Al-Quds Al-Arabi

قنوات المعارضة وثمن المصالحة بين مصر وتركيا!

-

يــكاد الإعلاميون الُمطبّلون للسيســي، هذه الأيام، يطيرون من شــدة الفرح، والســبب أنهم يتوقعون أن يقود التقارب المصري ـ التركي الجديد إلى «تليين» خطاب القنوات المعارضة التي تُبثّ انطلاقًا من بلاد أتاتورك.

تركيا التي آوت مُعارضي الانقلاب في مصر، لا ســيما الإعلاميين الذين أنشأوا قنوات «الشــرق» و»مكملين» و»وطن» تجد اليوم نفسها مُحرجةً، إذ تطلب منهم بطريقتها الخاصة أن يُراعوا شــروط الضيافة. في الواقع، لم تقل هذا الكلام صراحة، بل التمست منهم التقيد أكثر بالضوابط المهنية، بمعنى ألاّ ينبزوا بسوء عدوّ الأمس، الذي صار صديق اليوم.

لا تستغربوا يا سادة! إنها حسابات السياسة التي لا تعترف بالعواطف، بل تؤمن بشيء واحد وحيد هو المصالح... وفق صيغة العبارة التي قالها تشرشل، آخر الناجين من «الهروب العظيم» كما وصفه الفيلم السينمائي الشهير.

إعلاميو السيسي يتخيلون أن تركيا ســتقبض على معتز مطر ومحمد ناصر وحمزة زوبع، وتسلمهم إلى العســكر، مكبلي الأيدي، ليزج بهم في الســجون، كما فعل مع مئــات المعارضين من تيارات مختلفــة، ليبراليين واشتراكيين وإسلاميين وحداثيين وغيرهم.

أو كمــا تصور إعلاميٌّ يطبّل لفرعون مصر الجديــد آناء الليل وأطراف النهار، ستجمع أنقرة نجوم القنوات المعارضة، وتعمل على تسفيرهم عبر طائرة اللاعودة إلى جزيرة «الواق واق».

إلهذا الحدّ صارت القنــوات التلفزيوني­ة المعارضة تقضّ مضجع النظام المصري الحالي؟

إن الوجه الإيجابي في «الصفقة» السياســية التــي جرت بين القاهرة وأنقرة، كونها كشــفت عن أن تلك القنــوات قوية وموجعة وناجحة؛ فهي من جهة اســتطاعت التعبير عن صور من معاناة الشــعب المصري وجزء من الشعوب العربية عامة، وبالتالي كسبت شريحة واسعة من المتابعين، وهي من جهة ثانية صارت مصدر قلق وإزعاج لعبد الفتاح السيسي الذي يريد أن يصبغ كل وســائل الإعلام بلون واحد، لتلهج بلسان أوحد. أليس هو مُنقذ مصر الكبير؟

والنتيجــة أنه، حين يضع النظــام الحاكم في مصــر كلّ القنوات التي تمجّده في كفّة، ويضــع القنوات المعارضة في كفّة أخرى، تكون هذه الكفة الثانية هــي الراجحة؛ رغم الأمــوال الباهظة التي تُصــرَف على الأولى. فلماذا لا «يزعل» إذن؟

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom