Al-Quds Al-Arabi

اللواء كالمان: باستطاعة إسرائيل تدمير البرنامج النووي الإيراني... لولا الاستراتيج­ية

- يوآف ليمور السعودية؟ الإمارات؟ مصر؟ تركيا؟

■ كانت السنة الماضية ســنة جيدة جداً من ناحية أمنية. قلة العمليات والمصابين أعطت إحساســًا بالامن عالياً نســبياً، كما أن الانشغال المكثف بكورونا )وبالانتخاب­ات( دحر مواضيع أخرى إلى الهوامش كانت ستحتل في الأيام العادية العناوين الرئيسة.

ولكن التحديات الأمنية بقيت موجودة، وعندما تقام الحكومة الجديدة فلن تتمكن من التملص من الانشــغال بها، وعلى رأسها إيران. وتجري من خلف الكواليس اســتعدادا­ت لماراثــون المباحثات هــذه، التي تتركز في معظمها في الجيش الإســرائي­لي، وفي داخله – في الشعبة الجديدة التي أقيمت في السنة الماضية، لمعالجة إيران والمسائل الاستراتيج­ية.

يقف على رأس هذه الشــعبة «تل كالمان»، وهــو أحد الألوية المتفكرين والعقــاء في هيئــة الأركان، وأقواله هنا – في مقابلــة أولى وحصرية – تعكس بدقــة التهديدات والرد المحتمل، وعلى رأســه العســكري، ولكن تنطــوي أيضاً علــى التحذير: عــدم معالجة المشــاكل ســيطرح تهديداً استراتيجياً أمام دولة إسرائيل.

يقول كالمان إن 2020 كانت سنة طيبة جداً في الكفاح ضد إيران. «لا أريد أن أســمي هذه سنة انعطافة، ولكنها كانت سنة تغييرات ذات مغزى». بدأ الأمر بتصفية قاســم سليماني، واستمر بـ «سلسلة أمور لا يمكنني بالطبع أن أتطرق لبعضها الأكبر، وأدت لأن يصبــح الميزان إيجابياً، بل وإيجابياً جداً».ومع ذلك فلا تزال إيران بعيدة عن الاستسلام.

«إيران ليســت تحديــاً عملياتياً محــدداً، بل تحد في مســتوى فوق عســكري. وهي تحد لمفهوم الأمن القومي. في هــذا الموضوع ميل لتهكم ما في السنوات الأخيرة، ينبع من التفكير بأننا ندخل إيران إلى الخطاب من أجل أمور أخرى، ولكني أعتقد بــأن الحديث هنا يدور عن التصدي لدولة ذات إمكانية كامنة لتصبح قوة عظى إقليمية، وعلى رأســها نظام متطرف وضع لنفســه هدفاً حقيقياً لإبادة دولة إسرائيل. وهذا ليس لصباح الغد، هم ينظرون ‪50 ،40 30،‬ ســنة إلى الأمام. ويريدون مسيرة تدريجية لدحر دولة إسرائيل، وإضعافها، وفي نهاية المطاف لشطبها».

وهو يقول إن التصدي لإيران مبني من أربعة عناصر. الأول هو النظام المتطرف، «الذي طالما ظل يحكم إيران فســتبقى إســرائيل أمام تحد كبير جداً». والثاني هو النووي. الثالث هو تعاظم القوة العســكرية «الذي هو قريب من قدرة القــوة العظمى». والرابع هو الســعي الإيراني للتموضع والنفوذ الإقليمي، «الذي هو في مسيرة طويلة المدى تستغل مناطق عديمة الحكم وتبني فيها قدرات».

إن التحدي الذي تضعه كل هذه العناصر أمام إســرائيل غير مسبوق. «العناصر المعيارية للردع والحســم والدفاع غيــر ذات صلة بدولة مع 80 مليون نســمة على مســافة ألف كيلومتر عنك، يدور الحديث عن منافسة استراتيجية بعيدة المدى، تســتوجب منها تفكيراً آخر مما هو حيال دولة موجودة على حدودنا».

اشرح

«حيال دولة تقع على الحدود، فإني أبني القوة وأخطط للحرب وأعمل أحياناً في حرب ما بين الحروب كي أحبط وأحافظ على سيطرة استخبارية كبيرة جداً بنية الحسم في الحرب. أما في إيران فهذا ليس موضوع حسم، بل منافسة. وعليه، فليس على العناصر التي تعالج ذلك أن تكون عسكرية فقط، بل عسكرية ودبلوماسية واقتصادية وفكرية وغيرها. هذا هو حجم التحدي .»

هل يمكن حسم إيران؟

«عندما تكون في منافســة اســتراتيج­ية مع دولة ما، فأنت لا تسير إلى مكان الحســم. ما تحاول تحقيقــة هو التفوق في كل نقطــة زمنية، تفوق يحقــق ردعاً ذا مغزى يخلق لك أيضاً أمناً ويــردع الطرف الآخر من العمل ضدك في نفس الوقت.»

ومع ذلك، كان في القدس وواشــنطن أمل في الحسم – أن ينهار النظام تحت العقوبات.

«المنافسة الاستراتيج­ية ليست للتفكير لصباح الغد بل للمدى الطويل. وهذا يتطلب الربط بين كل الجهود القومية، التي لا تدار بعضها في الجيش الإسرائيلي بل في أجسام أخرى، وإلى أين تتقدم إسرائيل في هذا الشأن.

هذه بالضبط هي المســيرة التي يقودها كالمان في السنة الأخيرة. إلى جانب الموســاد، ووزارة الخارجية، ولجنة الطاقة الذرية، ومحافل أخرى تجري مســيرة مرتبة ســيتم في نهايتها بلورة مفهوم يرفــع إلى القيادة السياســية حول الســبيل الســليم للتصدي للتحدث الإيراني في نظرة بعيــدة المدى، واســتمرار­اً لذلك العمــل على الربط بين عمــوم الجمهود القومية، كوننا لم نكن في الماضي نقوم بهذا الربط.»

ما الذي تعلمناه حتى الآن؟

«فهمنــا أنه يجب معالجة كل عناصر المشــكلة. فلا يمكن النظر فقط إلى النووي، أو فقط إلى تعاظم القوة، أو فقط إلى المنطقة، بل يجب الانشغال بكل شــيء. في الســنوات الأخيرة كنا نركز جداً علــى النووي، الذي هو بالطبع بداية المخاض لأن هذا ســيكون تصديــاً مختلفاً بين إيران نووية، وإيران بدون نووي.

النظام الإيراني معنــي بالنووي، بداية كبوليصة تأمين لاســتقرار­ه. ولكن من ناحية إســرائيل، فهذا موضوع وجودي، وفي شرق أوسط آخر أيضاً يدخل في سباق تســلح نووي، تنضم فيه لإيران دول أخرى تسعى للتزويد بقدرة نووية .»

من؟

«أقدر بأن قسماً كبيراً من الدول حولنا ستسعى إلى النووي. وبالتأكيد تلك التي لها قدرات اقتصادية.»

«كل هذه الدول مرشــحة، نعــم. فهي قلقة من إيــران بالضبط مثلنا». بخلاف الفهم الجماهيري، يعتقد كالمان بأن الاستراتيج­ية الإسرائيلي­ة في الثلاثين ســنة الأخيرة نجحت، والدليل أن ليس لإيران بعد قدرة نووية. الســبيل لمواصلة دحر هذه الرغبة لديها في المســتقبل أيضاً هو دفعها لأن تفهم بأن الثمن الذي تدفعه عظيم. «الشعب الإيراني يدفع ثمناً باهظاً جداً على مصلحة النظام للسير نحو النووي. ولكني أعتقد حقاً بأن هذه ليست مشكلة إسرائيل، بل مشكلة كل الأسرة الدولية.»

على إســرائيل أن تركز فقــط على النووي، وألا تدخــل إليها مواضيع أخرى، في أثناء محادثات النووي. «عندما نتحدث عن النووي، لا نتحدث إلا عــن ذلك، وليس عن مســائل إقليمية أو تعاظم القــوة. ليس صحيحاً إدخال كل هذه الأمور في الاتفاق ذاته.»

لماذا؟

«لأن النووي هــو التهديد رقم 1، وعلينا أن نحقــق فيه الحد الأقصى. مع كل ما تبقى، ســنعرف كيف نتصرف. هذا لا يعني أننا لا نطالب الأسرة الدولية لأن تعالجهــا هي أيضاً، ولكن التفضيل واضح- «قبل كل شــيء النووي .»

هيا نتحدث عن الخيار العسكري

«أنــا في هذا الأمر منذ 25 ســنة، ســنوات كنــت فيها داخــل القمرة. وأعرف الخطط من مستوى القمرة والمســتوى التكتيكي وحتى المستوى المنظوماتي والاســترا­تيجي الذي أنا فيه اليوم. على مدى العقود الأخيرة كان هذا دوماً متسارعاً، وفي الســنوات الأولى للاتفاق النووي انخفض مستوى الانصات لهذا بقدر ما، ولكن في السنة الأخيرة دخلنا إلى السرعة الرابعة – الخامسة .»

عندها لا بد من السؤال إذا كانت لإسرائيل القدرة على إحباط عسكري للبرنامــج النووي الإيرانــي. المهاجمة والتدمير التــام، مثلما في العراق في 1981 وفي ســوريا فــي 2007. «الجواب هو نعم. عندمــا نبني قدرات كهــذه فإننا نبنيها للتنفيــذ. هذا لا يعني أنه لا توجــد الكثير من المعاضل الاســترات­يجية؛ إذ يمكن لإيران في اليوم التالــي أن تعود إلى البرنامج، ولكن القدرة موجودة، بشكل لا لبس فيه.»

ويعتقــد أن التهديد العســكري يجــب أن يكون جزءاً مــن العناصر الاستراتيج­ية. كما أن هذه هي الرسالة التي تنقلها إسرائيل في حواراتها فــي الولايات المتحدة وفي أوروبــا. «لا نريد أن نســتخدمه. لعلّي عندما كنت شــاباً أردت، أما اليوم فإنــي أتفهم بأن هذا ســيكون الحل الأخير. علينا أن نحــاول الوصول إلى حل بطرق أخرى، دبلوماســي­اً، وأعتقد أن هناك احتمــالاً لهذا، ولكن هذه الأداة مهمة أيضــاً. القيادة الإيرانية تنظر استراتيجياً، بعيد المدى، وتتصرف بشــكل محسوب وحذر. لقد سبق أن قلنا إن النووي بالنســبة لهم هو بوليصة تأمينهــم، ولكنهم إذا ما فهموا بأنهم قد يعرضهم للخطر – فسيعيدون التفكير.»

الحرب في أرض أخرى

صحيح أن إســرائيل تبني قــدرات «أزرق أبيض» لمهاجمــة إيران، كما يقــول، ولكن الطريق إلــى هناك تمر بالتعــاون. «دون تبجــح، كان في الســنوات الأخيرة تغيير مهم جداً في تعاوننا مع الشــركاء وعلى رأسهم الولايات المتحدة. وتوجت لنا منظومة علاقات وصلت معها إلى مســتوى عال من الحميمية. وحصلت في السنة الأخيرة أحداث عملياتية فيها أمور ما كانــت لتحصل في الماضي، مــن التعاون الاســتخبا­ري حتى التعاون العملياتــ­ي. وهذا لأن الأمريكيين يفهمون بأن مصلحتنا المشــتركة هي في لجم التحدي الإيراني في الشرق الأوسط.

«إن نقل جزء من الأعمــال إلى مناطق خارج دولة إســرائيل هو جزء من الموضوع. لا شــك بأن هذه إدارة ســليمة يتعين علينــا أن نعرف كيف نطورها. عندما تكون في منافســة مع لاعب ذكي، واستراتيجي، ينظر إلى المدى البعيد، فإنك ملزم بالعمل كي تؤثر على نواياه. ولهذا الغرض يجب العمل أيضاً في أماكن أخرى وبطرق أخرى.

إسرائيل في تضارب أمني

يعتقــد كالمان، ابن 52، متزوج وأب لثلاثة، يســكن في قرية زراعية في الســهل الســاحلي، بأنه على الرغم من الهجمات الإســرائي­لية، لم تتخل إيــران عن حلم التموضــع، ولكنها تجد صعوبة كبيرة فــي عمل ذلك منذ تصفية ســليماني. ويقول: «إنهــم يبحثون عن أســاليب أخرى. وتوجد منافسة تعلم تجري كل الوقت بيننا وبينهم.»

هل هناك احتمال في دفعهم للتنازل؟

«هم في مكان آخر غير ذاك الذي خططوا له؛ مما دعاهم لتعديل خططهم بشــكل كبير. ولكن هذه ليست حملة سنة - سنتين ولا حتى أربع سنوات. هذا حدث طويل المدى.»

وما الذي ينبغي أن يحصل كي يتنازلوا؟

«بالضبط مثلما في النووي، الحل ليس عســكرياً فقط، فالهجمات جزء واحد من الاســترات­يجية. يجــب أن يكون هناك أيضاً عنصر دبلوماســي ينقص الآن. الأســد متعلق جداً بالإيرانيي­ن اقتصاديــًا أيضاً. ولدينا أفكار كيف يمكن أن نأخذ ســوريا إلى وضع إنهاء الحرب الأهلية دون أن تكون إيران فيها. هذا حدث مركب، ويجب أن يجري بين القوى العظمى.»

وبالنسبة لحزب الله وصواريخه الدقيقة، يقول إن «الحديث عن الدقة وعــن حزب الله في وقت واحد أمر خاطئ. فهذا أوســع وأكثر أقلاقًا. نحن نتحــدث هنا عن ميل تكنولوجي أصبح بســيطاً نســبياً ويمكن الوصول إليه من كل من يحيط بنا. إســرائيل دولة صغيرة، وقدرة الدقة على دولة صغيرة هو تهديد وصفناه كتهديد اســتراتيج­ي خطيــر، بدرجة واحدة تحت النــووي. وما لا يفهمه الكثيرون هو ما يترافــق مع الأمر: فهذا ليس حزب الله وحده، هذا ما يبنى في ســوريا، وربما مســتقبلاً في الســاحة الفلســطين­ية أيضاً، وفي العراق واليمن، وبالطبع في إيران نفسها. ومن حيث الجبهات المتنوعة، يقول كالمان: «صحيح، لم نعد نتحدث عن معركة شمالية بل وأيضاً عن معركة في الساحة الشمالية – الشرقية.»

وعليه، يقــول، إن الاعتبار في المبادرة إلى ضربة وقائية في لبنان ضد مشروع الدقة لدى حزب الله هو مركب بأن من شأنه أن يتدهور إلى معركة إقليمية. «نبحث في ذلك على نحو دائم، ونفتش عن السبل لمعالجة المشكلة في كل مستوياتها - بما في ذلك المنتج، في إيران.

إسرائيل اليوم 2021/3/26

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom