Al-Quds Al-Arabi

بعد فشله في تحقيق وعوده للإسرائيلي­ين... هل سيكون لـ«فايزر» دور أساسي في عودة «رجل الحملات» إلى الحكم؟

- ميراف أرلوزوروف – – – – – – –

■ يأتي نتنياهو إلــى الانتخابات الرابعة محمولاً علــى نجاح عمليــة التطعيم. بذكاء كبير، سينســب رئيس الحكومة نجاح عملية التطعيم له هو نفســه فقط، وهذا فيه درجة من العدل. حسب فهمنا للأمور التي قالها مدير عام شركة «فايزر»، البرت بورلا، في المقابلات التي أجراها مع وسائل الإعلام في إسرائيل، فإن نتنياهو أقنع بورلا بتحويل إسرائيل إلى دولة نموذج لفايزر. بذلك هو ضلله )حتى في الفجر(، وبهذا سوق له جميع مزايا إسرائيل: دولة مثل جزيرة صغيرة، لديها ثقافة تطعيم جيدة، ولديهــا صناديق مرضى تعرف كيفية تنفيــذ عمليات لوجســتية كبيــرة، ولديها أنظمــة معلومات متطورة تتابــع كل من يتم تطعيمه، إضافة إلى الثمن المرتفع الذي دفعته إســرائيل، كل ذلك كان كافياً لإقناع بورلا بأن يراهن عليها. رهان أثبت نفسه.

لا شك بأن نتنياهو أدرك أهمية التطعيمات، وأدرك الأفضليات النســبية لإسرائيل. وذلك استثمره بواسطة قدرة التصويت العبقرية، وحصل لإسرائيل على موافقة فايزر بتحويلنا إلى دولة نموذج. إذا كان هناك توقيت حاسم تمكنت فيه قدرة نتنياهو التسويقية من إنقاذ إســرائيل، فقد كان هذا هو التوقيت المناسب. ومن الجيد أن الأمر هكذا.

علينا أن نقــوم بتأطير هــذا الإنجاز المهم جيداً: فقد كانــت عظمة نتنياهــو في إدراك أفضليات إســرائيل وتســويقها بشكل جيد لبورلا. ولكن الأفضليات نفســها لم يســاهم بأي شــيء لها. منذ العام 2009، السنة التي وصل فيها نتنياهو إلــى حكمه المتواصل، لم يتم إجراء أي تغييــرات هيكلية جوهرية في جهاز الصحة. تم إجراء القليل من التغييرات في فتــرة وزيرة الصحــة ياعيــل جرمان، التي ســارع إلى إقالتها عند إسقاط الحكومة المشــتركة بين الليكود و»يوجد مستقبل» في 2015، لكن ليســت هــذه التغييرات هي التي وفرت القدرات النادرة لصناديق المرضى.

إذا كانت يجب عزو أفضليات جهاز الصحة بشــكل عام وأفضليــات صناديــق المرضى بشــكل خاص لمبــاي التاريخي، الــذي أقام صناديق المرضى كأنظمة تشاركية، ولحاييم رامون الــذي قام بإصلاح الجهــاز في 1994 وحوله إلى جهاز صحة حديث، فإن نتنياهو لم يحرك ســاكناً فــي الـ 12 ســنة من حكمه المتواصل، ولم يفعل أي شــيء لمنح إسرائيل الأفضلية الاستراتيج­ية العظيمة لجهاز صحة جيد جداً.

هذا يتلاءم مع إنجازات نتنياهو عبقري في التســويق، رجــل الحمــات الأفضل في العالم، لكنه مدير بائس. وهو نفســه يشهد على ذلك. ففــي العام 2010، بعد ســنة على انتخابــه، رســم نتنياهو حلمه لإســرائيل: تحويلها خلال 15 سنة إلى إحدى الدول الـ 15 الأفضل في العالم من ناحية ناتج الفرد فيها. وفصل الخطوات التي يجب اتخاذها لتحقيق هذا الحلم: الحفاظ على الانضباط في الميزانية والهــدف المحدد للعجز؛ وخفــض الضرائب، وبشــكل خاص خفض ضريبة الشركات في إســرائيل إلــى 18 في المئة؛ والاســتثم­ار في التعليم والبنــى التحتية والمواصلات والمياه ووســائل الإعلام؛ وتقليص تدخل الحكومة في الاقتصاد بواسطة تخفيف عبء التنظيم.

بعد 12 سنة على ذلك، يمكن إجراء تدليل: لــم يتم الحفــاظ علــى انضبــاط الميزانية؛ وتحــول هدف العجــز المحدد في الســنوات الخمس الأخيــرة إلى نكتــة؛ والضرائب لم تنخفض؛ والاســتثم­ار في التعليم لم يحدث؛ والاســتثم­ار في البنى التحتيــة حدث ولكن فــي نطاقات غيــر مرضيــة؛ وتقليص عبء التنظيم كان بمستويات غير مرضية. التدليل الأساسي كان أن إســرائيل بالطبع لم تتقدم على الإطــاق فــي أن تكون إحــدى الدول الـ 15 الأفضــل في العالم مــن ناحية الناتج للفرد. فعلياً، بات ناتج الفرد بإســرائيل في اضمحلال، مقارنــة مع المتوســط في الدول المتقدمــة منذ العــام 2015. ولا يوجد ســبب للافتراض بأن ســنة كورونا قــد غيرت هذا الاتجاه. باختصار، منذ الثمانينيا­ت )بيانات

محدثة مؤخراً موجودة عن العام ‪40 2018،)‬ سنة متواصلة وإســرائيل مصنفة في المكان ‪23 22‬ بالنســبة لناتج الفرد فيها في العالم. نتنياهو في الـ 12 سنة من حكمه المتواصل لم يدفعنا قدماً حتى بمكان واحد في التصنيف.

عقد ضائع باختصار، لم يتحقق الحلم. وعد نتنياهو بدفعنا قدماً إلى المكان الـ 15 في العالم، لكنه لم يعــد بالوفاء بذلــك. وعمليــاً، لم يحاول الوفاء بذلك. نتنياهو، السيد اقتصاد، يعرف المشــكلات التي تعيق المجتمع في إسرائيل الأصوليون، العرب، الإنتاج المنخفض، رأس مال بشري متدن لكن ذلك لم يجعله يسعى إلى حل هذه المشكلات.

ولــم يجر في الـ 12 ســنة مــن حكمه أي اصلاح في جهاز التعليــم. وبهذا أضاع عقداً كاملاً في معالجة مشكلات رأس المال البشري عندنا. في الـ 12 ســنة من حكمه قام بعملية

رائعة تتمثل في اســتثمار 10 مليارات شيكل في الوســط العربــي، لكن فــي المقابل أبعد العرب عــن طريق قانــون القومية وصنفهم كطابور خامــس. في الـ 12 ســنة من حكمه لــم ينفذ أي تغيير هيكلي فــي علاقات الحكم المركزي والحكم المحلي في إســرائيل. في الـ 12 سنة من حكمه بدأ بتحسين أداء الحكومة، لكنــه بعد ذلك دخل إلى جنــون حملة الحكم ودمر كل قطعة جيدة في المهنية الحكومية. في الـ 12 سنة من حكمه لم يقم بتحسين أي شيء في الدفع قدماً بالمجتمــع الأصولي، بالعكس، خضع للأصوليين وجرهم إلى هاوية، وجرنا معهم.

ثمار فشــل نتنياهــو الإداري المدوي منذ العــام 2009 قابله الجمهور الإســرائي­لي في ســنة كورونا: الإقصاء وعــدم الثقة من قبل المجتمع العربي، وعدم حوكمة مطلق، وغياب أي اعتبار في المجتمــع الأصولي، وعدم أداء

وعدم مهنية حكومية، بخــاف مطلق للدول التي هي من بين الـ 15 دولة جيدة في العالم جميعها دول لها حكومات قوية ومهنية أدارت أزمة كورونا بواسطة مستويات مهنية وليس مستويات سياسية انكشــفت إسرائيل في سنة الأزمة كدولة ضعيفة لديها عملية اتخاذ قرارات سياسية تقوم بخصي المهنية. بدلاً من الدفع قدماً بإســرائيل إلى نادي الـ 15 دولة الأفضل في العالم، حولهــا نتنياهو في فترة كورونــا إلى دولــة عضوة في نــادي الدول الأقل واعدة. فــي الاختبار الاقتصادي، الذي صاغه نتنياهو نفســه ووضعه، كان فشــله واضحاً وقاطعاً، ولا خلاف حول ذلك، وهاكم الحقائــق: فقد نبعــت المشــاعر الاقتصادية الجيــدة التي ســادت في أوســاط الجمهور عشــية أزمة كورونا، من ازدهــار اقتصادي كان موجوداً في كل العالم وليس في إسرائيل فحســب، وأيضاً من ثمار خطوات اتُخذت في العقود الســابقة، مثل خطوات مهمة قام بها نتنياهو كوزير للمالية. كل ذلك لم يكن له أي ذكر في العقد السابق.

منــذ العــام 2009 حافــظ نتنياهــو على الوضــع ولم يفعل أي شــيء تقريباً كي يدفع قدماً بإســرائيل. وليس صدفة أننا لم نتقدم في التصنيف النســبي لم نفعل أي خطوة كان يمكن أن تحســن وضعنا بالنسبة للدول المتقدمة. بنظرة تاريخية، منذ عقدين، سيتم ذكر العقد السابق على أنه عقد ضائع، وسيتم الحكم على نتنياهــو كرئيس الحكومة الأكثر قولاً والأقل فعلاً.

خصصت صحيفــة «نيويورك تايمز» مقالاً للجد جــو بايدن الــذي يضحك علــى براك أوباما. كنائب رئيس، عانى بايدن من معاملة مستخفة من قبل أوباما، إذ اعتبره جداً عجوزاً وأبعده عن بــؤرة اتخاذ القــرارات. والآن، بعد شــهرين على انتخابه، لا يبقي الجد جو لأوباما ســوى الغبار. امتاز أوباما بكاريزما، وحماســة، وشباب، وقدرة تســويق، وحلم جارف، ومظهر ممتاز، لكنه كان مديراً ورئيساً متوســطاً بصعوبة. يتبــن أن الجد الرمادي بايدن، العديم الكاريزما والذي تنقصه الثقة بالنفس والمتلعثم، يظهر كرئيس قوي ويتخذ القرارات بلا تردد ويرسم استراتيجية قاطعة ويتقدم إلى الأمام بشكل سريع.

وفي إســرائيل أيضاً ســابقة لذلك؛ فأحد رؤســاء الحكومــة الأكثــر رماديــة الذين عرفناهــم، الــذي كان أقل إثارة للحماســة، وكان تلعثم أيضاً في بث مباشــر في الراديو عشــية حرب الأيام الســتة، يعتبر الآن أحد رؤســاء الحكومات الجيدين فــي التاريخ... وهو ليفي أشكول بالطبع. يتبين أن الكاريزما مستشار ســيئ جداً لانتخاب رئيس حكومة، وأن من ليســت لهم كاريزمــا هم على الأغلب رجــال الأفعال الجيــدون. بعد 12 ســنة من الفشل الإداري، وبعد الفشل المدوي في إدارة أزمة كورونا، حان الوقت لتفضيل الفعل على الكاريزما.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom