Al-Quds Al-Arabi

الأردن: «فتية» المعارضة و«لص البيارة»

- ٭ إعلامي أردني من أسرة «القدس العربي»

■ لابد من التركيز أكثر على التفاصيل. بماذا تختلــف المعارضة، بصــرف النظر إن كانت خارجية «مدعية» أو داخلية لديها وجهة نظر أردنية، عن رموز الســلطة والــولاء المســموم عندما يكثف المايكروفو­ن مــن خطاب الرفــض والكراهية وإتهام الرأي الآخر والتشكيك به حتى بدون نقاش؟

شخصيا لا أؤمن بشــيء اسمه معارضة خارجية، فمن يواصلون البث مزاودين على الشــعب الأردني، مثل «لص البيارة» الصغير يخطف برتقالة فقط، وهو يأمن العواقب في الخارج، حيــث لا أحد يواجهه ولا ذراع القانون تطاله.

معارضة الأردن الخارجية التي تنطق باسم شعب صابر ويشــقى يوميا، ليســت أكثر من «فتية» فاتهم القطــار، وأغرتهــم النجومية، وأغلبهــم طيب ودود في حلقــه غصة، لكن شــحن الذات دومــا بتكلفات النجومية، ومتابعة الجماهير، خصوصا على منصات التواصل، مســألة تخطف الألبــاب إلا من رحم ربي، وأعلم يقينا بأن بعض «الموظفين في الداخل» يعملون على تسمين وتسميم معلومات شباب الخارج، بكل ما تيسر من القصص والأحابيل، وأحيانا الأكاذيب دون أي تدقيق، وبصرف النظر عن المصداقية.

مجددا لــدي دليــل لمن يطلبــه فقد إختــرع أحد المعارضين الخارجيين، أن وثيقة قدمتها شــخصيات باســم الحقوق المنقوصة للرئيس جو بايدن...كانت كذبة بامتياز، حيث لا وثيقة ولا شــخصيات ولا تيار أصلا، يطالب بحقــوق منقوصة، وحيث ورقة بحثية قانونيــة قدمت عــام 2012 لأصحاب القــرار، وليس لأغراض سياسية، وهي بالمناسبة منشورة على موقع باسم المبادرة للمواطنة.

نعم أعلم يقينــا أنها كذبة باميتاز مــن الألف إلى الياء.

لكن تلــك الكذبة يعاد انتاجهــا الآن، لغرض على الأرجح والأهم، أن حراكات الداخل سرعان ما تلقفت النبأ الــكاذب، وبدأت تغوص فــي حيثيات زائفة، لا أصل لها، وتعاملت مــع الوثيقة وكأنها حقيقة، مع أن بايدن غارق في العســل، ولا يهتم بكل العرب، وليس بالأردنيين والفلسطيني­ين فقط.

شــهيتي مفتوحة فعلا لمعرفة الكيفيــة التي تدفع بعض الأشــخاص لالتقاط فرية ما، ثــم الإيمان بها، ولاحقا ترويجها على أســاس أنهــا حقيقة، ومطالبة الجميــع بالاحتكام لهــا... هذا طبعــا تنميط خبيث ومزاجي ومختل، فرســالة المعارضــة الخارجية عن رســالة الحقوق المنقوصة، تثبت بأن المعارضة عندما تفتري تشــبه هؤلاء الذين يشوهون رموز المعارضة الوطنية والحراك المحترم باسم الولاء المسموم.

لا يختلــف الأمر إطلاقــا عن ما يحصــل في أقنية الأمن في الأنظمة التعســفية العربية، حيث المراوغة والافتــرا­ء والادعاء وفبركــة الحقائق، ثــم الاتهام والإدانة للرأي الآخر، وبدون حتى محاكمة عادلة لأي نص.

فاجأني فعلا مستوى الاستخفاف عند من يحملون مايكروفون المعارضين والحراكيين الذين يعلمون بأن ما يقولونه كاذب، ويصرون عليه لأنه يلقى هوى في أنفسهم أو يساعدهم في تحشــيد حاضنة إجتماعية بائسة، هنا أيضا سلوك مختل تنتجه مصانع الأنظمة المستبدة أيضا.

أفهم بأن المعــارض أو المناكــف الوطني الحقيقي تعرض للاتهام والتشــكيك والتخوين، واســتهدفت­ه الســلطة، فقرر معاقبتهــا بـ«التبايــن» والصدق... التبايــن الأخلاقــي مع القيــم الســلبية التي تحكم الاستبداد، وزعران الحكومات هو الأساس والمعيار، لكنه يسقط في المشهد الأردني، وللأسف الشديد رغم إيماني بالمقابل بأن الدولة لا تســير باتجاه الإصلاح الحقيقي، والفساد أصبح مؤسسة والتغيير واجبا.

أقولها بصراحــة هنا ومن تجربتي الشــخصية: مســتوى وحجم الاتهامــا­ت التي ألقيــت ضدي من أبشع صفات التشــكيك عند بعض أوساط المعارضة، والحراك أكبر بكثير من منســوبها، عندما اختلفت مع السلطة كمواطن وككاتب صحافي.

الســلطة تكتفي في الأردن عند الاختلاف بطردي من جنتها، وحرماني من امتيازات استطيع الاستغناء عنهــا والحمد للــه، لكن عنــد الاختلاف مــع أصغر حراكــي أو معارض من إياهم، أصبــح فورا إمبرياليا وصهيونيا، وأســتحق أن تتجه الخيول لقطع رقبتي في عمان.

أعتقــد شــخصيا أن «التشــوهات» التــي طالت المعارضــن الجدد فــي التجربــة الأردنيــة أنتجت وبكفاءة فــي مفاصل رســمية وبيروقراطي­ة وأمنية، فقد طورد ولوحق واســتهدف العديــد من أبرز رموز المعارضة الوطنية البناءة، وطبقة من أنبل وأشــرف الأردنيين الملتزمين دســتوريا ووطنيا، وحرم هؤلاء

من حقوقهم البسيطة فكانت النتيجــة «فراغــات قاتلة» شغرها معارضون بخبرات سياسية بائســة يرفضون فكرة الحــوار والرأي الآخر مع قهــوة الصباح، ويتعاملون مــع المعارضة وكأنها «فزعة» ويثيرون مناخا من التشكيك في كل مكان.

نعــم اســتهداف المعارضة الراشــدة فــي الصف الإســامي وإقصــاء الشــخصيات الوطنيــة التي يحترمها الناس، ويقدرها المجتمع، حجة على الدولة والنظام، وعملية منهجية ســيئة انتهت بمن يرفعون السقف، ويجرحون كرامات ومؤسسات الأردنيين في الخارج غالبا وأحيانا فــي الداخل، حيث لا حوار ولا رأي آخر ولا تبايــن، فقط إتهامات على طريقة جورج بوش الابن «من ليس معنا ضدنا ومع الفاسدين.»

بإختصار المايكروفو­ن الصاخب غير الدســتوري القــادر على اتهــام الجميع أفقيا حل مــكان الصوت الخافت الراشــد الذي خنقته الســلطة وطوال عدة عقود، ونحن اليوم نعاني وطنيــا من تداعيات هذه العملية التي كانت أسوأ منتجات السلطة في الواقع.

لا مصلحة للحراك الشــعبي المقدر ببقاء أصحاب الصــوت المرتفع الاتهامــي التقســيمي، ولا مصلحة للأردنيــن بالاصغاء لأفــام ما يســمى بالمعارضة الخارجية أما مصلحة الدولــة فهي المبادرة للإصلاح الأفقي الشامل العميق.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom