Al-Quds Al-Arabi

ضغوط على «حارسة» الميزانية العراقية... حوصر منزلها وهددت بالسحل

-

■ بغداد ـأ ف ب: أكوام من الأوراق والوثائق تدخل مكتبها، فيما يخرج منه نواب غاضبون، بينما يتســرب صوتها الذي لا تخطئه الأذن من خلف الباب: إنها طيف السامي، حارسة المالية في العراق.

يــرى منتقدوها أنها تقليديــة بيروقراطية، فيمــا يعتبرها المعجبون بأســلوبها أنها حصن منيع أمام فســاد الدولة المستشري في العراق، لكنها قبل كلّ شــيء امرأة صريحة ذات صوت عال في مجال يهيمن عليه الرجال.

مع ذلك، يتفقّ الجميع على أن السامي البالغة من العمــر 57 عامــاً خبيرة تماماً فــي مجالها، وتعلم ماذا تفعل.

ويقول وزيــر المالية العراقــي علي علاوي، «بــرزت لأنها ملأت فراغاً. لديهــا قدرات إدارية ومعرفة مالية جيدة جداً.»

وتملك السامي صلاحية الموافقة على صرف الميزانيــ­ات، ما يعنــي أن موافقتهــا ضرورية علــى أي تمويــات لمشــاريع يطلبهــا النواب والمســؤول­ون الحكوميون، من بنيها الترقيات على سبيل المثال.

وغالباً ما تضبط الســامي تجاوزات، كما في عام 2018، حــن ألغت مكافآت رواتب تقول إنها كانت ستكلّف الدولة مليارات الدنانير.

في العام نفسه، اكتشف البرلمان العراقي أن نحــو 450 مليار دولار تبددت مــن الميزانية في جيوب سياسيين أو رجال أعمال وحتى موظفين حكوميين منذ عام 2003.

وروى مسؤول عراقي رفيع عمل مع السامي أنه «كان لها دور أساســي في وقف الفساد في الميزانية. لولاها لكان تبدّد البلد».

كذلك تثيــر قدرتها على القيام بأكثر من مهمة واحدة في وقت واحد إعجاب موظفين يعملون معها. وقال أحدهم «تقرأ بعينها اليسرى ورقةً ما فيما تركز بعينها اليمنى على شيء آخر. بنظرة واحدة فقط، يمكن لهــا أن تحدّد لك ما إن كانت وثيقة ما قانونية أو لا».

ولدت الســامي فــي عــام 1963 وتخرجت من جامعــة بغداد طامحــةً للعمل في الســلك الدبلوماسي، لكنها عيّنت في حقبة نظام حزب البعث الســابق في دائرة الميزانيــ­ة في وزارة المالية التي بقيت فيها منذ ذلك الحين.

وتدرّجت الســامي منــذ الحــرب العراقية مع إيــران إلى حين فرض عقوبــات دولية على العــراق وصولاً إلــى الغزو الأمريكــي في عام 2003، لتصل إلى أعلى الهرم في الدائرة.

وتشير إلى أن «أكثرية الفريق في ذاك الوقت كانت نســائية، لأن الرجال كانــوا في الحرب» مضيفةً «قمنا بكلّ شــيء حينهــا لنبقي الأمور جاريةً. ما زلت أتذكّر ذلك».

مذاك ازداد حجم المســؤولي­ات على السامي ومعه ســاعات عملهــا. تصل إلــى مكتبها عند الساعة السادسة والنصف صباحاً، مرتديةً في

أغلب الأوقات ملابس داكنة اللون، مع وشــاح أسود حول شعرها.

وأجابت على أســئلتنا فيما كانــت منهمكةً

فــي الوقت نفســه بتوقيع حزم مــن الأوراق، والردّ على رسائل نصية متعلقة ببروتوكولا­ت الميزانية واستبعاد طلبات صرف تعتبر أنها قد تكون مشبوهة. وعندما يدخل معاون لها المكتب ليخبرها أن نائبــاً ينتظرها في الخارج، تجيب «أخبره أنني غادرت المكتب اليوم».

نحو الســاعة الخامســة بعد الظهر، تذهب الســامي إلــى منزلها أخيــراً لتنــاول الطعام والصــاة لكنها تواصل العمــل. وتقول «نوم؟ أتمنى أن أنــام فقط أربع ســاعات. هذا الرأس يواصل التفكير. أفكر بمــا عليّ تحضيره لليوم التالي».

وتتهم وســائل الإعلام العراقية، الســامي مراراً بأنها «اليد الخفية» خلف تجميد تمويلات وفرض إجراءات تقشّــف. ولكنها ترد على ذلك بالقول «وكأن الموازنة في جيبي».

وتعتبر أن «الضغط الــذي لا يحتمل» الذي تتعرض له هو «بســبب دوري كامرأة، ولأنه لا يوجد حزب يدعمني».

طلبت الســامي ذات مرة نقل بعض الموظفين الذيــن كانــوا يعملــون تحت ســلطتها بعدما اكتشــفت أنهم يتقاضــون رشــاوى، وخلال ساعات من ذلك، أحاطت سيارات رباعية الدفع

بمنزلها للضغط مــن أجل إعادة هؤلاء الموظفين إلى وظائفهم.

تســتذكر أيضاً أنها ذات مــرة رفضت طلب مســؤول في إحدى المحافظات، فقام «بتهديدي بالســحل وإلقائي من النافذة. لــو كنت تابعة لحزب ما، لما تجرّأ أحد على لمسي.»

وروى المســؤول الذي عمل معها أن السامي قاطعت في إحدى المرات رئيس الوزراء العراقي الســابق عادل عبد المهدي خلال جلسة لمجلس الوزراء حول الميزانية، وقالت له «حبيبي، أنت لا تفهم .»

ويضيــف أنها تصــرخ قائلةً لــكلّ من يزور مكتبها «لا أملك مالاً. إنهم يخافون منها.»

وفيما كانت تشرح تفاصيل الميزانية، ازدادت حماســة الســامي وعلا صوتها وضربت بيدها على مكتبها.

وتقول «يقولــون إن صوتــي مرتفع وإنني هجومية، لكن هذه طريقتي بالكلام. عندما أفسّر شيئاً ما، أتحمس .»

كما يتهمها منتقدوهــا أيضاً بأنها تملك غطاء سياســياً للقيام ببعــض «الخدمــات» المالية الصغيرة، من دون أن تكون مخالفة للقانون.

ويــرى آخرون أنهــا بيروقراطيـ­ـة تقليدية بأســلوب حرفي يمنع العــراق من الخوض في عباب التحديــث واعتماد نظام مالي إلكتروني. لكن، حتى هؤلاء لا يمكنهــم إلا الإقرار بخبرتها وتأقلمها مع الزمن.

 ??  ?? طيف السامي
طيف السامي

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom