Al-Quds Al-Arabi

هل ستكون جولة الانتخابات الرابعة هي الصفحة الأخيرة في قصة المتهم نتنياهو؟

- يوسي بيلين

■ هذه المرة لم تعد الأمور هي ذاتها. في الاستطلاعا­ت التي نشرت في الأشهر الأخيرة قبيل انتخابات 2021 - بما في ذلك عينات الصناديق التي نشــرت يوم الانتخابات في القنوات التلفزيوني­ــة الثلاث – خلقت إحساســاً بالتكرار، ولكن كلما مرت الساعات ترتسم صورة مختلفة عن تلك التي نشأت عن جولات الانتخابات السابقة في السنتين الأخيرتين.

جولة خامســة لن تكون الحــل. أولاً – يحتمل بأن نعرف حتى قراءة هذه الســطور إذا كان هناك حسم، وإذا كان مثل هذا الحسم، سيكون هناك تغيير دراماتيكي مقارنة بالجولات الســابقة التي انتهت بأن الواحد يمســك بعنق أخيه، وبأن معركة انتخابات أخرى ســتكون هي الحــل الوحيد للطريق المسدود.

إن رفض نتنياهو العنيد لإخلاء مكانه، رغم أنه ســيتعين عليه أن يكرس الكثيــر من وقته وتفكيره للمحاكمة الجنائية التــي يقف أمامها، خلق وضعاً أعادنــا إلى صناديق الاقتراع المرة تلو الأخرى، بالكلفــة التي لا تطاق والتي ينطوي عليها ذلك. إذا ما أخلى مكانه لنائب آخر من الليكود فقد يتمكن هذا الشخص من إقامة حكومة في غضون فترة زمنية قصيرة.

ولكــن فتحت أيضاً يــوم الثلاثاء ثغــرة لارتباط خاص جــداً بين أحزاب ليبرالية وبراغماتيـ­ـة وبين أحزاب ليبرالية ويمينية تتحفظ على نتنياهو. هذه الانتخابات ليست صراعاً بين اليمين واليمين، ففي المعسكر الذي يعارض استمرار ولاية نتنياهو يملك الآن 45 ممثل وســط – يسار ذوي التزام عميق بعــدم الارتباط به. وإذا كان ناخبو الوســط – اليســار في الأسابيع الأخيرة يميلون للتصويت لأحزاب اليمين التي بدت في نظرهم كمن ستسرع الإطاحة برئيس الوزراء، يتبين أنهم قد فهموا بأن من الأفضل التصويت وفقاً لتفضيلاتهم القيمية.

الصورة الناشــئة هي تعزيز كبير لليســار وللوســط – اليســار. فأغلبية من تبقوا مع «أمل جديــد» ومع «يمينا» هم يمينيــون لا يريدون رئيس وزراء مع ملفــات جنائية، بينما اليساريون الذين لم يريدوا ذلك عادوا إلى منشئهم.

استغلال إمكانية الكراهية الكامنة

ثمة ظاهرة أخرى برزت هذه المرة وكانت انتقالاً معيناً من «يهدوت هتوراة» إلى الحزب الذي اختار اســم «الصهيونية الدينية». ليســت بظاهرة جديدة. من يعنى بالاستطلاع­ات التي تفحص المجتمع الإســرائي­لي بقطاعاته المختلفة، لاحظ منــذ زمن بعيد كراهيــة لاذعة للعرب في أوســاط المصوتين الحريديم.

في هــذه الجماعة بالــذات، والتي لا تخــدم في الجيش الإســرائي­لي والتي يروج بعض من أهم حاخاميها للامتناع عن المواجهات على خلفية قومية – «عدم الصعود إلى السور» – وعدم خلق استفزازات، توجد ظاهرة عنيدة من العنصرية. وإذا كان الحريــديم تميزوا في الماضي بمعارضة اســتخدام العنف، فمنذ عشــرات الســنين وهم يجيبون بشكل متطرف للغاية على أسئلة تتعلق بإمكانية الوصول إلى تفاهم، ناهيك عن سلام بين إسرائيل والدول العربية.

واضح أن نتنياهو على وعي جيد بأن الشــبان الحريديم هم الجماعــة الأكثر تطرفاً في المجتمع الإســرائي­لي من حيث الموقف من جيراننا. وعليه، فعندما استنتج بأن «الصهيونية الدينية» من شــأنها ألا تنتخب إلى الكنيســت، بدأ يشــجع الحريديم الأشكناز الشبان لأن ينتخبوا تلاميذ كهانا، ويبدو أنه نجح أيضاً في ذلك بقدر ما.

إن الارتباط بــن نتنياهو وتلاميذ كهانا لم يجلب لرئيس الــوزراء، أغلب الظن، ما يســعى إليه، ولكنه تســبب بمنح شــرعية لمجموعة من الأشــخاص برئاســة ايتمار بن غبير. وبدلاً من بذل الجهد لإبعادهم عــن المجتمع وتذكير الجمهور بخطرهم، فإنهم سيبقون في الكنيســت بعد وقت طويل من ترك نتنياهو لها، والاستمتاع باللحظة التي كان مستعداً فيها لأن يفعل كل شيء كي ينقذ روحه من المحاكمة.

ما فعله نتنياهو في أوســاط الحريديم الشبان ليس نتاج كراهية، سواء تجاه العرب أو تجاه من يختلف عنهم )يسار، مثليين وما شابه(. لقد استغل الطاقة الكامنة للكراهية القائمة )والتــي يمكن لعلمــاء النفس الاجتماعي، ربمــا، أن يفهموا سبب تميز هذه بشــكل واضح جداً الجيل الشاب الحريدي(، كي يعــزز هذه الجماعة المتطرفة، التي ميزتها الأســاس هي، كما أســلفنا، كراهية كل من وما ليس هي نفســها. في حملته لإنقاذ نفســه من ربقة المحاكمة، فإن الأمر الأخير التي أشغل بال نتنياهو هو فتح غير مخطط له لصندوق المفاسد، مما من شأنه أن يمس بالأنسجة الرقيقة للمجتمع الإسرائيلي.

علامة طريق في دمج ممثلي العرب

وثمة ظاهرة مختلفة وقعت في أوســاط عرب إســرائيل. فالانتخاب المباشــر لرئاســة الــوزراء أدى إلــى أن توزيع تصويت العرب في أوســاط أحزاب اليســار التي يعدّ علمها المســاواة في قيمة الإنســان، انتهى: من جهة، صوّت العرب لمرشــحين يهود صهاينة لرئاســة الوزراء، ولكــن الجانب الآخر من «الصفقة» كان أن البطاقة الثانية مخصصة، عملياً، للتصويــت لحزب عربي فقط. منذ المــرة الأولى التي أجريت فيها الانتخابات ببطاقتين، انخفض التصويت للأحزاب غير العربية بشــكل دراماتيكي حتى الذروة التــي وصلت إليها القائمة المشتركة في انتخابات 2020. ما حصل في انتخابات 2021 قد يكون مؤشــراً لانعطافة بالاتجــاه المعاكس: أحزاب

مثل العمــل، وميرتس وكذا أحزاب في الجانــب اليميني من الخريطة، اقترحت على الناخبين مرشــحين عرباً. وقسم مهم من هؤلاء العرب لم يكونوا مشــابهين للنــواب في الأحزاب التي كانت تســير في فلك مباي، بل أشــخاص مســتقلون لا يخفون انتقادهم للمؤسسة الإسرائيلي­ة ولكنهم يفهمون بأن مستقبلهم في إسرائيل هو الكفاح في سبيل مساواة الحقوق لعرب إسرائيل. كما أن انسحاب د. منصور عباس من القائمة المشــتركة، وتنافســه المنفرد في رئاســة «راعم»، ساهم في تغيير طبيعة تصويت العرب في الانتخابات الأخيرة.

قد تكون هذه الانتخابات علامة طريق في دمج فاعل أكثر لممثلين عرب في أحزاب غير عربية، بحيث يتوقف ذلك الوضع المصطنع الــذي يصوت فيه عرب شــيوعيون لقائمة تضمن أشخاصاً متدينين، ويعارضون جوانب مختلفة من المساواة، كي يضمنوا ألا يضيع صوتهم.

وقد تكون هذه الانتخابات التي أجريت هذا الأسبوع هي الفصل الأخير فــي قصة التصويت مع وضــد نتنياهو، التي ميزت حملات الانتخابات الأربع الأخيرة. إذا ما أتيح بالفعل تشــكيل حكومة بديلة، أو إذا كان هناك من داخل الليكود من ســيطالب نتنياهو بإخلاء كرسيه كي يكلف الرئيس شخصاً آخر من حزبه بتشــكيل الحكومة التاليــة. ويحتمل جداً أن سيكون ممكناً، في الانتخابات القادمة التي يفترض أن تجرى بعد نحو أربع سنوات ونصف، البحث في مواضيع جوهرية وليس فقط في مسألة ما إذا كان رئيس وزراء متهم بالرشوة والغــش وخيانة الأمانــة والتي ســيضطر لأن يكرس وقته لإنقاذ روحه، يمكن وينبغي أن يتولى المنصب.

وختاماً: قد يكون المســتطلع­ون هم الأبطــال غير المعلن عنهم لأربع جولات انتخابات. فالفوارق بين نتائجهم ونتائج الانتخابات كانت صغيرة جداً، ومن جهة أخرى تشــبه جداً النتائــج الحقيقية. ولمــا كان يكثر الحديــث عندنا عن «يوم غفران المســتطلع­ين»، فينبغي أيضاً الإعراب عن التقدير لهذا الانعكاس الصحيح للواقع.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom