Al-Quds Al-Arabi

ما الذي سيفعله رئيس تونس لاتحاد دول المغرب؟

- * كاتب وصحافي من تونس

ليــس بوســعه اجتــراح معجزة، وليس واردا بالطبع أن يطلب منه ذلك.. لكن هل ستتوقف الأمور عند حد إعلانه المفاجــئ قبل أيــام عن بعــض النوايا النبيلة؟ أم إنها ستمضي لاحقا لأبعد من ذلك؟ وإذا كانــت الإكراهات والمصالح الدولية لا تتماهى غالبا وبشــكل مطلق مع المبــادئ والقناعــا­ت الفردية، فإن الســؤال هنا هو، ما الذي دعا رئيــس تونس لأن ينتبه الآن بالذات إلى أن هناك اتحادا مغاربيا قد يشكل طوق الخلاص المثالي لبلاده من كبواتها المالية والاقتصادي­ة بوجه خاص؟

ربمــا كان مــن المفيد لو أن أحــدا مــن الصحافيين الدين حضــروا الأربعــاء الماضــي في طرابلــس وقائــع المؤتمر الصحافي، الذي عقده رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي مع الرئيس التونســي، الذي حل يّومهــا في ليبيا في زيارة رسمية دامت لساعات معدودة فقط، قد حاول بطريقة ما فكّ ذلك اللغز، وسأل الضيف التونسي وبشكل مباشر عما قصده حين قال في فقرة من كلمته أمام مضيفه: «سنعمل معا على أن يعود اتحاد المغرب العربي لسالف نشاطه، باجتماع جديد للدول المكونة له على مستوى وزراء الخارجية أو على مستوى القمة .»

فليس معقولا أبدا أن تســقط مثل تلــك الجملة القصيرة، التــي لم تثر قدرا واســعا من الاهتمــام، لا داخل تونس ولا حتــى خارجها، عبثا أو تحشــر بشــكل عفوي في ســياق الحديث العاطفي للرئيس قيس سعيد عن مستقبل العلاقات التونســية الليبية. لكن ما المغزى من ورائها إذن؟ وما الذي قصــده، أو أراده الرئيــس ســعيد من خلال تلك الإشــارة المغاربية بالتحديد؟ لعل مبعث كل تلك التساؤلات، أن علاقته بالاتحاد المغاربي خلال أكثر من عام من توليه الرئاســة، لم تكن صلبة أو قوية جدا، بقدر ما كانــت وعلى العكس باهتة وفاتــرة لأقصى حد، حتــى لا نقول ضعيفــة ومخيبة لآمال وتطلعــات كثير من المغاربيين الذين استبشــروا في خريف 2019 بفوزه بانتخابات الرئاســة، واعتبــروه الرجل الذي ســيقدر على ضــخ دماء جديدة فــي اتحــاد مغاربي مجمد ومشــلول، لا يزال البعض يراه في حالة موت ســريري. أما المبرر الذي قد يفســر به أنصار ســعيد ذلك، فهو أن استمرار الاضطرابات السياسية وتفاقم الأزمات والمشاكل الداخلية، خصوصا بعد عجــز الحزب الفائز بالانتخابـ­ـات، أي حركة النهضة عن كسب ثقة البرلمان لتشكيل الحكومة، هو ما جعل الرئيس ســعيد يخصص قســما كبيرا من جهده واهتمامه لتلك المسائل، ولو كان ذلك على حســاب الملفات الخارجية، التي هي بالأســاس من صلب أولوياته واختصاصاته، وفقا لما جاء به الدســتور الجديــد. لكن ألم تكــن نظرته مع ذلك للوحدة المغاربية ومنذ الشهور والأسابيع الأولى لحكمه على قدر كبير من التذبذب والضبابية؟ فبعد اســتقباله موفدين مغربيــن رفيعين من العاهل المغربي محمد الســادس، وهما رئيسا مجلس النواب ومجلس المستشارين المغربيين، اللذان حضرا مراســم تنصيبه وتأكيده خلال تلــك المقابلة، وفقا لما جاء في بيان الرئاســة على «اســتعداد تونس الدائم لمزيد تعزيز علاقاتها مــع المغرب، من خلال إيجاد صيغ وتصورات جديدة للتعاون في المجالات كافة، لمواجهة مختلف التحديات وتجسيد تطلعات الشعبين الشقيقين، نحو مزيد من التعاون والتكامل والتضامن «وعلى وحدة مصير الشعوب المغاربية ،» وتشديده على «أهمية الدفع بالعمل المغاربي المشترك وتفعيل مؤسســات اتحاد المغرب العربي، كخيار اســتراتيج­ي لفتح أفق تعاون جديدة لشــعوب المنطقة، وتعزيــز الاندماج بين الدول المغاربية». كانت المفاجأة الكبرى، ليست فقط أن شيئا من ذلك لم يحصل على الاطلاق، بل حدوث نوع من الانتكاس غيــر المفهوم فــي العلاقات التونســية المغربيــة، واقتصار الاتصالات رفيعة المســتوى بين الجانب التونسي والجانب المغاربي، وفي جزء كبير منها، علــى بعض المكالمات الهاتفية والبرقيات المتبادلة مع الرئيس الجزائري تبون، وزيارة أولى للجزائر تلتها أخرى الأسبوع الماضي إلى ليبيا، ودامت بضع ساعات فحســب، ما جعل الرباط تنظر بريبة وقلق لما باتت تعتبره ابتعادا نســبيا وجفاء غير مبــرر من جانب تونس، وربما حتــى نوعا من الخــروج غير المعهود عن سياســتها المعروفة بالتوازن في تعاملها مع جارتيها المغاربيتي­ن المغرب والجزائر، الأمر الــذي دفع كثيرا من المراقبين لأن يعتبروا أن تتالي الاتصالات بين الرئيسين ســعيد وتبون، مقابل غياب تام لأي إعلان رســمي عن زيارة مرتقبة للرئيس التونســي للرباط، أو حتى لنواكشوط، بالإضافة إلى ما خلفه التصريح الأخير لرئيس مجلس النواب التونسي بعد التأويل الخاطئ لدعوتــه لإحياء الاتحاد المغاربي، ولــو بالانطلاق من مثلث يضم تونس والجزائــر وليبيا من ضجة كبرى داخل المغرب، تأكيــدا لكل تلك الهواجــس، وبالتالي دقا لآخر مســمار في نعش الاتحاد المغاربي، مثلما ســارعت للقول بعض الجهات الإعلامية في الرباط. ولذلك جاء تصريح الرئيس التونسي في طرابلس كمحاولة متأخرة بعض الشــيء، لكن ضرورية للتدارك والتصحيح ووضع الأمور في نصابها، بالإشارة ولو بشــكل غير مباشر إلى أن العلاقات التونســية الليبية ومن ورائها العلاقات التونسية الجزائرية أيضا تتنزل ضمن إطار إقليمي أشــمل هو الاتحاد المغاربي. لكن هل كان الدافع لذلك هو اصطدام الرئيس سعيد بحقيقة موضوعية هي، صعوبة وربما حتى استحالة تأسيس تحالف ثنائي أو ثلاثي، يجمع تونس بالجارتين الجزائــر وليبيا دون باقي الدول المغاربية الأخرى؟

لا شــك بأن نفســا براغماتيا جديدا ظهر بوضوح في تلك الجملــة المقتضبة، لم يعهده التونســيو­ن على الأقل من قبل في خطب وتصريحات رئيسهم. فالرجل الذي ظل يردد دائما انه مع اتحــاد مغاربي مغاير تماما للحالي، وأكد أكثر من مرة ربما آخرها في اتصال هاتفي جمعه في مايو الماضي بالرئيس الموريتاني ولد الغزواني على « وجوب التفكير في وســائل جديدة ترتقي بفكرة المغرب العربي إلى مستوى آمال الجيل القديم، وتطلعات الشــباب المتحفز لبناء مســتقبل جديد،» صار هدفه المعلن الآن هو التوصــل فقط لعقد اجتماع للدول الأعضاء في الاتحاد على مســتوى الرؤســاء، أو حتى على مســتوى وزراء الخارجية. وهذا ما قد يشــكل وفي حد ذاته تنازلا نادرا في مواقف وأفكار قيس ســعيد، إذ ما قارناه بما يبديه من تمسك شديد بطروحاته ورؤيته للمسائل والقضايا الداخلية لبلاده. لكن السؤال هنا ومع نزول سقف طموحات ســعيد إلى حد أدنى، وهو التوصل لجمــع القادة المغاربيين إلى طاولة واحدة، بغض النظر عن مآلات ونتائج اجتماعهم هو، ما الذي يخطط لفعله حتى يحقق ذلك؟ وهل إنه سيكون قادرا على أن يقدم للتونســيي­ن والمغاربيـ­ـن ما قد يبدو الآن وفي ظل الوضع المتوتر نسبيا بالمنطقة حدثا وإنجازا فارقا؟ إن بوسعه وبلا شــك أن يســتثمرعل­اقاته الجيدة بالقيادة الجزائرية، لإقناعها بأهمية مثل تلك القمة والضرورة الملحة لعقدها. وربما سيكون من الســهل عليه أن يفعل الأمر نفسه مع الموريتاني­ين والليبيين. غير انه سيكون مطالبا ببذل جهد أكبر لإقناع المغاربة بأن تونس لاتــزال بالفعل حريصة على الحفاظ على علاقــات متوازنة مع كل الدول المغاربية. أما هل سينجح بالأخير في ذلك أم لا؟ فالأمر يبقى مرتبطا بالأساس بما سيفعله لا بما سيقوله ويصرح به.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom