Al-Quds Al-Arabi

... وشكاوى دون نتيجة وتهديدات للمنتقدين... والرشاوى في كل مكان

-

■ كربــاء ـأ ف ب: بات الرحيل، رغم قســوته، الخيار الوحيد أمام حسنين محســن بعدما أمضى شهوراً يحتجّ ضد الفساد في العراق ويقدّم شكاوى بحق مسؤولين اختلســوا أموال بلاده على أمل ملاحقتهم، دون جدوى. محسن، المهندس العاطل عن العمل والأب لأربعة أطفال من مدينة كربلاء في جنوب العراق يقول: «لا تقدر أن تعيش هنا دون أن تدفع».

ويضيف الرجل البالغ من العمر 36 عامًا «قمت بكلّ ما يمكنني فعله، وما زال البلد يتدهور» فيما يحتل العراق المرتبة الـ21 بين الدول الأكثر فساداً في العالم، وفقا لمنظمة «الشفافية الدولية».

شعر محسن ببعض الأمل خلال الانتفاضة الشعبية غير المسبوقة التي عرفت بـ«ثورة تشــرين» في عام 2019 والتي خفّــت وتيرتها لاحقاً. ترك حينها زوجته الحامل نور في كربلاء وتوجه إلى ساحة التحرير في بغداد للمطالبة بمحاربة الفســاد وتحســن الخدمات العامة، وتغيير الحكومة المتهمة بهدر ونهب أموال البلاد.

ويستذكر تلك الأيام قائلا «أحسســت عندها بأن علي أن أخرج، إما أن نعيش بكرامة أو نمــوت بكرامة». وحينما اقترحت عليــه نور بدء حياة جديدة في الخارج بأموال حصلوا عليها من بيع عقار، رفض. وقال حينها «لا أقــدر على الرحيل» «ســتتغير الأمور» في البلاد. مع مــرور الأيام، لم يتغير شــيء، كما يقول محسن، بل تغلغل الفساد بكل مفاصل حياته، كما هي الحال بالنسبة لغالبية العراقيين.

ويؤكد أنه دفع رشــوة بأكثر من ألف دولار من أجل تســهيل إجراءات تجديد جواز سفره، ورشــاوى أخرى لتسهيل تسديد ضرائبه، بل وحتى من أجل تصحيح بعض الأخطاء الإملائية في أوراقه الثبوتية.

خلال فترة عمله كبائــع أثاث، أوقف جندي عراقي شــاحنات بضائع استوردها محســن من الأردن. وحتى بعد التأكد من أن وثائق الاستيراد قانونية، رفض الجندي عند المنفذ الحدودي إدخال البضائع إلى أن اقترح محسن أن يقدّم له غرفة نوم كاملة.

ويتحكم الفســاد فــي كل مفاصل الحياة في العــراق. لدى ولادة طفل على ســبيل المثال، لا بدّ من دفع البقشيش للممرضين لكي يهتموا بالمولود الجديــد. ولدى بنــاء منزل جديد، لا بــدّ من دفع الأمــوال لعناصر الأمن ليســمحوا بمرور حمولات الإســمنت ومواد البناء عبــر نقطة التفتيش الموجودة عند مدخل كل حي. ويتابع أن هذا ليس سوى الجزء الأسفل الظاهر من «هرم الفساد». حسب البيانات الرســمية العراقية، اختفى ما يساوي نحو 450 مليار دولار من الأموال العامة جراء الفســاد، أي نحو ضعفــي إجمالي الناتج الداخلي في العراق، ثاني أكبر منتج للنفط في منظمة أوبك، فيما لم تتوفّر مبالغ مماثلة قط لتطوير البنى التحتية.

ويقول محسن «سرق مســؤولون أموالاً مخصصة لتحسين الخدمات العامة» على مدى ســنوات، ولذا عليــه الآن أن يدفع أكثر مقابل الحصول «على مياه نظيفة ومقابل مولدات الكهرباء وخدمات صحية».

وتستخدم المولدات على نطاق واسع في العراق بسبب الانقطاع المتكرر في الكهرباء ولســاعات طويلة، بســبب الدمار الكبير في البنى التحتية جراء الحروب المتكررة وعدم إصلاحها أو صيانتها لسنوات.

أما الطبابة التي كانت مجانية في عهد نظام صدام حســن، فأصبحت تكلف مبالغ طائلة في العيادات الخاصة. ورفع حســنين ست شكاوى إلى هيئة النزاهة الحكومية لمكافحة الفســاد، لم تؤد إلى شــيء. وقام بجمع وثائق تثبت، وفق قوله، تورط مســؤولين وسياسيين باختلاس أموال أو تخصيص مشاريع لمقربين منهم «لكن الشكاوى لم تصل الى أي مكان، لأن القضاء نفسه فاسد».

ويؤكــد خبير قانوني من بغــداد «أن القانون لا يطبّــق إلا على الأكثر ضعفاً» مضيفــاً «النواب والمســؤول­ون بإمكانهم باتصــال هاتفي واحد التأثير على قرار قاض».

وفقد محسن بسبب انتقاده العلني لمســؤولين حكوميين دعم أقربائه الذين يملكــون علاقات قوية في الدولة، ما كلّفــه العديد من فرص العمل التــي كان من الممكن أن يحصل عليها من خلالهم. ويعتمد الرجل الآن على ما يرسله أقارب له يعيشون في الولايات المتحدة من مال لتأمين قوته. بعد الأمل الذي دفعه للخروج مع المتظاهرين للتنديد بالفســاد، يندم محسن أحياناً على خياراته كما يقول: «أحس أحياناً بالندم، لماذا خرجت إلى تلك التظاهرات؟».

وبات يخشى أيضاً على حياته لا سيما بعد عمليات الاغتيال والخطف التي تعرض لها العشرات من الناشطين الذين رفعوا الصوت ضد الفساد والمحاصصة في البلاد.

ويشير الى أنه تلقى «مكالمات تهديد من أشخاص يدعون أنهم من جهاز المخابرات، الآن أحمل مسدساً معي أينما أذهب».

وتقدّر «المنظمة الدولية للهجرة» أن الفســاد كان واحداً من الأســباب الرئيسية التي دفعت العراقيين للهجرة إلى أوروبا خلال السنوات العشر الماضية. وقدّم محسن لهذه المنظمة طلباً للهجرة عام 2016.

وتقــول زوجته نور «البقاء في العراق كان خطــأ» مضيفةً «لم تكن لنا فرصة قط لنعيش حياتنا».

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom