Al-Quds Al-Arabi

ناصر جابي*

- ‪three Viva l’ algerie‬ two one *

فكرة لا بــد من العمل بجد عليها وطنيا ودوليا، فــي الأســابيع المقبلة، لترشــيح الحــراك الشــعبي فــي الجزائــر للفــوز بجائزة نوبل للســام هذه الســنة. تثمينا واعترافا بالســلمية التــي ميزته لمدة أكثر من ســنتين، فــي إقليم سياســي ملتهب. ســلمية حافظ عليها وهو يجند ملايين الجزائريين، خرجوا من عشــرات المدن داخل الجزائر وفي المهجر بالشــعارا­ت نفســها والتنظيم الســلمي نفســه، رغم ما تعرضوا له من اســتفزاز من خــارج المســيرات وداخلها، فــي مجتمع عرف محطــات عنيفة في مساره السياســي.. قبل وبعد الاستقلال، جعلت الكثير من المهتمين بدراسة الحالة السياســية الجزائرية، يربطون بشكل آلي تقريبا، بين العنف السياسي والجزائري.

عنــف ذهبــوا للبحــث عنــه فــي تاريــخ البلــد وعمقــه الأنثروبول­وجي، عندما لم يجدوه حاضرا في يومياته بالكثافة المطلوبــة لتمريــر أطروحة الجزائــري العنيف بالســليقة، بدل الكلام عن الجزائري الجذري ربما، بســبب التاريخ السياســي الــذي ميزه كشــعب وليس كثقافة مترســخة، لتحــاول بعض الفرضيــات ربط الأوضاع في الجزائر، بالحالة العربية العامة، التي اتجهت نحو العنف، رغم الاختلاف البيّن الذي يميز الحالة الجزائريــ­ة، على أكثر من صعيــد، مرتبــط بخصوصية الدولة الوطنية ذاتها، بثقافتها السياسية وعلاقاتها بمواطنيها.

تمكن الحراك الشعبي من الصمود أمام الكثير من محاولات الزج به في أشــكال عنــف متنوعة، مــن داخلــه وخارجه، كما حصل في ســنته الأولى وهو يواجه حملات اختراقه، بواسطة صراعــات ثقافوية وإثنيــة، كونت خطورة فعليــة، لولا أن هذه الســلمية التي تمسك بها المتظاهرون في مختلف مناطق البلاد، كانت حاضرة بقوة داخل المسيرات وفي الشعارات، رغم بعض الهفوات المسجلة، التي عادة ما يتم تصويبها من داخل الحراك، فــي أول مســيرة، بفعل الــذكاء الجماعــي الذي ميــز الحراك، كلحظة أخلاقية جماعية، تجاوز من خلالها الجزائريون الكثير مــن نقاط الضعف التي ميــزت تاريخهم السياســي والثقافي. هم الذيــن اســترجعوا لغتهم الشــعبية المحكية، بمناســبة هذا الحراك، الذي تحول إلى فضاءات واســعة للنقاش السياسي، ليس بين أبناء الأجيال الكبيرة في الســن، التي عاشــت تجربة سياســية مشــوهة، خلال فترة الحــزب الواحد، بــل بين أبناء أجيال صغيرة، عاشــت تصحرا سياســيا، تجاوزته بســرعة، بمناســبة الحراك لتســترجع قدرتها على التواصل السياســي عبر بلغة واضحة، ذات قدرة كبيرة على التعبير بين أبناء شعب «عقــون» في المجال السياســي كان لوقت قريب شــعار .

. أفصــحشــع­ارسياســي لديه. قــد يكون هذا ما أزعج النظام السياســي الذي اســتمرت نخبه الرســمية في التعامل بلغة ركيكة وغير مفهومة، لم تؤهله للتحــاور مع المواطنين. فــكان القرار بإســكات كل الجزائريين، ومنعهم من الحديث في وســائل الإعلام الرســمية والخاصة، التــي يتحكــم فيها النظــام، تعميمــا لهــذه الثقافة السياســية «العقونة» التي فشل النظام ورجاله في تجاوزها.

ســلمية لا يمكن فهمها وتفســيرها، إلا عبر سوســيولوج­ية الحراك نفســه، الذي جند المــرأة والرجل الصغيــر والكبير، بل العائلة كلها بأجيالها المختلفة، خرجت في اليوم نفسه للتعبير عــن تعلقهــا بمطالبــه، تجنيد حيّــد إمكانيــة اســتعمال العنف ضــد الحراك، من قبل مؤسســات الدولــة الوطنية كالجيش أو الشــرطة، لدرجة أننا أصبحنا أمام قانون واضح يتم بمقتضاه «التســامح» مع المسيرات ذات التجنيد الشعبي الكبير. في حين يتم تفريق المســيرات التي تفشــل فــي الوصول إلــى ذلك، كما يحصــل كل جمعــة، بغــض النظر عــن المدينة التي تخــرج منها المســيرات. قانون يتأكد كل أسبوع بمناسبة ما يسمى في اللغة الحراكيــة بالتصعيــد خارج أيــام الجمعة والثلاثاء. بمناســبة مســيرات الســبت، التي يريد جناح جذري، مــازال غير حاضر بقوة فــي الحراك، فرضها كإمكانية هذه الأيام، كما حاول ذلك قبيل تعليق المسيرات في مارس/آذار 2020، تحولت إلى مسرح لاعتقــالا­ت كثيــرة. لتبقى مســألة تعامــل الجيش مــع الحراك الشــعبي من ميزات الحالة الجزائرية، مقارنة مع ما حصل في أغلبية الحــالات العربية العنيفة، فقــد كان من مصلحة الجيش التحالــف مع الحراك لإبعاد بوتفليقة أثناء ما يســميه الخطاب الرســمي بالحراك المبارك. تحالف استمر جزئيا بعد ذلك، رغم التشــنج الذي حصل بين جزء من الحراك وقيادة الجيش، التي رفضت الســير في المســار الإصلاحي بالشــكل الذي طالب به الحراك، حين أصــرت على ورقة طريق حافظت من خلالها على عمق ما يميز النظام السياســي، من ثقافة وتوازنات، لتغير في واجهتــه، كما تعودت علــى ذلك منذ اســتقلال البلد، عن طريق التخلص من الرئيس القديم وتعيين آخر جديد، بعد تحســينات علــى الواجهة القانونية، لــم تكن مقنعة هذه المــرة، في حضور حراك شــعبي قــوي طالب بالقطيعــة مع آليات تســيير النظام، وليس الأشــخاص، كمــا اقترح عليــه هذه المــرة كذلك. يحصل هذا في وقــت يدعو فيه الحراك إلى قفــزة نوعية، من الممكن أن تبدأ هذه الأيام، بعد تأكيد العودة القوية للمســيرات الشــعبية، كما بينته مســيرة الجمعة الأخيرة.. ستمس شعاراته وتنظيمه وقدرته على التعبئة وتحقيق مطالبــه. التي طال انتظارها أمام نظام سياســي يخــاف مــن التغيير، بســبب فســاده بالدرجة الأولى، وضعف مؤسســات صناعة واتخاذ القرار داخله، التي لم تعد قــادرة على مواكبة التحولات الاجتماعية والسياســي­ة، مــا جعلهــا تركز بشــكل مخيف على القــراءة الأمنيــة الصرفة والسياسية المبتورة.

ســيناريو سلبي لم يتم تجسيده كليا على ارض الواقع حتى الآن، بســبب ســلمية الحراك من جهة، وبســبب ما يميز الدولة الوطنية و مؤسسة الجيش من عمق شعبي مازال حاضرا، رغم كل التحولات السلبية التي اكتوى الجزائريون بنارها، كما كان الأمر مع الفســاد، ما يجعلنا نقول إن السلمية ستبقى حاضرة جزائريــا لغايــة تحقيق مطالب الحــراك، رغــم التعنت الملاحظ على مســتوى مراكز القرار السياســي، الذي يجب الاســتمرا­ر في الضغط عليها ســلميا حتى تقتنــع أخيرا بضرورة الإصلاح السياســي الســلمي والتوافقي، كمــا ينادي به الحــراك، الذي سينتصر بسلميته، ويعطي درســا آخر، بعد الدرس التونسي، في نجــاح التغييــر التوافقــي في المنطقــة المغاربيــ­ة التي تملك المؤهلات السوســيو - ثقافية والسياســي­ة، التي تؤهلها لذلك، بمــا فيها ما يميز مؤسســة الجيش من سوســيولوج­ية وثقافة سياسية، وروابط مع المجتمع، يمكن أن تؤهلها لتكون كمؤسسة على رأس المستفيدين من أي نجاح لمطالب هذا الحراك، هي التي مازالت كمؤسســة مركزيــة للدولة الجزائرية تحظى بشــرعية كبيرة لدى الجزائريين. تفاؤل ســيتدعم أكثــر لو تم إنجاح هذا المســعى بحصــول الحراك الســلمي على جائزة نوبل للســام كقوة دفع معنوي للشعب الجزائري وحراكه السلمي، سيكون في حاجة إليه كشــكل من أشــكال التضامن الدولي، في طريق تحقيق مطالبه في التغيير السياسي السلمي.

السلمية ستبقى حاضرة جزائريا لغاية تحقيق مطالب الحراك، رغم التعنت الملاحظ على مستوى مراكز القرار السياسي

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom