Al-Quds Al-Arabi

هل يكون حادث جنوح سفينة الحاويات مؤشراً أولياً لأزمات شبيهة تُذِّكر بالحرب الباردة؟

-

■ نيويــورك - د ب ا:بعد عام عاصف ســادته جائحــة كارثية وأزمات اقتصادية وتوترات دولية، من المريح بشكل أو بآخر، أن يواجهنا تهديد عالمي يبدو كما لو كان مشهداً تمثيلياً هزلياً، حتى لو كان مؤشراً أولياً لأزمات شبيهه تُذكِّر بالحرب الباردة. يقــول الكاتبان ديفيد فيكيلنغ وأنجاني تريفيدي في تقرير نشرته وكالة بلومبرغ للأنباء أن جنوح إحدى أكبر سفن الحاويات في العالم في قناة الســويس، وغلقها لممر مائي عالمــي بالغ الأهمية، أصبح مادة حديث على الإنترنت بصورة أسرع من الحديث عن عرقلته الفعلية لتدفقات البضائع الدولية.

ورغم ذلك فإنــه من الخطأ التهوين من خطورة الحــدث. فإغلاق الممرات المهمة للملاحــة العالمية يمثل خطراً اقتصاديــًا كان وراء التنافس بين الدول الكبرى طوال قرون. فهــو الآن أحد العوامل الرئيســية للتوترات المتزايدة بين واشنطن وبكين، التي تشــمل كل شيء ابتداء من مبادرة الصين» الحزام والطريق « ودعمها لانقلاب ميانمار، إلى نشــر أســطول بحرى قبالة ساحل الفلبين والضجيج الذي يمثل تهديداً فيما يتعلق بوضع تايوان.

و يقول الكاتبان أن تدفق البضائع عبر البحار يمثل 70% من إجمالي حجم التجارة الدولية. وتعتبــر الممرات الملاحية التي تضمها هذه الشــبكة وراء الصراعات والتجارة الدولية منذ آلاف السنين.

ورغم كل ما أســفر عنه اســتخدام الطائرات والاتصالات اللاســلكي­ة من تحول بالنســبة للتجارة العالمية طوال العقد الماضي، ربما يعتبر التحكم في الممرات التي تمر عبرها الملاحــة العالمية أكثر أهمية من أي وقت مضى، إذ يتم عبر البحر نقل حوالي ثلثي تجارة النفط الخــام الدولية، و80% من إجمالي المنتجات النفطية الأخرى. ووفقا لبيانات «إدارة معلومات الطاقة الأمريكية» وخدمة «ســتاندرد آند بورز غلوبال انتليجَنس » يمر حوالي 10 % من إجمالي النفط الذي ينقل بحرا، و 8 % من الغاز الطبيعي العالمي الُمسال و 20 % من حجم الحاويات عبر قناة السويس وحدها.

وأدت الجائحة إلى أن تكون الممرات البحرية أكثر أهمية. وزادت الرســوم الملاحيــة إلــى جانب الأحجــام. ومع الاضطرابــ­ات في سلاســل الإمدادبسـ­ـبب الأحوال الجوية والطلب المفاجىء والزائد عن الحد، مما يســفر عن حالات نقص في مختلف القطاعات- تزداد أهميــة العقبات مثل حادث قناة السـويس.

وحســب الأرقام، تظل قناة الســويس إحدى أهم الممــرات التجارية في العالم، خاصة بالنسبة لأســيا وأوروبا. ففي عام 2019، مرت حوالي19 ألف سفينة عبر الممر- أو 1.25 مليار طن حمولة . وتعبر القناة كل أسبوع من آسيا إلى أوروبا والعكس مئات الألاف من الحاويات على متن الســفن تحمل آلات، واليكتروني­ات، وسلع وسيطة أخرى ومواد خام.

لقــد قفزت صــادرات كوريا الجنوبية إلــى أوروبا بنســبة أكثر من 48% في شــباط/ فبراير الماضــي، تصدرتها البضائع المتعلقــة بالرعاية الصحية والســيارا­ت على ســبيل المثال. وواجه الطلب على مثل هذه الســلع بالفعل

مشــكلات تتعلق بنقــص الحاويــات. وزادت الحمولة التي تمــر عبر قناة السويس أساســا بسبب زيادة حجم السفن. فالســفينة «إيفر غيفن» وهي إحدى أكبر فئات ســفن الحاويــات وقادرة على حمل 200 ألــف طن، كبيرة للغاية وليس من السهل أن تمر عبر أي ممر غير مناسب لها.

وجدير بالذكر أن متوســط المرور أمسي عبر القناة في ازدياد منذ النصف الثاني من العام الماضي، مع زيادة أسعار الشحن وأحجام الحاويات بدرجة كبيرة. وتسعى الشــركات الملاحية للبحث عن طرق بديلة بين آسيا وأوروبا مثل طريــق رأس الرجاء الصالح الأطول، أو طريق البحر القطبي الشــمالي الأســرع. وأتاح الاحتباس الحراري وذوبان الجليد المرور بسهولة أكبر عبر البحار شمال سيبريا لكن هناك عقبات تنظيمية وجغرافية سياسية.

وبالنسبة للصين، يعد هذا الأمر نقطة ضعف فريدة. فعلى خلاف الولايات المتحدة التي تعتبر دولة مُصدرة للنفط هذه الأيام، تســتورد الصين حوالي ثلاثة أرباع ما تســتهلكه من النفط، وكذلك حوالي أربعة أخماس خام الحديد الذي تســتخدمه لتنفيذ خططها المحمومة لبناء المرافق الأساســية- ناهيك عن معظم صادرات الســلع للحصول على العملة الصعبة لتســديد ثمن هذه الـسلع.

وهذا يجعلها أكثر عرضة للخطر فيما يتعلق بأي إغلاق للممرات البحرية. فجغرافية شرق آسيا تعني أن مضيقي ملقا وسنغافورة، بالإضافة إلى اشباه المضائق التي تمر عبر امتدادات بحر الصين الجنوبي التي يمكن الملاحة فيها،

وتلك التي تفصل تايــوان عن الفلبين، كلها عرضــة للعرقلة في حالة اندلاع صراع أو حادث كبير.

و يرى فيكيلنغوتر­يفيدي أن جانبا كبيرا من السياســة الخارجية للصين طوال العقد الماضي كان يهدف إلى التغلب على نقاط الضعف تلك. فالشركات الصينية تمتلك حصة تبلغ 65% في موانىء العالم الأكثر نشاطاً وفقا لما ذكرته شركة «جافيكال دراغونوميك­س» للأبحاث.

ويهدف ممر بري عبر باكستان ينتهي إلى ميناء عميق، وخط أنابيب نفط عبر ميانمار، وطريق سكك حديدية متعدد الوسائط عبر شبه جزيرة الملايووكل­ها عناصر أساســية لمبادرة الحزام والطريق الصينية- للحد من اعتماد الصين على مضيقي ملقا وسنغافورة.

وحتى الضغط القومي على تايوان ذو عنصر اقتصادي إذ أن حوالي نصف ملاحة الصين عبارة عن نقل بين الموانىء المحلية على طول الساحل، وجانب كبير منها يتم في المياه التي تفصل تايوان عن جزيرة كينمين التايوانية، التي تبعد حوالي ســتة كيلومترات عن مدينة كيامين التي تقــع في البر الصيني الرئيسي.

ويختتم الكاتبان تقريرهما بأن كل ذلك يعد ســبباً مهما للنظر لحادث قناة السويس بجدية، حتى لو تمت في غضون أيام قليلة عودة الأمور إلى حالتها الطبيعية. وإذا ما أعاد التاريخ نفســه ، فإنه من المأمــول ألا تكون الأحداث الهزلية الحالية « بروفة» لحدث أكثر مأساوية.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom