائهما اليساريين في لقاءات اجتماعية لم تكن تخلو من الأحاديث السياسية، يناقشون خلالها كيفية تغيير العالم.

كان الزوجان يتشــاركان الميول السياســية نفســها. ورثت ســيمون من والدتهــا «نوعاً من السلمية » وكان اتصالها الأول بعالم البروليتار­يا من خــال عائلة مونتان الذي «لمــس وهو يبعد صغير السن ماهية القمع والنضال والإذلال.»

معــاً خاضا معــارك كثيرة، رفضاً للأســلحة النوويــة، واســتنكار­اً للمكارثيــ­ة، ومطالبــةً باســتقلال الجزائر ودعماً للاجئين التشــيليي­ن

وإدانةً للعنصرية... لكن كانت لهما أيضاً وقفات معارضة لما كان المعســكر السوفييتي يشهده من ممارسات، منها مثلاً مشــاركتهم­ا معاً في «لافو» )الاعتراف( أحد أفلامهما الخمسة المشتركة.

لم ينضوِ الممثلان يوماً إلى الحزب الشــيوعي الفرنســي، بل كانا يلتقيان معه. إلا أنهما افترقا عنه عام 1956 خلال جولــة مونتان في الاتحاد الســوفييت­ي ودول أوروبا الشــرقية. كان ذلك مباشــرة بعد التدخل السوفييتي في المجر. تردد الزوجان، لكنهما ذهبا في نهاية المطاف.

الفكر النسوي

كانــت الجولة ناجحــة لكنها كانت مشــوبة بالحزن. في مترو موســكو، قرأت ســيمون في بعض النظرات ما فحواه «بمجيئكما، خنتمانا.» وقال مونتان: «ما زلت آمل، لكني لم أعد أصدق.» حتى أن بطل «سيزار إيه روزالي» و»زد» و»جان دو فلوريت» تحوّل إلى ليبرالــي في ثمانينيات القرن العشرين، مما أثار استياء سيمون.

كما فعلت في موســكو، كانت سيمون تحرص على حضور كل حفلات زوجها في فرنســا، ولو على حساب مواعيد تصوير الأفلام التي تشارك فيها. بالنســبة إليها، كانت الأولوية له. وبعيداً عن الفكر النســوي، قالت ذات مــرة عن ذلك إن «الحيــاة الزوجية تُبنى على أســس متينة وهي بمثابة قانــون الطبيعة: الرجــل يهيمن والمرأة تخضع». وفي حديث آخر قالت: «لم أكن يوماً إلّا المعجبة بــه، وأنا فخورة جداً بذلك». لكنّ ذلك لم

يحُل دون أن تكون مســيرتها المهنية ناجحة، من فيلم «كاسك دور» إلى «لا في دوفان سوا» مروراً بـ»لارميه ديزومبر» و»لو شا». ونالت الأوسكار في نيســان/أبريل 1960 عن فيلم «لي شــومان دو لا هوت فيل». وإذا كانت 1960 ســنة النجاح العالمي من خلال هذه الجائزة، فهي شكّلت أيضاً ســنة الإذلال. فهــي غادرت هوليــوود متوجهة إلــى روما حيث كانــت مرتبطــة بتصوير فيلم، وبقي مونتان في عاصمة الســينما للمشاركة في «ليتــس ميك لاف ». وما كان من زميلته في الفيلم مارلين مونرو، إلا أن أغرمت بهذا المغني الفرنسي الوسيم. كانت العلاقة مع مارلين مونرو، الضربة الرئيسية لزواج مونتان وسينيوريه، إلى جانب ضربات كثيرة أخرى. وحاولت سيمون أن تجعل موقفها متفهماً بقولها: «هــل تعرفون رجالاً كثراً يمكن ألا يكترثوا إذا وجــدوا مارلين مونرو، بين ذراعيهم؟». ومع ذلك، لم تنسَ سيمون قط.

وفي عام 2004 اتهمت الممثلة كاترين أليغريه، زوج أمها إيف مونتان بالتحرش بها.

باتت المشــاكل كثيرة بــن الزوجين، وراحت ســينيوريه تُكثر من شــرب الكحــول وتدخن سيجارة تلو الأخرى، فشاخت قبل الأوان ولجأت إلــى الكتابة. وبقي بين الزوجــن تناغم عاطفي معيّن مــع أن كلاً منهما عاش حياة مســتقلة عن الآخر. وتوفيت ســيمون عام 1985 بالسرطان، وعاش إيف بعدها ســت ســنوات، أعاد خلالها بناء حياته فأصبــح أباً للمرة الأولى. لكنّ مقبرة بير لاتشيز الباريسية لّمت شمل الزوجين مجدداً، وفيها يرقدان إلى الأبد.

 ??  ?? إيف مونتان وسيمون سينيوريه
إيف مونتان وسيمون سينيوريه

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom