Al-Quds Al-Arabi

المحلل الاقتصادي أندي موخيرجي: رأسمالية القرن الحادي والعشرين ستدفع ثمن وباء كوفيد-19 بالقبول ببعض التنازلات والتخلي عن مفهوم ذروة الكفاءة

-

■ نيويورك - دب أ:لم يكن في وســع عالم أو مفكر أن يتوقع تماماً ما أسفر عنه فيروس كورونا من انتشار واســع النطاق، واستمرارية لا يعرف أحد نهايتهــا، وكوارث اقتصاديــة واجتماعية لا حدود لهــا في جميــع أنحاء العالــم، ناهيك عن تحوراته وطفراته الأكثر خطورة.

يقول المحلل الاقتصادي أنــدي موخيرجي في تقرير نشــرته وكالة بلومبرغ للانباء أنه سوف يرد ذكر جائحة كوفيد-19 في سجلات رأسمالية القرن الحادي والعشرين باعتبارها «قِدر ضغط،» مثل قــدور الطهــي التي تحبس وتضغــط كل ما بداخلهــا، وأنها ســتدفع الثمــن بالقبول ببعض التنازلات والتخلي عن مفهوم ذروة الكفاءة.

فهــذه الجائحة تفــرض ضغوطــا هائلة على حياة الناس، ورفاهية الأفــراد، وأنظمة الرعاية الصحية، واســتمرار­ية الشــركات، واســتقرار أوضاع المالية العامة.

ولكن إحــدى النتائج الثانويــة لهذا الضغط عندما تنتهــي الجائحة، هي أن ســكان العالم قد

يشــعرون بقليل من الاسترخاء، وقد يفضلون أن يكونوا أقل التزاما بمفهوم ذروة الكفاءة، وتحقيق الربحية القصوى من استغلال الأصول المالية.

ورغم أن العالم لــم يتجاوز الجائحة بعد، فإن هناك قــدرا أكبر من القبــول بالتباطؤ المتعمد في كل شــيء، بدءاً من كيفية إدارة شركة السيارات اليابانية «تويوتا موتور كورب » لمخزونها، وكيفية تنظيم شــركة التجــارة الإلكتروني­ــة الأمريكية «أمازون دوت كــوم» لخدمة توصيل الطلبات إلى العملاء، وصولاً إلى كيفية إعادة سنغافورة النظر في أجور من يعملون في مجال التمريض.

وقال جيرارد ميناك المحلل الاقتصادي السابق في بنك الاســتثما­ر الأمريكي «مورغان ستانلي» في العام الماضي «عالمنــا قبل الجائحة كان مؤهلاً لتحقيق أقصــى عوائد مالية علــى افتراض عدم حــدوث أي أخطاء. لكن كل شــيء انقلب رأســاً على عقــب، عندما أثر فيروس كورونا المســتجد على المكاتب والمصانع وقطــارات الأنفاق ومراكز التســوق والمطارات والمدارس، والمحاور ومراكز الإنتاج والتوزيع والاستهلاك».

ويرى موخيرجي أنه بعد عام من ذلك، تعلمت الحكومات بعــض الدروس ولــم تتعلم البعض الآخــر. وعندما كان لشــركة «تويوتــا» الريادة في تبني مفهــوم «الإدارة الفورية» للمخزون في خمسينيات القرن العشرين، استنسخت صناعة الســيارات الأمريكية فــي مدينــة ديترويت هذا المفهوم.

ويشــير المحلــل أنجانــي تريفيــدي إلى أن «تويوتا» تغلبــت الآن على أزمــة نقص الرقائق الإلكتروني­ة اللازمة لصناعة السيارات، من خلال امتلاكها مخــزون من المكونات الأساســية يكفي احتياجاتها لفترة تمتد من شهر إلى أربعة أشهر.

وهذا هــو التخفيف المتعمد للضغــط، والذي ســتزداد قيمته، عندما تتحول الأحوال المناخية القاســية إلــى مســببات لاضطراب الأنشــطة الاقتصادية، كما يحدث حاليا مع أزمة نقص المياه في تايوان، والتي أثرت سلباً على نشاط شركات صناعة الرقائق الإلكتروني­ــة التايوانية. علاوة على ذلك فإن جائحة كورونا لم تنته بعد.

وفي الهند بدأت شــركة «أمازون» الدخول في شــراكات مع متاجر التجزئــة والبقالة الصغيرة لتقــديم خدمات التوصيــل لعملائهــا. ورغم أن إســتراتيج­ية التوزيع تلك ليســت الأكثر كفاءة بالنسبة للشــركة الأمريكية في الهند، فإن ظهور موجة ثانيــة من جائحــة كورونا فــي الهند قد يجعل من الاستعانة بالسكان المحللين في تغطية احتياجــات مناطقهم هي الطريــق الأكثر فاعلية للتغلب على إجراءات الإغلاق.

كما يرى موخيرجي أن التغيير لم يقتصر فقط على القطاع الخاص، ولكــن الضغط الاقتصادي دفع الحكومــات إلى تبني سياســات كلية بهدف استقطاب المواهب. فأجور هؤلاء الذين لا يؤدون أعمالا روتينية ويمارســون أعمالا يدوية تحتاج إلى التواصل الشخصي المباشر، لا تعكس قيمتهم بالنسبة للمجتمع وبخاصة في الأوقات العصيبة.

على سبيل المثال كانت حكومة سنغافورة قبل ثماني ســنوات تصف وظيفة التمريض بأنها من الوظائف منخفضة المهــارة. ولكن هذه الحكومة المعروفة بحصافتها المالية وإنفاقها الرشيد رفعت أجور عمــال الرعاية الصحية في المستشــفي­ات العامــة بنســبة تصل إلــى 14%. وجــاءت هذه الخطوة، رغم أن 30% مــن أصحاب العمل في هذا المركــز المالي الإقليمي لا يعتزمــون زيادة الأجور على الإطلاق.

وهناك اختبار آخر لكيفيــة تعامل الحكومات مع فكــرة تخفيــف الضغط، ســيتمثل في فرض الضرائــب فــي المســتقبل على فوائــد القروض والودائع. وســيكون إلغاء هذا الإعفاء الضريبي لفوائــد القروض والذي كان يمثل تحيزا اســتمر نحو قرن مــن الزمن، تقليصاً للنفــوذ المالي على الاقتصاد العالمــي، ويهاجم مصدر تفكيرنا أحادي الجانب في مفهوم الكفاءة.

والحقيقــة أن مجتمع الاســتثما­ر هــو أقوى مدافع عــن الصرامة، وعدم الســماح بوجود أي هامش للخطأ، حتى في سلاســل التوريد المعقدة والمنتشرة جغرافيا.

والآن فــإن التوترات الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين، وصعــود النزعة الحمائية على مســتوى العالم بســبب ارتفاع معدلات البطالة ، هي أمور تعرقل بالفعل بالفعل دورة الرأسمالية.

ويختتم موخيرجــي تحليله بقوله أن التحول الســريع نحو الرقمنــة وبخاصة في الأســواق الصاعدة ســيعوض الضغوط الجديدة. فعندما تســاهم تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشــياء في إدارة واســتغلال الأصول بصورة أفضل، يمكن للمساهمين توقع الحصول على القدر نفسه من العوائد بقروض أقل.

وإذا كانــت إدارة الأصــول باســتخدام لوغاريتمات الذكاء الاصطناعي والإنســان الآلي المرتبــط بالإنترنت لــن تخضــع للضرائب، فلن يكون من العــدل أن يأتي القطــاع الخاص عقب كل أزمة كبرى لكي يتســول الدعم من الحكومات. إذن فــإن رأســمالية القرن الحادي والعشــرين ستؤمن نفسها من خلال القبول ببعض التنازلات والتخلي عن مفهوم ذروة الكفاءة.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom