Al-Quds Al-Arabi

مهاجر بريسبان المصري... وحكاية الفساد السياسي

- القاهرة ـ «القدس العربي» من محمد عبد الرحيم:

لم تــزل مســرحية «مهاجر بريســبان» للشــاعر والكاتب اللبناني جورج شــحادة 1905( ــــ 1989( قــادرة علــى مناقشــة مشــكلات الوقــت الراهــن، وربما ســتظل كذلــك لوقت طويــل، خاصــة أنهــا تعالج مســألة إنســانية، لا ترتبــط بمــكان محدد أو طائفــة محددة من النــاس. فكرة القيم.. حقيقــة أو ادعــاء، مــا مــدى تحققهــا، بل والتمســك بها تحــت أي ظرف؟ ومــاذا لو تعلق الأمر بمسألة )الشرف(. رجل وامرأة وأســرة، بل قرية بالكامل تضعها التجربة فــي مواجهة حقيقة نفســها، من خلال كل هؤلاء. هذا العمل بأجوائه الغرائبية يحمل الكثير من التأويل، وبالتالي تناوله من عدة زوايــا، وفئــات اجتماعية مختلفــة، تصلح بيئــة صالحة لهــذا النــص الدرامــي. ربما من أشــهر معالجاتــه مصرياً فيلــم «بنات إبليــس» الــذي كتب لــه الســيناري­و وحيد حامد، وأخرجه علي عبد الخالق عام 1984.

ويأتــي مؤخراً عرض مســرحي مصري متنــاولاً مهاجــر جــورج شــحادة، إضافة إلى نــص مســرحي مصري آخــر، بعنوان «الجرن» لمؤلفه المصــري إبراهيم الرفاعي، تحــت عنوان «من 15 ســنة». محاولاً إعادة تفســير النص الأصلي، وصولاً إلى صورة أخرى من الفساد، التي يراها أشد أشكاله وأكثره تأثيراً، ألا وهو.. الفساد السياسي.

العــرض أداء.. نــدى عفيفــي، مصريــة بكر، شــيماء حمــدي، خالد محــروس، آية عبد الحميد، محمد أمين، أشــرف شــكري، محمد خيري جمعة، محمد بطاوي، فاطمة ذكي، نهال أحمد، نوران خالد، أحمد هيثم، محمد النبوي، إيهاب عز العرب، والأطفال صفــوت محمــد، يونــس النبــوي، محمــد إيهــاب، ومصطفــى عمــار. ديكــور محمد فتحي، موســيقى حازم الكفراوي، إضاءة عــز حلمي. إنتاج فرقة الســامر المســرحية التابعة للهيئة العامة لقصور الثقافة، إعداد وإخراج عمرو حسان.

مهاجر شحادة

رجل غريب يأتي إلــى قرية نائية، ومعه حقيبــة مليئة بالنقــود، ووصية بــأن هذه النقــود لامرأة أقــام معها علاقــة منذ زمن، أسفرت عن طفل، وهذه النقود لها ولطفلها، يموت الرجل بعد فترة قصيرة من وصوله، وبالتالي لا نعــرف مَن هي المــرأة، صديقة الرجل، التي تســتحق وابنها هــذه الثروة. القريــة الهادئــة تنقلــب إلى جحيــم، وكل زوج يحــاول اكتشــاف زوجته مــن جديد،

ربما تكــون هي صاحبــة التاريــخ الضال، إلا أن البعض يجبر زوجته بأن تدّعي بأنها المقصــودة، حتى يحصــان علــى النقود، إضافــة إلى جرائم قتل الرجال لزوجاتهم، واتهام الجميع بهذه الفِعلة، لتبدأ سلســلة الفضائــح في الانكشــاف، ويظهــر الوجه الحقيقي لــكل مدّعي الفضيلة. وفي الأخير تبــدو المفاجــأة.. أن الزائــر الغامــض جاء القرية بالخطأ، ولم تكن هي المقصودة!

من 15 سنة

يأتــي العرض المســرحي المصري لتدور الأحــداث في إحــدى القــرى الريفية، وعن طريــق رســالة تصــل القريــة، عــن وصية رجــل موشــك علــى المــوت لامــرأة عرفها وأقــام معهــا علاقة منذ 15 ســنة، ولابد أن تعلن عن نفســها هي وابنهما حتى تحصل علــى الثــروة. وهنا ـ كما في نص شــحادة ـ تنقلــب حيــاة القريــة، وتصبح ســيداتها مصــدراً للشــك، ويطفــو تاريــخ الجميــع الأسود على الســطح، من خيانات وتواطؤ وفســاد أخلاقــي. إلا أن فــي الأمــر لعبة.. فــا هنــاك وصيــة، ولا هناك غريــب، لكن )زوجة العمدة( هي التي دبّرت كل شــيء، حتى ينشــغل الناس عن فســاد زوجها، أو فســادها هي بمعنى أدق، فهــي التي تدير كل شيء، وما العمدة إلا شكل كاريكاتيري

للســلطة، حتى أنها تقولهــا صراحة.. «أنا العمدة .»

فالأصل في العرض هنا هو الفساد السياســي ـ أشــد أشــكال الفســاد ـ وفرقة الفاســدين والمهللــن من أتباع الســلطة، كرجل الدين، ورجل الأمن، ممثلــن فــي شــيخ الجامع وشــيخ الخفــر ـ بمــا أننــا فــي قريــة ريفية مصريــة ـ كذلــك تواطــؤ المواطــن الشــريف ـ بمصطلــح هــذه الأيام ـ والمتبرع عن طيب خاطر بالاشتراك مع هذه السلطة والترويج لأفعالها، وهو ما يتماس وما نعيشه الآن.

العرض المسرحي

حــاول العــرض التخفيــف مــن حــدة الموضــوع، واســتعان بالأجــواء الريفيــة ليتحــول إلــى عــرض شــعبي، مــن خلال الأغنيات وبعــض الرقصــات، إضافة إلى نغمة السخرية من الســلطة ورجالها، رغم وجود بعض كليشيهات الحوار بين بعض الشــخصيات، كالحوارات المعهودة، التي تنتظر تصفيــق الجمهور في النهاية. كذلك حاول العرض ألا يصيب الجميع بالفساد، فدائمــاً هنــاك بارقة أمل، كمــا في حكاية )بكــر وعزيزة(، فالحب هــو العاصم لهما وسط طوفان الفساد الأخلاقي الذي يُغرق الجميع.

ومن أجــواء القريــة تم توظيف الديكــور، مــن جريــد النخــل وعشــش البــوص، لتصبــح هــذه الأماكن هــي التي تــدور الأحداث من خلالهــا، كالتوازي بين الأحــداث الحالية، وومضــات التذكّر لهذه الشــخصية أو تلــك. فالعرض فــي الأخير معالجة شعبية لحكاية تحرّض على إعادة النظــر في كل مــا يحدث حولنــا، من أفكار ومعتقــدات يتم مســخها، ومن خلال دعاة القيــم والأخــاق الزائفــة، وعلى رأســهم بالطبع الساسة وفرق إعلامهم البائس.

 ?? ٭ كاتب جزائري ?? من العرض المسرحي
٭ كاتب جزائري من العرض المسرحي

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom