Al-Quds Al-Arabi

«نيويورك تايمز»: تعطل سفينة في قناة السويس كشف عن مخاطر العولمة وهشاشة شبكات التوريد

-

أدى إغــاق معبر مائي حيــوي للتجارة العالمية، مثل قناة الســويس للكشــف عن مخاطــر العولمة وشــبكات التوريــد. وقال بيتــر غودمــان فــي صحيفــة «نيويــورك تايمــز» إن العالــم تلقــى هــذا الأســبوع تحذيراً جديــداً عن مخاطر الاعتماد المفرط علــى سلاســل التوريــد. فتعطــل ســفينة عملاقــة في قناة الســويس وإغلاقها الممر مــن الجهتين أدى إلى ازدحام في الســـفن بتداعـيات خـطيرة.

والسفينة العالقة ليست سفينة عادية، فـــ «إيفرغيفــن» هــي واحــدة مــن أضخم الحاويــات فــي العالــم وتســتوعب على ظهرها 20.000 حاوية حديدية تحملها عبر البحر. وفي المثابة نفســها فقناة السويس ليســت أي معبر بحري، فهــي قناة حيوية تربط المصانع في آســيا بالمستهلك الغني في أوروبــا، بالإضافة لكونــه معبراً مهماً لنقل النفط.

حادث مؤسف

وفكرة تســبب حادث مؤسف كهذا في فوضــى في الأســواق من لــوس أنجليس إلى روتردام وشــنغهاي يؤكــد على المدى الــذي باتت فيــه التجــارة العالميــة تعتمد علــى سلاســل التوريــد. ففــي العقــود الماضيــة ناصر خبــراء الإدارة وشــركات الاستشــار­ات مــا أطلــق عليهــا فكــرة «التصنيع في الوقت المناســب» لتخفيض الكلفة وزيادة الأرباح. وبدلاً من تبذير مال إضافي في تخزيــن البضائع في المخازن،

أصبحــت المصانع قــادرة على اســتخدام ســحر الإنترنت وشــركات النقل البحري لطلب مــا تريد وفــي الوقت الــذي تريده. وكان تبنــي هــذه الفكرة بمثابــة ثورة في الصناعــات الكبــرى- قطــع الســيارات والأدوات الطبيــة، وتجــارة التجزئــة ومســتحضرا­ت الأدوية وغير ذلك. وأدت بالضرورة إلى طفرة مالية لمدراء الشركات التنفيذيــ­ن والمســاهم­ين، فالأمــوال التي لــم تعــد تنفــق علــى مــلء المخــازن بقطع السيارات بل وأصبحت تعطى للمساهمين على شــكل أرباح. وكما في كل شــيء في الحياة فالجيد يمكن أن يكون خطيراً.

فالاعتمــا­د المفــرط علــى «التصنيع في الوقــت المناســب» يفســر الســبب الــذي جعل عمــال الصحة من الهنــد إلى إيطاليا يعالجــون مرضىــى كوفيــد-19 دون أن يكــون لديهــم أجهــزة واقيــة أو أقنعــة. وافتــرض نظــام الرعاية الصحيــة الواقع تحت ســيطرة الشــركات الراغبة بتحقيق أربــاح وتتعامــل مــع مســاهميها، أنــه يســتطيع الاعتمــاد علــى صناعــة الملاحة البحريــة لتوفيــر مــا يحتاجه فــي الوقت المناسب، إلا أن هذا كان خطأً وسوء تقدير. التبعية نفســها يمكن تفســيرها من خلال فشــل شــركة أمازون في توفيــر المخزون الكافــي مــن الأقنعــة والقفــازا­ت لعمالها في المخــازن الكبرى في الولايــات المتحدة أثناء الأشهر الأولى من انتشار الفيروس. وقال المديــر التنفيذي جيــف بيزوس في رسالة للموظفين في آذار/مارس الماضي: «لقــد قدمنــا طلبــاً بملايــن الــدولارا­ت

لشــراء الأقنعة التــي ســنعطيها لموظفينا والمتعهدين معنا ممن لا يستطيعون العمل مــن البيت ولكن لم يصل إلا القليل من هذه الطلبــات» و «لا تزال الأقنعــة غير متوفرة عالمياً .»

وحــذر الخبــراء ومنــذ ســنوات من أن التركيــز علــى مصالــح المســاهمي­ن فــي المدى القصير تفوق علــى الإدارة الحكيمة في الدعــوة إلــى تخزين البضائــع. وقال إيــان غولدين، اســتاذ العولمة فــي جامعة أوكســفورد «في الوقت الذي أصبحنا فيه أكثــر ترابطاً فقد صرنا عرضة للهشاشــة التــي تنجم عنــه، ولا يمكن التنبــؤ بها في العــادة». و «لــم يتوقــع أحــد أن تعترض ســفينة القناة، مثلما لم يتوقع أحد مصدر الوبــاء. ولا يمكننــا توقــع أيضــا الهجوم الإلكتروني القــادم أو الأزمة المالية الآتية، ولكننــا نعرف أنهــا ســتحدث». والكارثة الحالية التي يحاول المهندســو­ن من خلال دفع الســفينة الضخمــة لتغيير مســارها خلفــت 100 ســفينة عالقــة فــي الطرفــن بانتظــار فتح الطريــق. وبعضهــا محملة بالنفط، وهذا هو السبب الذي أدى لارتفاع أســعار النفط مع أنها غيرت مســارها يوم الخميــس، وبعضهــا محمــل بالأجهــزة الإلكتروني­ــة ومعــدات اللياقــة والملابس. ولــن تصل إلى الأماكن المفترضة حتى يتم تحرير السفينة المنحرفة عن مسارها.

وحســب تحليل بلومبرغ فــكل يوم يمر دون فتــح الممر يعني عــدم وصول بضائع بقيمــة 9.6 مليــار دولار. ومنذ ظهورها في الخمسينيات من القرن الماضي فقد ثورت الســفن التجاريــة أو الحاويــات التجــارة العالميــة. وبطريقــة التنزيل الســريعة من خــال ربطهــا بخــط حديــدي أو تحميلها مباشــرة إلــى الشــاحنات، فقــد خفضت مــن مدة تنزيــل البضائــع المحملــة عليها. وأدت الزيــادة المتســارع­ة فــي تحميــل الحاويات ومراكمتها على ســفينة واحدة لربط العالم. وزادت القدرة بنســبة 1.500 خــال نصــف القــرن الماضــي وأضعافاً خلال العقد الماضي وحده حســب «أليانز غلوبــال كوبوريت أند سباشــليتي» وهي شركة تأمين على السفن.

وهــذا التقدم في التجارة أدى إلى زيادة الخبرة والتخصص، فمصانع الســيارات في شمال إنكلترا باتت تعتمد على تصنيع قطعها فــي مناطق من أوروبا وآســيا مما

أدى إلى توفر البضائع للمستهلك وخفض مــن ســعرها. ولكــن التقــدم أدى لمخاطر، فتعطل الملاحة في ممر بحري تمر منه 10 مــن التجارة العالمية، زاد من الضغوط على صناعة الملاحة بســبب الوبــاء وأثره على التجارة العالمية.

زيادة الخبرة والتخصص

وفي الوقت الذي قبــل فيه الأمريكيون حالة الإغلاق إلا أنهم بــدأوا بطلب أجهزة اللياقــة مــن آســيا للتعويــض عــن مراكز التدريــب واللياقة المغلقة، وطلبوا طابعات وأجهــزة كمبيوتــر لتحويل غــرف نومهم إلى مكاتب. وضغطــت الطلبات على قدرة الســفن التجاريــة أو الحاويــات الكبيــرة

في موانئ الصين. وزادت كلفة اســتئجار ســفينة من هــذا النوع من آســيا للضعف. وتأخر تنزيل الحاويــات في موانئ لوس أنجليس وسياتل لأن عمال الميناء أصابهم كوفيــد-19 أو ظلــوا فــي البيــوت لرعاية أبنائهم الذين لا يذهبون للمدرسة.

ومن هنا أدى التأخر في تنزيل البضائع لتأخير الشحنة القادمة. وكافح المزارعون في أمريكا لتأمين الســفن من أجل إرسال فــول الصويــا والحبــوب والأغذيــة إلــى جنوب شرقي آسيا. والوضع مستمر منذ أربعة أشــهر، ولا توجد إشــارات عن حله. وبــدأ تجــار التجزئة فــي أمريــكا بالعمل بطريقة محمومة من أجل توفير المواد التي تنضب ممــا وضع ضغوطًا على شــركات الملاحة البحرية. وأدى تعطل الســفينة في قناة الســويس لتأخير عدد من الحاويات الضخمة، والسؤال إلى متى سيستمر هذا الوضع؟ ولو اســتمر الحال لمدة أسبوعين فإنه سيؤخر ربع سفن التوريد التي تصل في العادة إلى الموانئ الأوروبية.

ولو استمر الاختناق في قناة السويس لعــدة أيام فســترتفع الرهانات، وســتجد السفن العالقة في القناة صعوبة في تغيير اتجاههــا والبحث عن مســار آخــر. وربما قررت الســفن المتجهة نحــو القناة أن تغير وجهتهــا صــوب الجنــوب والمضــي نحو رأس الرجــاء الصالــح، وهــذا يعني تأخر أســابيع أخرى. ومهمــا كان الحال، ففتح القنــاة يعنــي وصول الســفن إلــى موانئ مزدحمة وتأخــراً لأيام أخــرى في تنزيل حمولتها.

 ??  ?? رئيس هيئة قناة السويس أسامة ربيع يتابع عمليات تحرير السفينة العالقة
رئيس هيئة قناة السويس أسامة ربيع يتابع عمليات تحرير السفينة العالقة

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom