Al-Quds Al-Arabi

أبو يائير وبن غفير وجهان لعملة واحدة

- ٭ كاتب فلسطيني من أسرة «القدس العربي»

انتهت انتخابات الكنيست الرابعــة خلال عامــن، الذي تنافســت على مقاعــده المئة والعشــرين، 39 قائمــة انتخابية، وهو العــدد الأكبر للقوائم في تاريخ دولة الاحتلال، وغالبيتها لم يتجاوز نسبة الحسم.

انتهــت الانتخابات، كمــا كان متوقعــا بنتائج غير حاسمة لأي من الفريقين، وهما الفريق المؤيد لنتنياهو، والآخــر المعــارض لنتنياهو، ما يعنــي أن الخلاف بين الفريقين ليس سياسيا، بل إنه شخصي وانتقامي، وفيه نوع من الحقد والكراهية والضغينة، التي تراكمت على مدى ســنين حكم نتنياهو الأخيرة التــي تمتد من عام .2009

ولكن المفاجأة التي جاءت بهــا هذه الانتخابات، أن مصير الفريقين في تشــكيل الحكومة يقــع بيد القائمة العربية الموحــدة الإســامية )أربعة مقاعــد( بقيادة منصور عباس، الذي انشق عن القائمة المشتركة، ما أدى إلى خسارة العرب لخمســة من مقاعدهم في الكنيست المستقيل.

ومن النتائج اللافتة التــي أفرزتها صناديق الاقتراع في هــذه الانتخابــ­ات، نجــاح تحالــف «الصهيونية الدينية» الذي يضم مجموعة من المستوطنين العنصريين الفاشــيين برئاسة بتسلئيل ســموتريتش، وأيتمار بن غفيــر اللذين لا يخفيان الولاء لغــاة الإرهابيين أمثال مائير كهانا وباروخ غولدشتاين، مرتكب مجزرة الحرم الإبراهيمي فجر يوم الجمعة 15 رمضان 1415هـ الموافق 25 فبراير/شــباط 1994، التي راح ضحيتها29 مصليا، وعشــرات المصابــن. نجــاح هذيــن العنصريين، في الحصول على مقاعد في الكنيست، وهذا النجاح لم يكن ليحلم به هؤلاء، لولا الدعم والإســناد من رئيس وزراء الاحتــال زعيم الليكود. وللتذكير أيضــا بأن كهانا هو مؤســس حزب كاخ، الذي منع في السابق من المشاركة في الانتخابات الإسرائيلي­ة عام 1988 بسبب عنصريته، ودعواته لطرد فلسطينيي الداخل، وقتل على يد الشاب المصري الســيد نصير في نيويورك فــي نوفمبر 1990. فريق نتنياهو يضم إلى جانب هؤلاء حزب يمينا برئاسة المســتوطن العنصــري نفتالي بنيت، الــذي يدعو إلى تعميق الاستيطان، ونشــر ثقافة الكراهية والعنف ضد الفلسطينيي­ن. وبشكل عام فإن فريق نتنياهو هو الأكثر تطرفا، وأحزابه معروفة بمواقفها العنصرية الفاشــية، التي تدعو إلى قتــل العرب الفلســطين­يين وترحيلهم، وتنفيــذ الضم، واحتضان شــبيبة التلال، ومجموعات تدفيــع الثمن الإرهابية، المنتشــرة على هضاب وجبال الضفة الغربية المحتلة.

ومن الغريــب أن وجود هؤلاء في حكومة يشــكلها عراب العنصرية والفاشية نتنياهو ناكث الوعود، يثير مخاوف المســؤولي­ن في الدول الخليجية، اللاهثين وراء التطبيع مع نتنياهــو، ولا أحد غيره. ويزعمون أن هذه المواقف يمكــن أن تلحق ضررا بعملية التطبيع، كما جاء في تقرير نشرته «القدس العربي» أمس الجمعة. ونقلت القناة الإسرائيلي­ة الرســمية محادثة بين دبلوماسيين إسرائيليين ومسؤولين خليجيين تفيد بأن: «تصريحات ضد العرب والمســلمي­ن من قبل نواب كنيســت يمكن أن يصبحوا جــزءا من حكومة نتنياهو، ســيمس ويلحق الضرر بعلاقات التطبيع بين إسرائيل والدول العربية.» وذكــرت القناة أن المســؤولي­ن الخليجيــن عبروا عن «مخاوفهم» وقالوا إن مثل هــذه التصريحات لن تكون مقبولة لديهم بأي شــكل من الأشــكال، وأضافوا خلال المحادثــا­ت: «إن صدرت مثل هــذه التصريحات مجّددا نتوقع من نتنياهو، رغم الصعوبات السياسية أن يقوم بإدانتها». ولكن من يمكن أن يصــدق مثل هذه المزاعم، وإن كنا نأمل أن تكون صادقة. ألم يكن أصحابها يعلمون مسبقا بوجود هؤلاء المتطرفين، وفي مقدمتهم نتنياهو، أليــس هؤلاء هم من طبعوا مــع نتنياهو، وهم يعرفون أنــه الأكثر من بين رؤســاء وزراء إســرائيل عنصرية، وهــو رئيس الوزراء الذي لم يكــف عن التحريض ضد المواطنــن العرب. أليس هو رئيس الــوزراء الذي دعم قانون يهودية الدولة العنصــري، وهو رئيس الوزراء الإســرائي­لي الذي يواصل منذ12 عامــا تهويد القدس، ويمحو معالمها التاريخية الإسلامية وأسماء شوارعها، أليس هــو رئيس الــوزراء الذي وقعوا معــه اتفاقات التطبيع، شــرط ألا يضم مناطق ج من الضفة الغربية، ولم يلتزم بوعــوده وهو يواصل ضمهــا قطعة قطعة. وهذا يقودنا إلى التســاؤل، أليس من وقع الاتفاقات مع قادة المستوطنين على أرض الإمارات لاستيراد منتجات مســتوطنات مرتفعــات الجــولان الســورية والضفة الغربية المحتلتين، أكثر صهيونيــة؟ هذه الخطوة التي تشــكل اعترافا بســيادة الاحتلال على أراض محتلة، وفقا للقانون الدولي، لم يقدم عليها سوى إدارة دونالد ترامــب الأكثر صهيونيــة وتطرفا في تاريــخ الإدارات الأمريكيــ­ة المتعاقبــ­ة، ممثلــة بوزيــر خارجيتها مايك مومبيو، الذي غير سياســة الولايات المتحدة وموقفها أزاء المســتوطن­ات كمســتوطنا­ت غيــر شــرعية، بما يتناقض وقرارات الأمم المتحدة. أليس أكثر تطرفا وكرها وصهيونية للعرب والمســلمي­ن من اشترى نصف أسهم نادي «بيتار القــدس» لكرة القدم الصهيوني العنصري الكاره للعرب والمسلمين، الذي رفض شراء لاعب افريقي لأن اسمه محمد واشترط عليه تغيير اسمه. وهل هناك أكثر صهيونية وتطرفا من حمد بن خليفة آل نهيان الذي فضّل اســتخدام اسم النادي العبري «بيتار أورشالايم» وهو يوقع على عقد شــراء 50٪ من أسهم النادي. أليس هذا هو النادي الذي يرفع الرايات المعادية للعرب، وعلى وجه الخصــوص الإماراتيي­ن في كل مبــاراة بعد عملية الشــراء. وهو النادي نفســه الذي يخــط على جدران ملعبه شــعارات معادية للعرب والمســلمي­ن وليس فقط ضد الفلسطينيي­ن.

إن مؤسس فريق «بيتار القدس» هو ديفيد هورن، أحد أعضاء منظمة «إيتسيل» اليمينية الصهيونية الإجرامية الإرهابيــ­ة العنصرية خلال النكبة. وهــو الفريق الذي يقيم ملعبــه على أنقاض قرية المالحة الفلســطين­ية في مدينة القدس. وهل هناك أكثر صهيونية ممن شــاركوا في إضاءة الأنوار في عيد «حانوكا» اليهودي في ساحة البراق، اعترافا منهم بيهوديتها، رغم الاعتراف الدولي ومنظمة اليونيسكو باعتبارها جزءا لا يتجزأ من الحرم القدسي الشــريف، أهناك أكثر صهيونية ممن يدخلون الأقصى تحــت الحماية الأمنية الإســرائي­لية. ألا يعرف هؤلاء أن أبو يائير، وهو الاسم الذي استخدمه نتنياهو في ملصقاتــه الانتخابية في البلــدات، والمدن العربية في مناطــق 1948 تملقا ومحاباة للعــرب للفوز ببعض الأصوات الانتخابية، لا يفكر إلا بنفســه، ولا يؤخذ غير نفســه في الحســبان، ويذكر أن نتنياهو حاول إغراء العرب والمســلمي­ن منهم، بوعدهم بالســفر مباشرةً إلى مكة المكرمة في الســعودية لأداء فريضة الحج في رحلة تستغرق ساعة واحدة حســب مزاعمه، مفترضا طبعا أن اتفاق تطبيع ســيعقد مع الرياض قريبــا؟ وهو أمر نفته الســعودية نفيا قاطعا، مؤكدة أن لا اتفاق مع دولة الاحتلال قبل قيام الدولة الفلسطينية كاملة الاستقلال، والقابلة للعيش.

وأخيرا فإن الصــراع في الانتخابات الإســرائي­لية الأربعــة الأخيرة، لم يكــن صراعا بين أحــزاب اليمين واليســار غير الموجودة اصلا في الخريطة السياســية الإســرائي­لية، بل بين اليمين المتطــرف والأكثر تطرفا، تجمعهم فاشيتهم وكرههم للعرب والمسلمين، ما يعني أن ليس هناك خلاف بين أبو يائير وبن غفير، فهما وجهان فاشــيان لعملة واحدة. واعجبي مــن عالم منافق يضع شروطا على مشــاركة فصائل فلسطينية تطالب بإنهاء الاحتلال، بالاعتراف بإسرائيل ونبذ العنف، بينما يقبل بحكومة متوغلة في فاشيتها في الجانب الآخر.

ونختتــم ببطاقة هوية لبن غفير )44 عاما( فهو زعيم حزب القوة اليهودية اليميني الفاشــي المعادي للعرب، الذي أقنعــه نتنياهو بتوحيد القوى مع الحزب «الديني الصهيوني» الاســتيطا­ني المتشدّد، حفاظا على الصوت اليميني. وخاض الانتخابات الأخيرة مرشّحاً في المركز الثالث على قائمته، وفاز بســتة مقاعد. وبن غفير رحّب بمجزرة الحرم الإبراهيمي ووصف منفذها غولدشتاين بالبطــل. يســتلهم بن غفير سياســاته مــن الحاخام المتطرّف، مئيــر كهانا، زعيم حركة «كاخ» التي ســعت لطرد عرب 48 مــن أراضيهم. ومُنع كهانا من الترشّــح للكنيســت عام 1988 من شــدة عنصريتــه، رغم فوزه بمقعد في انتخابات 1984، واتســاع شعبيته مع انفجار انتفاضة الحجارة 1987. وكان مصدر إلهام أيديولوجي لغولدشتاين مرتكب مجزرة الحرم الإبراهيمي. ويعلق بن غفيــر صورة غولدشــتاي­ن في منزلــه. ويؤيد ضمّ إســرائيل لكامــل الضفة الغربيــة المحتلّــة. ومن آخر تصريحاتــه أن مهمته تتمثّل في «تقــديم الدعم للجنود الإسرائيلي­ين الذين يطلقون النار على راشقي الحجارة من الفلســطين­يين. ومن مهامه أيضا كمــا يقول «تعزيز الأمن لســكان الجنوب الذين يواجهــون جرائم أقلية بدوية .»

الصراع في الانتخابات الإسرائيلي­ة الأربعة الأخيرة، لم يكن صراعا بين أحزاب اليمين واليسار، بل بين اليمين المتطرف والأكثر تطرفا

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom