Al-Quds Al-Arabi

شهيق عبدالمنعم رمضان زفيرنا

-

■ ليس ســهلاً أن تكون صديقــاً لعبد المنعم رمضان، ليس متطلبــاً، ولا هو عبء في حياتك. غيابه أزماناً طويلة، هو ما يرهقني لفرط حاجتي الدائمة للاطمئنان عليه. حتــى أن أي زيارة لي للقاهــرة لا التقيه فيها، تكــون زيارة منقوصة، مهمــا التقيت مــن الأصدقاء، وهم كثر لحســن حظي.

تعرفت عليه المرة الأولى في بداية ثمانينيات القرن الماضي، وقتها لم أتوقف كثيراً أمام الفروق الشــعرية بين الجماعات الجديــدة التي تصدر مطبوعاتها )بأســماء مختلفة(. وبدا عبدالمنعم من الأصوات المقاربة لصوتنا الشــعري الجديد في البحرين آنذاك، وربما كان لطبيعة الشخص دور في تقاربنا، حتى أن ما نشــر لي من قصائد في مصر، آنذاك، كان بمعرفته.

٭ ٭٭

تجربتــه الشــعرية القياديــة، وقدرته على التعبير النظري عن مرئياته، أســهما في صياغة موقعــه المركزي في تجربة ســبعينيات شــعر الشــباب المصري. وإذا جــاز لنا إطلاق اســم المايســتر­و عليه، فإننــا لا نريــد أن يكون ثمة جوقــة أو كورس في معيته. كانوا رفقة الشــعر الجديد، الذي كان قد أحســن شــباب الشــعر العربي الإصغاء إلى موســيقاه بطرقٍ عدة، بل إن العديد من التجربة الشــعرية العربية كانت تجد في صوت عبدالمنعم رمضان أصداء أجراس المستقبل باكراً.

مع عبدالمنعــ­م رمضان، كنا نكتشــف مواقع أقدامنا، بقــدر كبير مــن الحذر، مثــل طريقته فــي الكتابة على وجه التقريــب. وظني أن حب رمضان للشــعر العامــي في الثقافــة المصرية، ســوف يســاعدنا علــى تلمــس موضوعــات نصوصه، وطريقة التعبير فيها بالروح نفســها، لكن بلغة شعرية فصيحة تمتلك إيقاعها الخاص في وابلٍ )كنت أريد أن أقول «بابلٍ») من شــعراء العرب المعاصرين.

٭ ٭٭

كانــت القــراءة مــن أجمــل خصــال جيل السبعينيات من الشــعراء، ورمضان يمثل هذه الخاصية بشــكل ممتاز، ما يجعله نشــيطاً في مساجلاته النقدية، حيث الجرأة على الاختلاف، دون التقليل من أهمية الآخــر. فكلما قرأتَ أكثر، تماثلتَ لشعور الشك في الأشياء، ومن الأهم أن تتعلم بدء الشك بنفسك، لأن الحقيقة ربما تكون أقرب إلى الاكتمال بما يجري في الضفة الأخرى.

٭٭٭ في قصيدتــه ضرب من الســجال العميق مع أشــياء الكون، لم يكن هاجس اللغة يقلقه، فهو يصــوغ قصيدته مثلمــا يصنع شــاعر العامية قصيدتــه، دون أن يفرط في جماليات الشــعر المختلف. هل يمكنني القول إن عبدالمنعم رمضان من أكثر شعراء مصر اتصالاً بالتجربة الشعرية العربيــة، أو أنــه، على الأقل، قد أســس لحرية كسر القوقعة المصرية في جيل الكتابة الشعرية الحديثة. وظني أن هذا الاتصال الحيوي قد أغنى شــعرية نصوصه، ووضعها في مهب التجارب العربية الجديدة، بقدرٍ مثمرٍ من التقاطعات. ففي هذا ضربٌ من السجالات الحوارية عميقة الرؤية والمعرفة.

٭ ٭٭

صداقتي بتجربته الشعرية شكلت حواراً فنياً بيننا، من غير ضجيج، بعض نصوصه أحببتها عندما سمعته يقرأها. فاكتشفت معه أن للصوت )بوصفه جرس الإيقاع( دور غامض في انفجار المعنى. حدث لي هذا قبلاً مع الشــاعر أدونيس، حتى أنه اعتبرني مرة لم أقرأ تلك القصيدة قبلاً.

٭ ٭٭

ثمة طريقة تشبه ســرد النثر وهو يقرأ نصه، فعبدالمنعم المولع بالوزن، لم يهج الكتابة بالنثر، حتــى أن مقالاته ظلتْ ترشــح بالصور وأنفاس الشعر.

أعتقــد أن الشــاعر ينبغــي ألا يتخلــى عن شــعريته في كل ما يكتب. كأن رمضان يفعل هذا عندما يكتب للصحافة.

٭ ٭٭

لعبدالمنعم وجهان، يأخذ النعومة الشخصية من اســمه، ويدخــر الخشــونة عندمــا يكتب مســاجلاً. فهو يكتب كمن يدافع عــن جمهورية الشــعر برمتهــا، دون أن يكــون رئيســها، أو محاميها. وهو نادراً ما يكتب للصحافة، وعندما يكتب سيكون شرساً دونما اكتراث بالصداقات، ودون مجاملات الوســط الثقافي العربي، حتى أن صديقاً عربياً عبّر لي عن انتظار ما ســيكتبه عبدالمنعــ­م عن هذه المســألة أو تلــك. أصدقاؤه الكثيــرون يعتمدون على شــجاعة رأيــه. أنا أحدهم.

٭ ٭٭

ميزانه أنه يحــاول الاحتفاظ بتلك المســافة الذهبية بين المؤسســة الرســمية، التي ينتقدها دائماً ويتوجس من الاقتــراب منها، والأصدقاء فيها، وهم كثيرون أيضاً.

مع الوقت والتجربة، استوعب الأصدقاء هذا الموقف الصــارم الذي لا يتخلــى عنه عبدالمنعم رمضــان، وربمــا شــكّل لهــم معــادلاً معنوياً يحتاجونه بــن وقت وآخر، تفاديــاً للغفلة في السهرة الطويلة.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom