Al-Quds Al-Arabi

لماذا لا تنضم مصر والسودان للمعاهدة الدولية لاستخدامات الأنهار؟

- *كاتب مصري

أليــس من الغريــب أن تطالب مصر والســودان بالوســاطة الدوليــة في أزمة ســد النهضة، بينما لا يعترف كل منهما بالقانــون الدولي، الذي ينظم اســتخداما­ت الأنهار والبحيــرا­ت وخزانات الميــاه الجوفية العابــرة للحدود؟ أليــس من المثير للدهشــة أن الدولتين لــم تراجع أي منهما موقفها من القانــون، على الرغم مــن التهديدات والمخاطر التي تتعرض لها، التي تصفها مصر بأنها «وجودية»، حسب تعبير رئيس الوزراء في كلمته الأخيرة إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، ويعتبرها السودان خطرا داهما «يهدد حياة 20 مليونا» من مواطنيها حســب تصريحات أطلقتها وزيرة خارجية الســودان؟ إن موقف البلدين من معاهدة القانون الدولي للمجاري المائيــة، يحتاج إلى مراجعة عاجلة، تفتح الطريق للتوقيع على المعاهدة، مع تســجيل التحفظات إذا استدعى الأمر ذلك.

ومــن الضروري أيضــا أن توقع الدولتان علــى اتفاقية مبــادرة حوض النيل، التي تمثل الإطــار القانوني المعترف به افريقياً، لإدارة استخدامات النظام المائي للنيل، استنادا إلى مبادئ القانون الدولي. إن التوقيع على القانون الدولي للأنهــار، وعلى اتفاقية الإطار التعاونــي لمبادرة النيل، من شــأنه أن يضع المطالب المصرية والســودان­ية بشــأن سد النهضة على أرضية قانونية ســليمة، ويبرر للدولتين حق اســتخدام الوســائل الأخرى كافة، في حال عــدم انصياع إثيوبيا للقانــون الدولي. إثيوبيا رفضت طلب الوســاطة الدولية، وقالت خلال جولة المفاوضات الفاشلة الأخيرة في يناير الماضي، إنها ســتمضي قدما في تنفيذ المرحلة الثانية

لملء بحيرة ســد النهضة، ســواء قبلت مصر والسودان أم لا، وأكــدت موقفها في خطاب رســمي إلى رئاســة الاتحاد الافريقي. إن رفض إثيوبيا للوساطة الرباعية، وعدم توقيع مصر والسودان على القانون الدولي، يجعلان من الإصرار على الدعوة للوســاطة مجرد مزحة سياســية للاستهلاك المحلي وإضاعة الوقت.

القانون الدولي والدبلوماس­ية

أصدرت الجمعية العامة لــأمم المتحدة المعاهدة الدولية لقانون المجــاري المائية العابرة للحــدود، في دورتها الـ51 بتاريخ 21 مايــو 1997، ودخلت المعاهدة حيــز التنفيذ في 17 أغســطس 2014. وترافقــت تلك الفترة مــع مفاوضات ماراثونية بين دول حوض النيل، بما فيها مصر والسودان، لوضع نظام لاستخدام وتنمية وحماية النظام المائي للنيل، بعد أن تعرضــت معظم دول الحوض لموجــات من الجفاف الحاد في ثمانينيــا­ت القرن الماضي، تســببت في مجاعات وكوارث إنســانية، مــا أدى بالمجتمع الدولــي إلى الانتباه لأهمية التنمية المشــتركة لمصادر المياه المشتركة، كواحد من أســس تجنب الكــوارث والمجاعات، وتحقيــق الأمن المائي والغذائي للشعوب. وكما رفضت مصر والسودان الاعتراف بالقانــون الدولي للمياه، فإنها أيضــا رفضت التوقيع على اتفاقية مبــادرة حوض النيل في عــام 2010. وتعود أهمية المعاهــدة الدولية لقانون المياه المشــتركة، إلــى أنها توفر لدول لعالم إطــارا قانونيــا مرجعيا متفقا عليــه، لتنظيم اســتخداما­ت الأنهار والبحيرات وخزانــات المياه الجوفية المشــتركة، تحتكم إليه لحل النزاعات. ومن ثم فإنها تســد ثغرة فــي منظومة القوانين الدولية فــي موضوع من أخطر الموضوعات المرتبطة بحياة البشــر وحماية البيئة. لكن ما يثير الدهشــة هنا هو أن دول حوض النيل الثلاث المشتبكة حاليا في صراع مرير حول ســد النهضــة الإثيوبي لم توقع على المعاهدة.

وقد نفهــم أن إثيوبيا لها مصلحة في عــدم التوقيع على المعاهدة الدولية، لأنها تفضــل عدم التقيد بالقانون الدولي في قواعد استخدام حوض النيل الأزرق، الذي يغذي النهر الرئيسي بأكثر من %85 من إيراداته السنوية المتجددة من مياه الأمطار. وقد نفهم كذلك أن السودان حتى ذلك الوقت لم يكن معنيا تماما بقضايا تنظيم وتنمية وحماية النظام المائي لنهر النيــل، على اعتبار أنه لديه الموارد الكافية من إيرادات الأمطار والمياه السطحية والجوفية، بما لا يجعله في عجلة من أمر التوقيع على القانون. لكــن ماذا عن مصر، التي تقع جغرافيا في نهاية مجرى النيل، وهو شــريان حياتها الذي يغذيهــا بنحو %95 من مواردها المائيــة المتجددة؟ لماذا لم توقع مصر علــى القانون، وهو المرجع المتفــق عليه دوليا، الذي يمكن أن يســاعدها في الحصول على نصيبها العادل من المياه في حال وجود نزاع؟ ولماذا اســتمر هذا الموقف، مع أن التوقيع يعزز الموقف القانونــي في المطالبة بإقامة نظام مشترك بين دول حوض النيل، لتنمية موارد النهر من المياه، وتحقيــق وفورات يتم توزيعها بطريقــة متوازنة على دول حوض النيل، تتناسب مع عدد الســكان والمساحة، ومعدل الاعتماد على النيل كمــورد للمياه، وهي معايير تبرر زيادة حصــة مصر، مقارنة بالدول الأقل مســاحة وســكانا وتلك التي تتمتع بموارد أخرى غنية للمياه المتجددة. المبرر الذي استند إليه صناع السياسة المائية في مصر، لرفض التوقيع على القانون الدولي، وعلى اتفاقيــة مبادرة حوض النيل، هو ما يســمى «الحقوق التاريخية» التــي تعتبر مياه النيل ملكا لمصر والســودان، وهو ما ترفضــه دول حوض النيل الأخرى كما يرفضــه العالم. فماذا تحقــق لمصر من رفضها توقيع القانون الدولي للأنهار العابرة للحدود؟ هل حافظت على حصتها في المياه؟ هل نجحت في اســتخدام حق الفيتو ومنعت إثيوبيا من بناء الســد؟ لا شيء من ذلك تحقق، بل على العكس من ذلك تعاني مصــر من عزلة بين دول حوض النيل بســبب تجميد عضويتها في المبــادرة، كما تعاني من عدم القدرة على مواجهة الأمــر الواقع الذي خلقته إثيوبيا بإقامة ســد النهضة، وتنفيذ المرحلة الأولى للملء في صيف العام الماضي، والتمســك بتنفيذ المرحلة الثانية في الصيف الحالي، وذلك اســتعدادا لبدء توليد الكهربــاء بعد انتهاء موسم التخزين.

مبادئ متوازنة في القانون الدولي

ينطلق القانون الدولي مــن حقيقة أن المياه مورد حيوي للغذاء والصحة والطاقــة والاســتخد­امات المنزلية، وأنه حيثما تكــون مصادرها مشــتركة بين أكثر مــن دولة، فمن الطبيعي أن تنشــأ خلافــات ومواقف متضاربــة، تتطلب وضع مبادئ لمعالجتها مــن أجل التفاهم على حلول متكاملة ومنســقة، على أســاس نهج منصــف وتشــاركي ومتعدد المســتويا­ت. كما ينص القانون على أن أي اتفاقيات إقليمية في قضايا المياه يجب أن تكون متناغمة مع المبادئ الأساسية للمعاهدة الدولية. وتبين المادتان الخامســة والســابعة في المعاهــدة الدولية لقانون الأنهار حقــوق والتزامات الدول الأعضاء. وتنص المادة الخامســة على أن استخدام المجاري المائية المشتركة، يجب أن يكون متوازنا بين الدول الأعضاء، وأن يكــون معقــولا، وأن تلتــزم الدول المتشــارك­ة بتنمية المجرى المائي، بغرض تحقيق الاستخدام الأمثل والمستدام، مع الأخذ فــي الاعتبار مصالح كل الــدول الأعضاء وحماية المجرى المائــي والمحافظة عليه. ومن ثم فــإن المعاهدة تهتم بأربع قضايا مشتركة في وقت واحد، هي حقوق الاستخدام، وواجب التنمية، وضرورة الحمايــة، وحتمية التعاون. أما المادة السابعة فإنها تنص صراحة على وجوب التزام الدول الأعضاء، بألا يتسبب سلوك أي منها في وقوع ضرر جسيم لطرف آخر أو أكثر.

اتفاقية عنتيبي

واسترشــاد­ا بمبادئ المعاهدة الدوليــة لقانون المجاري المائية العابرة للحدود، فــإن اتفاقية عنتيبي نصت على أن دول مبــادرة حوض النيل «تنتفع انتفاعــا منصفا ومعقولا بموارد المنظومة المائية لنهــر النيل، وعلى وجه الخصوص تلــك التي يمكــن تطويرها بواســطة دول المبــادرة» على أســاس التوزيع المتوازن للمنافع وتجنــب الضرر. وتبنت اتفاقية الإطــار التعاوني لــدول المبادرة مفهــوم «النظام المائــي» لنهر النيل، الــذي يأخذ في اعتبــاره توزيع المياه المتجددة الســطحية والجوفية في آن، مع مراعاة المحافظة على البيئة. ومن المؤســف أن اتفاقيــة مبادرة حوض النيل لم تدخل حيز التنفيذ حتى الآن بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني للتصديق عليها. وتجدر الإشــارة إلى أن إثيوبيا التي لم توقع على المعاهــدة الدولية للأنهار، قد وقعت على مبادرة حوض النيل، وأتمت إجــراءات التصديق عليها مع كل من روانــدا وتنزانيا وأوغندا، في حين أن كينيا وتنزانيا وبوروندي وقعت لكنها لم تستكمل إجراءات التصديق بعد، وطلبت إريتريا الانضمام إلى المبادرة، بينما رفضت التوقيع ثلاث دول هي مصر والكونغو والســودان. ويشير الموقف الراهن بالنسبة للمرحلة الثانية من ملء خزان سد النهضة إلى وجود شــروخ في التنسيق المصري - السوداني، وإلى تصلــب في الموقــف الإثيوبي. كما يمكن أيضــا رصد بعض مظاهر التراخي في الموقف الدولي، بعد وساطات فاشلة في العام الماضي. وعلى ضوء كل ذلــك فإن الأرجح هو أن تنفذ إثيوبيا فعلا الملء الثاني لبحيرة الســد، لترتفع كمية المياه المخزونة من 4.9 مليار متر مكعب إلى 18.4 مليار متر مكعب، وهو ما يســمح لها بأن تحتفل هذا العام بتشغيل توربينين من توربينات توليد الكهرباء من الســد. أما المفاوضات فإن أبوابها ستظل مفتوحة، ويصبح على دولتي المصب الاختيار بين أن يخضع السد للقانون الدولي وترتيبات إقليمية متفق عليهــا، أو أن يكون مجرد أمر واقع أقامتــه وتديره الإرادة الإثيوبية المنفردة.

المعاهدة الدولية لقانون المياه المشتركة، توفر لدول لعالم إطارا قانونيا لتنظيم استخدامات الأنهار، تحتكم إليه لحل النزاعات

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom