Al-Quds Al-Arabi

عيد الفصح: مناسبة لاستحضار معاناة المسيحيين

- ٭ كاتب بحريني

■ يستقبل العالم المسيحي عيد الفصح في نهاية هذا الأسبوع في ظروف الحجر الصحي مع تصاعد الإصابات في دول وروبا خصوصا ألمانيا وفرنسا. ومع أن الاهتمام بهذه المناســبة لا يرقى الى مستوى الاهتمام بعيد ميلاد المســيح عليه الســام، إلا أنها محطة مهمة لدى أتباعه. ووفقا لموقــع ويكيبيديا، فان عيد الفصــح الذي يعرف أيضا بأسماء عديدة أخرى أشــهرها عيد القيامة يعتبر «أعظم الأعياد المســيحية وأكبرها، يســتذكر فيه قيامة المســيح من بين الأموات بعد ثلاثة أيام من صلبه وموته كما هو مســطور في العهد الجديــد، وفيه ينتهي الصوم الكبير الذي يستمر عادة أربعين يوماً، كما ينتهي أسبوع الآلام .»

وتجدر الإشــارة الى التطابــق الكبير بــن النظرة الاســامية للمســيح وحياته والاطروحة المســيحية، ويمكن القول إن كبرى نقــاط الاختلاف ترتبط بالنهاية التي وصلتها حياة المســيح. فبينما يقول المســيحيو­ن إنه توفــي صلبًا، فــان القرآن الكريم ينفــي ذلك قائلا: «وما قتلــوه وما صلبوه، ولكن شــبّه لهــم». ويحظى الســيد المسيح لدى المســلمين بمكانة عالية بين الأنبياء مثل نوح وإبراهيم وموســى. هــذه النظرة تؤكد وحدة رســالة الأديان الســماوية، الأمر الذي يقتضي تقارب أتباع هذه الأديان بالاعتراف والاحترام المتبادلين. ومع توسع دائرة الحوار الديني في العقود الأخيرة أصبحت هناك اجواء لدى اتباع الديانات تتســم بتشنجات أقل وتطلعات اوســع للحــوار والتفاهم والاحتــرا­م. لذلك نشــأت ظاهرة التضامن الديني في المناسبات الرسمية، كمــا تبــادل زعمــاء الأديــان التهانــي والتحيات في المناسبات. فالبابا مثلا يهنئ المســلمين بحلول الأعياد، وعلمــاء الدين المســلمون يهنئون المســيحيي­ن بأعياد الميلاد بشكل خاص. انها ظواهر ايجابية في عالم لعبت السياســة والدين فيه دورا ادى تباعــد افراده وتعمق الحساســيا­ت المرتبطة بالانتماء والقناعات. وقد جاءت زيارة البابا في الثلث الاول من هذا الشــهر إلى العراق لتدفع مشروع الحوار الديني الى الامام من جهة، ولتمنح

مســيحيي العراق وسوريا بشكل خاص، شيئا من الثقة بإمكان التعايش كأقلية فــي مجتمعات تقطنها أغلبيات مســلمة. ولولا قناعة بابا الفاتيكان بــأن ذلك ممكن لما قام بالزيارة التي كانت مثار لغط في بعض الاوســاط. وقد تحولت الزيارة الى تظاهرة سياســية دينية شارك العراقيون فيها بقدر من الإيجابية والتفاؤل.

الحديث عــن الديــن لا يمكــن فصله عــن الحديث السياســي، فهما صنوان متلازمان. ومن مصاديق ذلك ما يلــي: اولا ان زعماء الــدول حتــى العلمانية منها لا يســتطيعون التنكر لانتمائهم الديني، ولا يستطيعون انتهاج سياسات تحاربه او تستهدف الظاهرة الدينية. فحتى في الاتحاد الســوفيات­ي خلال الحكم الشــيوعي لم يمكــن القضاء علــى اتباع الاديان. فبقي المســلمون في الدول الآســيوية التي كانت جــزءا من ذلك الاتحاد مصرّيــن على انتمائهــم الديني، كما لــم يمكن القضاء على الكنيســة وروادها. ثانيا: ان السياســيي­ن كثيرا ما يســتخدمون الورقة الدينية في ممارساتهم السياسية ويسعون لاسترضاء القيادات الدينية.

يصدق ذلك على زعماء الــدول الغربية «العلمانية» كما هو الحال مع الدول العربية والاسلامية. فلا يستطيع حاكم ان يستهدف الدين بشكل مباشــر. بل ان الأماكن الدينية تعفى عادة من ضرائــب الدخل والبلدية. ثالثا: إن الديــن حاضر في التوازنات السياســية حتى داخل البلد نفســه. فما إن عرض احد المدرســن البريطانيي­ن الاسبوع الماضي رسما كارتونيا للنبي محمد عليه افضل الصلاة والســام كانــت صحيفة «تشــارلي هبدو» قد نشرته ضمن رسومات اخرى، لطلابه حتى حدثت بلبلة سياسية بعد احتجاج آباء الاطفال ضد ذلك.

فالســلطات البريطانية تدرك أهمية احترام المشاعر الدينية للمســلمين. رابعا: أن الزعماء الدينيين يراقبون مدى توســع نطــاق الالتــزام الديني فــي بيئاتهم. ولا يخفون قلقهم حين تتراجع نســبة الالتــزام او يقل عدد مرتادي الكنائس او المســاجد. ويــدرك هؤلاء ضرورة توســع الظاهــرة الدينية كجانب من التطور البشــري

برغم انتشــار ظواهــر الالحاد والتمــرد على الطقوس والممارسات الخاطئة.

مع اقتراب عيــد الفصح ثمة اهتمام داخل الكنيســة بالظاهــرة الدينية ليس في البلدان المحســوبة تقليديا على المســيحية فحســب، بل حتى في البلدان الاخرى. فالظاهرة العلمانية لم تســتطع إلغاء الدين من الحياة العامة. وفــي الإحصاء العــام الذي أجرتــه الحكومة البريطانيـ­ـة تضمنــت الاســئلة الانتمــاء­ات الدينية والعرقيــة للمواطنــن. ويعتقــد المســؤولو­ن أن تلك المعلومــا­ت ضرورة لهندســة السياســة العامة للبلاد. ووفقــا للمعلومــا­ت الاحصائية المتوفرة لــدى الدوائر المختصة يتوقع أن تكون نســبة الذين يقرون بانتمائهم للمســيحية أقل من نصف الســكان، وهو أمر مقلق لبلد تمثل ملكتُه رأسَ الكنيســة الانجليكان­ية. وليس جديدا القول أن هناك عزوفا عن المسيحية منذ عقود، وان ظاهرة التديــن تتراجع باضطــراد. تراجع المســيحية ظاهرة مستمرة في غرب أوروبا وشــمالها، والدول الصناعية منذ فترة ما بعــد الحرب العالمية الثانيــة التي تحولت نحو مجتمــع «ما بعد المســيحية» والعلمانية والعولمة، وتعدد الثقافات والأديان. كمــا انخفض تعميد الأطفال في العديد من الدول. واضطــر الآلاف من الكنائس إلى الإغلاق أو الاندماج بســبب قلة الحضور. وهناك أيضًا أدلة على التراجع في أمريكا الشمالية )خاصةً في كندا( وأستراليا. وقد ساهمت التجربة الأوروبية في ما يسمى «العصــور المظلمة » الى تراجع الثقة بالمســيحي­ة نتيجة مواقف القسســة ضد العلماء ونظرياتهم مثل غاليليو. كما ان ممارســات بعض القطاعات الكنســية خصوصا الكاثوليكي­ة لم ترق الى المستوى الاخلاقي الذي يفترض ان يقترن بالكنيسة. فقد انتشرت في السنوات الاخيرة تقارير كثيرة عن الاعتداءات الجنسية في تلك الاوساط. فمنذ بداية التسعينيات من القرن الماضي، حدثت سلسلة من القضايا الجنائية بعــد ان أثبتت تحقيقات الحكومة الأيرلندية أن المئات من الكهنة قد اعتدوا على الآلاف من الأطفال على مر العقود الســابقة. وفي بداية هذا الشهر كشــف رئيس اللجنة المســتقلة المعنية بالاعتداء الجنســي على الأطفال في الكنيســة الفرنسية جان مارك ســوفيه أن ما لا يقل عن 10000 شــخص علــى الأقل وقعــوا ضحايا جرائم جنســية في الكنيســة الفرنســية منذ الخمســيني­ات. اللجنة المستقلة المعنية بالاعتداء الجنسي على الأطفال، أنشأتها المؤسسات الأســقفية والدينية في العام 2018 بعد عدة فضائح اعتداءات جنســية على الأطفال. وفي آذار/ مارس 2010، كتب البابا بنديكتوس السادس عشر رسالة رعوية للاعتذار عن جميع الانتهاكات التي قام بها رجال الدين الكاثوليك.

زيــارة البابا للعــراق كانت فرصة لإعــادة الحيوية للســجال حول الوجود المســيحي في المنطقة. فقد ساد شعور عام في الأوساط الكنســية بأن أتباع الديانة في العالم يتعرضون لاضطهــاد، خصوصا في ضوء بعض الاعتداءات على الكنائس في العراق وسوريا ومصر من بعض الجهات المتطرفــة. وقبل أقل من عامين حذر تقرير بريطاني من أن المســيحيي­ن يعانون اضطهادا شديدا في أجزاء عدة من العالم.

وأشــار التقرير الذي أعده أســقف كنيســة ترورو فيليب ماونســتيف­ن، إلى تقديرات تتضمن أن واحدا من كل ثلاثة أشــخاص يعاني من الاضطهــاد الديني. وقال وزير الخارجية البريطاني، جيريمي هنت إنه يشعر أن «اللياقة السياســية» لعبت دورا في عــدم مواجهة هذه المشــكلة. وأفاد التقرير المرحلي بأن «ممارسات الإبادة الجماعيــة بلغت مداهــا، وأن المســيحية تواجه خطر الاختفاء من أجزاء في الشرق الأوسط». وقال الوزير إن 80 بالمائة من الاعتداءات ذات الطابع الديني يســتهدف المســيحيي­ن، وإن «الوجود المسيحي في الشرق الأوسط اصبح مهددا». هذا الاضطهاد يوازيه اضطهاد للمسلمين في مناطق شتى مثل ميانمار وسريلانكا.

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom