Al-Quds Al-Arabi

ولاحت تباشير وقف الحرب الأهلية في السودان

- ٭ كاتب سوداني

■ نستميح القارئ عذرا في قطع سلسلة مقالاتنا عن شرق الســودان وتداعيات زيارتنا لولاية البحر الأحمر، وذلك للتطرق إلى حدث تاريخي وهام، وهو الإتفاق والتوقيع على إعلان المبادئ لتســوية النــزاع ووقف الحرب الأهلية في جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق، والــذي تم بالأمس الأحد 28 مارس/آذار، في مدينة جوبا عاصمة جمهورية جنوب الســودان، ووقــع عليه كل من الفريق أول عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس الســيادة الإنتقالي، والقائد عبد العزيز الحلو، رئيس الحركة الشــعبية لتحرير السودان/شــمال. ولاحقا، في المقالات القادمة، سنعود ونواصل مناقشتنا للقضايا التي برزت وأُثيرت إبان لقاءاتنا في ولاية البحر الأحمر.

أعتقد أن إتفاق إعلان المبادئ المشــار إليه يحمل تباشير وقف الحرب الأهلية في جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق، ويضع، مقروءا مع إتفاق ســام جوبا بعد حل الإشكالية المتعلقة بما ورد في الإتفاق حول شرق السودان، لبنات إرساء سلام دائم في البلاد، خاصة وأن الإعلان يطرح المسألة من منظور قومي عندما أكد على أن جذور النزاع والحرب الأهلية في البلاد لا تكمن في قضايا محلية مرتبطة بالإقليــم أو المنطقة التي يــدور فيها النزاع والإقتتال، وإنمــا هي إنعكاس لأزمة وطنية عامة جوهرها الخلل في هيكل الدولة الســوداني­ة. وفي مقدمته وفقراته الأولــى، أكد إعلان المبادئ، عن حق، أن ثورة الســودان العظيمة، والتي مهرتها دماء وتضحيات شــابات وشباب الســودان وثورات حركات الكفاح المسلح، قد خلقت فرصة تاريخية لمعالجة جذور الأزمة السودانية وبناء دولة المواطنة التي تسع الجميع. كما شدد الإعلان على أن التوصل إلى اتفاق سلام شامل يضع نهاية منطقية للحرب في الســودان يتم عبر التفاوض، وأن تاريخ وطبيعة الصراع في الســودان يؤكدان أن الحلول العسكرية لا تقود أبدا إلى سلام وإستقرار دائمين. كمــا أبرزت مقدمة الإعلان نقطتين هامتين، الأولى هــي تأكيد الطرفين على العمل سويا لصون وحماية سيادة السودان واستقلاله والحفاظ على وحدة أراضيه، والنقطة الثانية هي تأكيدهما على أن الحل السياســي الســلمي والعادل لأزمات السودان، هو هدف مشترك لكل من حكومة السودان الإنتقالية والحركة الشعبية لتحرير السودان/شــمال. وحدد إتفاق إعلان المبادئ التوصل إلى حل سياســي وسلمي وعادل كهدف مشتركا لطرفي التفاوض. أما المبادئ الأساسية الواردة في الإعلان، والتي إتفق عليها الطرفان كأساس لحل الصراع في السودان، فتتلخص في:

التاكيد على أن السودان بلد متعدد الأعراق والديانات والثقافات، لذلك يجب الإعتراف بهذا التنوع وإدارته ومعالجة مسألة الهوية الوطنية.

التأكيد على حق شــعب الســودان في المناطق المختلفة في إدارة شؤونهم من خلال الحكم اللامركزي أو الفيدرالي.

علاج قضية علاقة الدين بالدولة من خلال الإتفاق على «تأسيس دولة مدنية ديمقراطية فيدرالية في الســودان تضمن حرية التدين والعبادة والممارســ­ات الدينية لكل الشعب السوداني، وذلك بفصل الهويات الثقافية والإثنية والدينية والجهوية عن الدولة، وأن لا تفرض الدولة دينا على أي شــخص، ولا تتبنى دينا رســميا. وتكون الدولة غير منحازة فيما يخص الشئون الدينية وشؤون المعتقد والضميــر. كما تكفل الدولــة وتحمي حرية الدين والممارســ­ات الدينية، على أن تُضمن كل هذه المبادئ في الدستور».

ومع الإقرار بوجوب أن تستند قوانين الأحوال الشخصية على الدين والعرف والمعتقدات، لكن أن يتم ذلك بطريقة لا تتعارض مع حقوق الإنسان الأساسية.

تحقيق العدالة في إقتســام السلطة وتوزيع الثروة بين جميع شعوب وأقاليم الســودان للقضاء علــى التهميش التنمــوي والثقافي والدينــي، واضعين في الإعتبار خصوصية مناطق النزاعات.

إدراج حقوق الإنســان وحقوق المرأة والطفل الواردة في المعاهدات الدولية التي صادق عليها السودان في إتفاقية السلام.

وأن تتخذ حكومة الســودان التدابير اللازمة للانضمام للمواثيق والمعاهدات الدولية والإفريقية لحقوق الإنسان التي لم تصادق عليها جمهورية السودان.

وشدد إعلان المبادئ على وجوب أن يكون للسودان جيش قومي مهني واحد يعمل وفق عقيدة عســكرية موحدة جديدة، يلتزم بحمايــة الأمن الوطني وفقا للدســتور، على أن تعكس تركيبة المؤسسات الأمنية التنوع والتعدد السوداني، وأن يكون ولاؤها للوطــن وليس لحزب أو جماعة. كما أكد الإعلان على أهمية أن تكون عملية دمج وتوحيد القوات متدرجة إلى أن تكتمل بنهاية الفترة الإنتقالية وبعد تضمين مســألة العلاقــة بين الدين والدولة في الدســتور، وفق ما جاء في إعلان المبــادئ. واتفق الطرفان على وقف دائم لإطلاق النــار عند التوقيع على الترتيبات الأمنية المتفق عليها كجزء من التسوية الشاملة للصراع في السودان، كمــا اتفقا على ترتيبات إنتقالية تشــمل الفتــرة والمهام والآليــات والميزانيا­ت وغيرهــا. وإعتبرا أن الإتفــاق بينهما يكون مــن ضمن عملية تطويــر الوثيقة الدستورية لكي تصبح دستورا دائما بنهاية الفترة الإنتقالية.

أعتقد بعد إستكمال عملية السلام مع الحركة الشعبية لتحرير السودان/شمال على ضوء إعلان المبادئ هذا، وبعد الإتفاق على الترتيبات العســكرية والأمنية مع حركة تحرير الســودان بقيادة القائد عبد الواحــد محمد نور، وحتى يتحقق فعلا سلاما شــاملا في البلد، أعتقد بوجوب إلتئام مؤتمر قومي للسلام الشامل، مؤتمر مائدة مستديرة، يحضره كل الفاعلين السياسيين والاجتماعي­ين وقيادات المجتمــع المدني والأهلــي، إضافة إلى أصحــاب المصلحة من مناطــق النزاعات والحــروب في البلد، يناقــش ما تم وســيتم الإتفاق عليه في إتفاقات الســام الموقعــة، وكيفية المزاوجة بين ما جاء في إتفاقات الســام الســابقة والإتفاقات الحاليــة، ويبحث في كيفية ربط قضايا مناطق النزاعــات بالدعم القوي لنجاح الفترة الإنتقالية وتثبيت أركان النظام المدني الديمقراطي، وأن يتم فيه التوافق على المبادئ فوق الدســتوري­ة التي تحكم عملية صناعة الدســتور، بحيث يكون مؤتمر السلام الشامل هذا بمثابة الطريق المؤدي إلى، أو الفصل الأول في، المؤتمر القومي الدستوري المناط به الإجابة على الأسئلة المصيرية المتعلقة ببناء الدولة السودانية وصناعة الدستور الدائم.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom