Al-Quds Al-Arabi

هل كان النظام المعرفي معرفياً؟

- هايل علي المذابي ٭

إن نجــاح أي نظــام مرهــون بنجاحــه فــي تحقيــق أهدافــه الجوهرية، وما مــن نظام، بالضرورة، إن كان اقتصادياً، إلا وفي أولويــات اهدافه هدف القضاء على الفقــر، وحالما يبتعد عن هذا الهدف يكون سقوطه مسألة وقت لا أكثر.

ويمكــن القول أن النظام المعرفي الذي قام على أنقاض الأنظمة الســابقة بنيوية شــكلية، واشــتراكي­ة، وصناعيــة، وزراعية، قد

الأهداف الجوهرية

تقــول هذه الأزمة التــي تعصف بالعالــم أن الاقتصاد المعرفي لــم يكن معرفيا وأن أدواته ووســائله التكنولوجي­ة كانت مهمتها الحصول على الأموال من خلال الســلع الاســتهلا­كية التي كانت توفرها للعالــم، ولم يكن لديها أدنى انشــغال أو اهتمام بالبحث العلمــي أو المعرفــة وتســويغها للنــاس من أجل تحقيــق أهداف التنمية المســتدام­ة، ماذا ستفعل تلك الشــركات مثل أمازون الآن أو غوغــل أو فايســبوك لعلاج فيــروس كورونا ومــا جدوى تلك الأموال الطائلة التي اكتسبتها في مواجهة هذه الجائحة؟!. جلب معه اقتصادا معرفيا لكنه فشــل في أن يكون معرفيا، وظل امتــدادا لمخلفات نظام العولمة، كما يثبــت ذلك ابتعاده عن الهدف الجوهري الذي ســقطت كل الأنظمة الســابقة بعد ابتعادها عنه، وهو هدف القضاء على الفقر.

إن فشــل الاقتصــاد المعرفي الحالي عــن إيجاد حلــول علمية لمواجهــة الأزمة التــي يمر بها العالــم، يثبت أن العالــم يعيش في عصور الأساطير والشــعوذة والخرافات، حتى ولو بدت جهوده مكرســة في خدمــة الأشــكال المعرفية إلا أنهــا بعيــدة كل البعد عن خدمــة مضامينها وأهدافهــا الجوهرية، كما يثبــت أن إيجاد اقتصاد نوعي جديد هو الحل الوحيد لإنقاذ البشــرية، ليس فقط من الكساد ولكن للبقاء.

لقــد اثبتــت الحــوادث المتوالية التــي يواجههــا العالــم اليوم وآخرها فيروس كورونا أن الحديث عن مجتمع المعرفة والحديث كذلــك عن المجتمع الحكيم الذي ســيلي مجتمــع المعرفة كنوع من الاستشراف للمستقبل، هو حديث لا يعبر إلا عن مثالية سهلة في الحديث عنها، ممتنعة فــي تحقيقها، ولا يصح بأي حال الحديث عنهــا، لأن «فاقد الشــيء لا يعطيه» فــإذا كان النظام قبل كورونا يســمى معرفيــا، فأين هي المعرفــة التي افتقدهــا العالم وهو في أمس حاجة لهــا لتنقذه من ويلات الفايروســ­ات والأمراض، هل هي معرفة الوصــول إلى القمر؟ أم معرفة شــركات التكنولوجي­ا العملاقة؟ أم معرفة صناعة الأســلحة بكل أنواعها أم غير ذلك من معارف؟

إذا كان كل ذلك من مظاهر عصر المعرفة وتمثيلا حقيقيا للنظام المعرفــي وتعبيرا عنــه فلماذا عجــزت تلك المعارف عــن مواجهة فيــروس كورونا بجدارة طيلــة عامين، في حين أنهــا قادرة على الوصول إلى القمر وغزو الفضاء وتحويل العالم إلى قرية صغيرة بفضل التكنولوجي­ا!؟، بالإضافة إلى أن الغايات الجوهرية للنظام المعرفي بشكل عام لم تتحقق، بل زاد الابتعاد عنها أكثر من ابتعاد الأنظمة الســابقة عنها، فكان الفشل هنا مركباً من فشلين، الأول فشــل إثبات أن النظام المعرفي أكثر جدوى من غيره من الأنظمة، والفشل الثاني فشل تحقيق الغايات الجوهرية للنظام.

لقــد ظل الاقتصــاد المعرفــي منذ بداياتــه يقتات علــى الأفكار القديمــة ويعبر عن امتداداتهـ­ـا في تفاصيــل مخرجاته وحلوله، وبــدلا من أن يقضــي على مظاهر الكســاد والبطالــة والفقر التي جــادت بهــا الأنظمــة الســابقة زاد مــن اتســاع رقعتهــا، فكانت انتاجاته وابتكاراته وكل أدواته وسيلة لإقصاء وحرمان الملايين من أعمالهم ووظائفهم، ولو أنه حافظ على تلك النســبة من الفقر والكســاد والبطالة فــي المجتمعات مثلما كانــت عليه في الأنظمة الســابقة لكان في ذلك صونــاً لماء الوجه بدلا من سياســته التي تتجلــى في ابتكاراته ووســائله فــي التعامل مع المشــكلة والتي يثبت المشــهد العام أن الحل الذي وفره هــذا النظام للقضاء على تلك الظاهرة هو القضاء على الفقراء بدلا من القضاء على الفقر.

المراكز البحثية

لقد كانت الأيادي العاملة بعيدة كل البعد عن حسابات المراكز البحثيــة والإبتكاري­ة وهــذا البعد مثّل فجوة ســحيقة بين النظام المعرفــي والغايــة الجوهرية وهي القضاء علــى الفقر، فعمل ذلك على زيادة نســبة الفقر والكســاد والبطالة، كمــا عمل على خدمة الرأســمال­ية، فــكان كأنما أعــاد بذلك بعث عهــود الاقطاعيين في العصور الوسطى المظلمة.

إن الســؤال الذي يمكــن أن تصيغه هــذه المرحلة هــو: إذا كان العقــل الجمعي قد أختلف وأولويات الناس ســتختلف فيما بعد الكورونا فهل ســتختلف أولويات الحكومات فيما يخص البحث العلمي؟ ٭ كاتب يمني

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom