Al-Quds Al-Arabi

رغم «قصة غرام» مع نتنياهو: إذا أردتم تصويتاً «استراتيجياً» فأمامكم منصور عباس

- آفي شيلون

■ كل حملة انتخابات تجلب معها تجديداً في القاموس السياســي. إذا كانــت الموضة في الجولة الســابقة هي «الوحــدة» فإن موضة هذه المرة هي «التصويت الاستراتيج­ي». هناك من يقترحون إضعاف «أزرق أبيض»، وهناك من يريدون ضمان بقاء «ميرتس»، وهناك من يعتقدون بأنه إذا لم يعترف يئير لبيد بأنه يريد أن يكون رئيســاً للحكومة، نعم ســيكون. لكن المضحك في فكرة «التصويت الاســترات­يجي» هو أن من يدعون له في الواقع يتحدثون عــن «تصويت تكتيكي». أي يقلقون من كيفية تغيير أو إبقاء نتنياهو في الحكم، ولا ينشــغلون في مسألة كيف سيؤثر تصويتهم على المدى البعيد.

إذا كنا نتحدث عن اســتراتيج­ية، من يريد تصويتاً بفرصة كبيرة في إصلاح إخفاقات الدولة، من اليمين واليســار على حد ســواء، يجب أن ينتخب منصور عباس.

التحليل السياســي الدارج بالنســبة لعباس يتناول في الأســاس ســخرية التحالف المحتمل بينه وبين نتنياهو. على الصعيد الشخصي للسياســة، هذا صحيح. بيبي وجد في عباس مــن يمكنه أن يؤيده من الخارج أو من الداخل، على خلفية الصراع بينه وبين القائمة المشــتركة. على مستوى آخر للأمور، يستند هذا التحالف إلى احتمالية واقعية، لأن شيئاً ما أكثر عمقاً يجري في إســرائيل: بعد 71 سنة على إقامة الدولة، من الصعب ملاحظــة أن عرباً ويهوداً بدأوا يدركــون بإمكانية العيش معاً، حتى بدون أي صلة بالخلافات بالنســبة للمســألة الفلسطينية أو إلى جانبها.

يلاحظ التعايش المتزايد في كل مجالات الحياة: ففي الحملة السابقة لمنتخب كرة القدم، انقســمت التشــكيلة تقريباً بصورة متســاوية بين اليهود والعــرب، دون أن يثير هذا الأمر أي تحفظ جماهيري. بالعكس، آلاف المعالجين من كورونا، الذي لم يميز بين اليهود والعرب، شعروا أن المستشفيات، المكان الأكثر أهمية في الحياة، هي فضاء مشترك. بين يافا و »رمات افيف » يمكننا رؤية المزيد من الفلسطينيي­ن من مواطني إسرائيل في أماكن العمل وأماكن الاستجمام المشتركة. وتحول العنف في المجتمع العربي إلى موضوع يصل أيضاً إلى عناوين وسائل إعلام التيار العام، الأمر الذي شــجع عدداً غير قليل من اليهود للانضمام إلى المظاهرات في أم الفحم.

هذا الربط، الذي يحدث بالتحديد في عهد حكم يميني مستمر، يحدث بسبب الواقع، بدون هندسة اجتماعية وبدون مساعدة من الحكم. ولكن إذا كان لهذا الربط خاتم سياســي، فســيكون هذا هــو التطور المهم في المجتمع الإسرائيلي، ويجب أن لا يهتم أي يساري عاقل إذا زاد نتنياهو، لاعتبارات ســاخرة، الاســتثما­ر في القرى العربية مقابل تأييد عباس. بالعكس، التحالف بين اليمين ومنصور عباس هو أهم من وجود ابتسام مراعنة في الكنيست. لأنها بالمعنى العميق أشكنازية شابة من وسط تل أبيب أكثر مما هي ممثلة لأغلبية الجمهور العربي.

التحالــف بين منصور عباس واليمين مهم أيضاً لأنه لم يُبنَ من موقف أبوي مثلما كانت الحال في زمن مباي، أو من تطلع مثالي للتعايش. هذه صفقــة بين طرفين يحتــاج أحدهما إلى الآخر بدرجة متســاوية. لذلك، بإمكان هذا التحالف أن يشكل واقعاً. إضافة إلى ذلك، بعد أن قام اليمين بشرعنة عباس، اســتجمع لبيد ورؤساء اليســار الشجاعة وعرضوا القائمة المشتركة كشريكة شرعية. أيضاً إذا كان لكتلة اليسار أي احتمال حقيقي، فمن المعقــول أن ينضم منصور عباس إليها فــي النهاية، رغم قصة الغرام مع نتنياهو. لذلــك، التصويت لـ»راعم» لحظة نادرة يمكن أن نجمع فيها، حرفياً، مصالح يمينية ويســارية على حد ســواء. ليس بالمعنى التكتيكي، بل بالمعنى الاستراتيج­ي.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom