Al-Quds Al-Arabi

حرب بلا بارود

- * كاتب فلسطيني s.saidam@gmail.com

تذكرنا معارك شركات الأدوية التي أنتجت لقاح كورونا مؤخــراً، والتي تــدور في الخفــاء والعلــن، بصراع شــركات إنتاج السجائر والتبغ مطلع القرن الماضــي، ليس فقط مــن حيث ضراوتهــا ومكرها فحســب، بل أيضاً بتوظيفهــا لرؤســاء دول وحكومات وماكنات إعلامية وقرارات سياســية ومؤسسات صحية رســمية، بغرض إذكاء تلك المعارك، بل إن الأمر ذهب إلى

أبعد مــن ذلك ليطال اتحــادات لدول ومؤسســات طبية وجمعيــات صحية وخلافها، بــل مع ظهــور متحور هنا ومتحور هناك كل عدة أيام، تســارع تلك الشــركات ومن كل حدب وصــوب، لتؤكد للجميع علــى أن لقاحها ما زال قادراً علــى مواجهة المتحورات الجديــدة، ولتعيد إحياء جذوة حروبها في وجه معارضيها من شركات ومؤسسات وأشخاص.

فهل لديها وفي إطار مواجهة منافسيها، ذباباً إلكترونياً يمارس التشكيك في منتجات الخصوم؟ وهل لديها دوائر مخصصة للإســاءة والإعلام القذر، الــذي يتولى إطلاق الإشــاعات وحملات الكذب والتشــهير؟ وهل تدفع رشى للساسة والزعماء؟

كلهــا أمور متوقعة لا محالة، لكننــا لا نملك دليلاً قاطعاً على ذلــك، ما نملكــه جميعا هــو مراقبة تلــك الأرجحة الإسبوعية في إشــهار هذا اللقاح على حساب ذلك اللقاح والحــط من لقاح ما على حســاب الآخر، بــل وصل الحد إلى إشــغال منظمة الصحة العالمية والاتحاد الأوروبي في المســاعي الهادفة إلى تطمين الدول بمصداقية هذا اللقاح أو ذاك. ورغم قناعتي الشــخصية بلقاح معين، أعتقد أنه الأفضل في مقابل اللقاحات الأخرى، وأنا الذي قرأت معظم الأوراق العلميــة الخاصــة بكورونا وتوابعهــا، إلا أنني

ســأمتنع عن ذكر ذلك اللقاح في هــذا المقال تجنباً للوقوع تلقائياً في خضم السجال القائم. ولكن ما أقوله، إن ما طال الحرب على لقاحات استرازينيك­ا وفايزر، وحتى موديرنا خلال الفترة الماضية، أثار حفيظة الشــركات المستهدفة لا محالة، لكنــه فعلياً أثار الرعب في صــدور الناس، الذين تلقوا أحد تلك اللقاحات، خشــية أن يكونوا قد اســاؤوا اختيــار اللقاح. وبينمــا تتنافس الشــركات والدول في حروبها المريبة من أجل تعظيم عائدات لقاحها، يقع الناس ضحية هذا الصراع المخجل، الذي يقامر بمشــاعر الناس وخشــيتها من رعب كورونا، بل ربما يساهم هذا الترهيب في حال تصاعده، في التأثير في نفسية المتلقي للقاح، وهو ما قد يؤثر على مناعتــه وقدرته على مواجهة آثار اللقاح. ورغم عدم وجود أبحاث تشــير إلى هــذا الأمر إلا أنني لا أستغرب أن أرى ظهور دراسة تخص هذا الأمر.

ما من شــك بأن مصائب قــوم عند قوم فوائــد، إلا أن الاتجار بمعاناة الناس بفعل شركات متنافسة يعد إمعاناً في دحض الرسالة الإنسانية لتلك الشركات.

ولعل ما جرى مع شركة اســترازين­يكا مؤخراً من اتهام واضح لها بعدم فعالية لقاحهــا، وآثاره الجانبية، وتعثر تدفقه، وتعليق الاتحاد الأوروبي لعملية استيراده لصالح الدول الأعضاء، دليل واضح على حجم النار الخفية التي تشــتعل بين الشــركات وأجرائها المغرضين. ولعل تدخل منظمة الصحــة العالمية لتبرئة الشــركة يمثــل نموذجاً صارخاً لحجم الإشــغال الحــي لهذه المنظمــة، وتأخيراً مقصوداً لتدفــق توريد الكميات المطلوبة منها. طبعاً هذا لا يبرئ الشــركات من احتمال وجود سلبيات في ما تنتجه. تلك الشركات التي تتســابق على توقيع اتفاقيات مع دول مختلفــة، من دون أن تمتلــك قدراً كافياً مــن اللقاح الذي تنتجه في مخازنها، والهدف هو الاســتحوا­ذ على السوق وضمــان هيمنتهــا التســويقي­ة، وما تدره مــن عائدات، بصــورة أثرت في انتظــام تدفق اللقاحــات، جراء حجم الاتفاقيات والوعــود التي تلتزم بها تلك الشــركات، من دون توفر كميات كافية من لقاحها للالتزام بما توقع عليه. المال، المال، المال، أهم من حياة البشر، أمام كثير من التجار وأمراء الحرب، لكن تفشيه وسط شركات الأدوية، يجعل من الأمر مهزلة آدمية تعزز مفهوم تسييد المال على حساب الأخلاق، والمنفعــة المادية على حياة البشــر. فهل تنضم بعض شركات الأدوية إلى مربع تجار الحرب؟

الاتجار بمعاناة الناس بفعل شركات متنافسة يعد إمعاناً في دحض الرسالة الإنسانية لتلك الشركات

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom