Al-Quds Al-Arabi

مصر: كوابح الخطر أم كوارث السياسة؟

-

■ تعرّضــت مصــر في الأيــام القليلــة الماضية إلى حادثين كبيرين، إضافة إلى عدد من الأحداث الأخرى. آخر هذه الأحــداث وأكثرهــا فجائعيــة كان اصطدام قطــاري ركاب فــي مدينة طهطا في محافظة ســوهاج مما أدى إلى مقتل 32 شخصا وإصابة 108 آخرين.

الحــادث الآخــر كان جنوح ســفينة عملاقــة )يبلغ طولهــا 400 متر( في قناة الســويس منــذ يوم الثلاثاء الماضــي، ممــا أدى إلــى وقــف الملاحــة في القنــاة ما يعني خســائر ماليّة كبيرة لمصر وتداعيات عالميّة تبدأ بارتفــاع أســعار النفــط ولا تنتهي بانقطاع سلاســل توريد صناعات عديدة من آســيا إلــى أوروبا، وتزامن هذان الحادثان مع إعلانات عن خســائر كبيرة لشركة مصر للطيران وللبورصة.

ســارعت وزارة النقل المصرية إلى إعلان أن الحادثة نتجت عن فتــح مجهولين «بلف الخطــر» (أي الكوابح التي توقف القطار في حالة الخطر( فيما تعهد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أمس الجمعة، بمحاسبة المتسبب في حادث اصطدام قطاري الصعيد، وقال إنه وجّــه بتعويض الضحايــا، فيما أمر وزيــر النقل كامل الوزير بالتحفظ على سائقي قطاري طهطا.

تعاملــت الســلطات المصريــة مــع حادثة الســفينة الجانحة بطريقة مســيئة لنفســها والعالم، فلم يخرج المســؤول الحكومــي الأول، وهــو رئيس الــوزراء، أو الوزيــر المختــص بالمســألة لشــرح أســباب الحادثــة والطرق الذي ســتتعامل بهــا الحكومــة لحلّها، وبعد إيهام العالم والمصريين بأن الأمر سيحلّ بشكل عاجل تبدّت الصورة على حقيقتها وظهر أن السفينة ستغلق القناة لعدة أســابيع، وبســبب هذه السياسة المضللة توقفت مئات السفن خلف السفينة الجانحة واستدار بعضهــا لقطــع آلاف الكيلومترا­ت حــول رأس الرجاء الصالح، وعلقت 13 ســفينة في البحيرات المرة بعد أن طلبت منها ســلطات القاهرة التحــرّك والانتظار هناك لبضع ساعات!

كان مــن المفيد للمصريين ســماع تصريــح الرئيس والوزير المســؤول عن حادثة التصــادم، لكنّ الحقيقة المؤســفة قــد تكــون أن الرئيــس والوزير )الــذي جاء للــوزارة مــن الجيــش( ســارعا لإلقــاء التصريحــا­ت لرفع المســؤولي­ة عن نفســيهما وتحميلها، لأشخاص «مجهولــن» أنزلــوا كوابــح الخطــر، أو لســائقي القطارين.

بــدلا من تحمّــل الرئيس والوزير، بشــكل مباشــر، للمســؤولي­ة والتحقيق في أســباب الكــوارث المتكررة للقطــارات تم اللجــوء إلى الأســلوب المعتــاد في إلقاء اللــوم علــى المصريين أنفســهم، وهي سياســة لا يكلّ أصحاب الســلطة فــي مصر عــن اســتخدامه­ا، فكأن المصريين الغلابة من ضحايا الحوادث هم المسؤولون عن إدارة البلد وليس الوزير والحكومة والرئيس.

مزعــج للمنطق والعقل أن يســارع كبار المســؤولي­ن المصريين إلــى إحالة الحــوادث الخطيرة إلــى أخطاء تقنية أو بشــريّة، فإذا صدقنــا أن مواطنا مصريا قام بإنــزال كابح قطــار وهو فعل قد يــؤدي إلى مقتله هو نفسه، فلماذا لا تتحسب السلطات لهذا الخطر؟

الأكثر إزعاجا وإثارة للسخرية هو حديث المسؤولين عن «محاسبة المتســبب» مع تجاهل أن المسؤولية، في كل الأحــوال، تقع عليهم هم أنفســهم، وأن الســلطات في كل العالم، تتحمل مســؤولية هذه الحوادث، وبدلا من المســارعة إلى تحميل مواطنيها مسؤولية الكوارث فإنها تحاســب الوزير المســؤول وتطالبــه، في أحيان كثيرة، بالاســتقا­لة بســبب هذا الفشــل والتسبب في مقتل عشرات المواطنين.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom