Al-Quds Al-Arabi

تداعيات كورونا فرصة للدول الافريقية من أجل التركيز على إشكالات التنمية

- الرباط ـ «القدس العربي» من عبد العزيز بنعبو: ■ المغــرب ـ الاتحــاد الإفريقي، عنــوان عريض لعودة المملكة بشــكل قوي إلى المنتظم الإفريقي. بصفتك خبيراً في العلاقات الدولية، ما هي الدوافع وراء هذه العودة من الناحية السياسية؟ ■ المغرب منذ عودته إلى الاتحاد

اســتعرض الدكتور إدريس لكرينــي، الخبير في العلاقات الدولية، حصيلة عــودة المغرب إلى منظمة الاتحاد الإفريقي، مؤكداً أن انضمــام المغرب جاء في ظروف سلســة، تعكــس الخطوات المحســوبة التي اتخذتها على هذا الطريق. وأبرز لكريني في حواره لـ "القدس العربي" أن التعاون المغربي في إطار الدائرة الإفريقيــ­ة من الثوابــت ضمن السياســة الخارجية المغربية، ويجد أساسه ضمن مقتضيات الدستور.

■ جــاء انضمام المغرب إلى الاتحــاد الإفريقي في ظروف سلســة، تعكــس الخطوات المحســوبة التي اتخذها المغرب على هذا الطريق، ويجســد الانضمام تتويجــاً طبيعياً لمجهــودات ومبــادرات كبيرة قامت بها الدبلوماسـ­ـية المغربية في العقود الأخيرة، والتي عمّقتها ودعمتهــا الزيارات الملكية لعــدد من البلدان الإفريقيــ­ة، وهي أيضــاً تعبير عن قناعــة المجموعة الإفريقية بالقيمة المضافة التي تشــكلها هذه العودة عبر مؤسســة الاتحاد على مســتوى تطويــر العمل المشترك ودعم التنســيق الإفريقيين في إطار التعاون جنوب – جنــوب، المبني على تبادل المصالح بشــكل ندّي ومتوازن.

شــكّل الانضمام فرصة لتجاوز الصــورة القاتمة التي راكمها خصوم المغــرب داخل الاتحاد في غيابه، وتوضيح مجموعة من العناصــر ذات الصلة بقضية الصحــراء، إضافة إلى تعزيز العلاقــات الاقتصادية المغربية - الإفريقية من داخل مؤسسات الاتّحاد.. كما يمثّل الأمر فرصة لاســتثمار الأجهزة المختلفة للمنظمة في سبيل التأثير في صياغة القرار الإفريقي بما يخدم مختلف القضايا الاستراتيج­ية للمغرب.

وإذا كانــت العودة إلى المنظمة ستســمح للمغرب بتعميــق علاقاته مــع الــدول الإفريقيــ­ة؛ والمرافعة بنفســه بشــأن قضاياه الحيوية؛ وتكســير منطق الصوت الأحادي الذي ظل يتردد داخل أروقة المنظمة منذ منتصــف الثمانينيا­ت من القــرن الماضي مروّجاً لمغالطــات تهم ملف وحدته الترابية؛ فإنها ستســمح للمنظمة أيضاً بلمّ الشــمل الإفريقي وتعزيز التعاون جنوب ـ جنوب، والاستفادة من التجربة المغربية في مختلف المجالات.

■ يعد التعاون المغربي في إطار الدائرة الإفريقية من الثوابت ضمن السياسة الخارجية المغربية، ويجد أساسه ضمن مقتضيات الدســتور، ويبدو أن المغرب واع كل الوعــي بالإمكانــ­ات التي تزخر بهــا القارة الإفريقية، والتي تســتوجب إرســاء تعــاون بناء، قادر على التخلص مــن التنافس الدولي على خيرات القارة، وبلورة علاقات ندية مبنية على تبادل المصالح والتجارب والخبرات.

إن هذا التّوجه هو امتداد لخيار استراتيجي يسعى المغرب من خلاله إلى بلورة نموذج واعد على مستوى التعاون جنوب - جنوب؛ بعيداً عن كل أشكال الهيمنة والاستغلال، وهو خيار لا يمكن إلا أن يكون في صالح المغرب والدول الإفريقية أيضاً.

ويبــدو أن المغــرب مقتنع بــأن الــدول الإفريقية تواجــه فــي الوقت الراهــن تحديات مشــتركة، في علاقتها بالتنمية والصراعــا­ت والنزاعات الداخلية، والتهديدات المرتبطــة بالهجرة والإرهاب والتهريب.. والتــي تفــرض مجابهتهــا في إطــار من التنســيق والتعاون.

يمثل الانضمام بداية ســتحمل رهانات وأولويات اقتصادية مرتبطة بتعميق الشــراكات والتعاون مع الدول الأعضــاء، والدفع نحو انكبــاب الاتحاد على القضايــا والأوليات الحقيقيــة للقارة فــي علاقتها بمكافحة الإرهاب وإدارة الأزمات وتعزيز الاســتقرا­ر وتعميق التعاون وتشبيك المصالح بين الدول الأعضاء ومواجهة التهافت الخارجي المتزايد الذي تتعرض له القارة وتحقيق التنميــة الكفيلة بوقف نزيف الهجرة بكل أشــكالها... علاوة على ترسيخ الحس التضامني بين الدول لمواجهة عدد من الإشــكالا­ت والمخاطر التي تواجه دول القارة.

■ لم تتوقــف جهود المغرب باتجــاه توفير المناخ الداعم لهذا الانضمام؛ وهو ما عكسته الزيارات الملكية المتعــددة إلى مجموعة من الــدول الإفريقية، بما فيها تلــك التي ظلّت فيها العلاقات بين الجانبين ســطحية لســنوات عديدة، بما ســمح بعقد عدد من الشراكات والاتفاقيا­ت التجاريــة والاقتصادي­ة.. وأتاح توضيح مواقف المغرب إزاء مختلف القضايا المشتركة.

وجديــر بالذكــر أن هــذه الزيــارات الملكية التي قوبلت بترحاب رســمي وشــعبي كبير داخل عدد من البلدان الإفريقية، تعكس عمق العلاقات بين الجانبين وامتدادها في عمــق التاريخ، وقد كان لها الأثر الكبير في إعداد الأجواء الســليمة والبنــاءة للانضمام إلى الاتحاد الإفريقي الذي تم بشكل سلس، وعقد عدد من الاتفاقيات التي عمقت العلاقات المغربية - الإفريقية.

لقد أولى المغرب في السنوات الأخيرة أهمية كبيرة للشراكات الاقتصادية والتجارية سبيلاً لتطوير هذه العلاقات، كما لا تخفى الجهود المتخذة على مســتوى تثبيت الأمن والســلم فــي الكثير مــن مناطق التوتر والأزمات الإفريقية، في إطار مبادرات فردية أو ضمن جهــود الأمم المتحدة وعمليــات الأمم المتحدة في هذا الإطار.

■ إن انضمــام المغــرب إلى الاتحــاد الإفريقي هو عودة إلى العمل من داخــل التكتل الإفريقي من موقع

أقــوى بالنظر لعدة اعتبارات متصلة بطرح مشــروع الحكــم الذاتــي كمقتــرح واقعي يوازن بــن مطلبي الوحدة والاســتقل­ال، ويتيح للساكنة تدبير شؤونها بشكل ديمقراطي من خلال مؤسسات جهوية، وبحجم التشابك والتطور اللذين طبعا العلاقات المغربية بعدد من الدول الإفريقية التي بادر عدد كبير منها إلى سحب اعترافه بالبوليســ­اريو تحت وقع الدلائل التاريخية والواقعية التــي يطرحها المغرب، وأهمية المشــاريع التنموية التي أطلقت في هذه الأقاليم؛ التي استفادت من الدينامية السياســية والاقتصادي­ة التي شــهدها المغرب فــي العقود الأخيــرة. كما أن القارة شــهدت صعود نخب سياســية جديدة تســتوعب الأولويات الحقيقية للقارة الإفريقية.

ومــن هــذا المنطلق، فالانضمــا­م إلــى الاتحاد لم يمثّل رهاناً مغربياً فقط، بل إنــه رهان إفريقي أيضاً، عكســته الدعوات المتزايدة لعدد من الدول الإفريقية في هذا الســياق، اقتناعاً منها بالإضافة النوعية التي سيشــكلها هذا الانضمام بالنســبة للقارة الإفريقية وانعكاسها الإيجابي على أداء هذه المنظمة.

استطاع المغرب خلال هذه الفترة أن يعزز علاقاته مع عدد من البلدان الإفريقية، ويتموقع داخل الأجهزة التقريرية للاتحاد، ويتجاوز كلفة المقعد الشــاغر، ما ســمح له بتصحيح مجموعة من المغالطــا­ت المتعلقة بقضية الصحــراء، ما دفع عدداً من الــدول الإفريقية إلى مســاندة الطرح المغربي، بل وإلى فتح قنصليات داخل الأقاليم الجنوبية فــي كل من العيون والداخلة وعياً بالفرص الاقتصادية والاستثمار­ية والاستقرار في المنطقة.

■ يتقاســم المغرب العديد من المقومات المشــتركة مع مختلف البلدان الإفريقية، بما يدعم هذه العلاقات ويعطيها بعداً أكثر عمقاً واستراتيجي­ة. فهذه العلاقات تمتدّ لزمن بعيد، وأســهمت ظروف الاحتلال الأجنبي لعدد من دول القارة في كبح تطورها؛ غير أنها سمحت

من جهة أخرى في تعزيز مظاهر التعاون والتنســيق بــن الجانبين قبيل الحصول على الاســتقلا­ل وبعده أيضاً، في إطار منظمات إقليمية ودولية.

وتواجه الــدول الإفريقيــ­ة، مجتمعــة، تحديات مشــتركة في الوقــت الراهن، من قبيل دعــم التنمية والحد من تنامــي الصراعات والنزاعــا­ت الداخلية، والتهديدات المرتبطة بالهجــرة والإرهاب والتهريب، التي تفرض مجابهتها في إطار من التنسيق والتعاون.

إن دعم العلاقــات المغربية مع الــدول الإفريقية، في أفق بلورة شــراكة متوازنة، هو خيار استراتيجي يمكن أن يســهم في تقديم نموذج واعد على مســتوى التعاون جنوب – جنوب، بعيداً عن كل أشكال الهيمنة والاستغلال.

وأعتقد بأن وعي الطرفين بحجم القواسم المشتركة ســيدعم تعزيز هــذه العلاقــات. وبالنظــر للموقع الاستراتيج­ي للمغرب، فبإمكانه أن يلعب دوراً متميزاً على مســتوى انفتاح القارة علــى محيطها الأوروبي والعالمــي. ويمكن لانخــراط الدبلوماسـ­ـية الموازية التي تقودها الأحزاب السياســية والبرلمان، والإعلام والجماعــا­ت الترابية والنخــب الأكاديمية.. أن تدعم تحقيق المزيد من المكتسبات في هذا الخصوص.

■ رغم التداعيات الخطيــرة التي أفرزتها جائحة كورونــا على عدة مســتويات، صحيــة واقتصادية واجتماعية.. فإنها تشكل فرصة لاستخلاص الدروس كسبيل لتحصين المستقبل، ونهج التعاون والتنسيق لمواجهــة تهديدات ومخاطر حقيقيــة عابرة للحدود، لا يمكن مواجهتها بصــورة انفرادية. حقيقة، إن تأثر البلــدان الإفريقية بالجائحة لــم يكن بحجم خطورة ما شهدته عدد من الدول في أمريكا وأوروبا... غير أن الكثير من التقارير العلمية تحذر من أن كل الاحتمالات الســيئة ما زالت قائمة، بالنظر إلــى تحور الفيروس من جهة، وضعــف الإمكانات الاقتصاديـ­ـة والبنيات الصحية في عدد من الدول الإفريقية من جهة أخرى.. وكل هذه المعطيات تفرض التنســيق والتعاون، وطي الخلافــات الضيقة في أفق إرســاء تعــاون إفريقي – إفريقــي، يدعــم التعاطي مع التداعيــا­ت الصحية والفرعية لكورونا بشكل أكثر فعالية.

كما تشــكل هذه الأزمــة الوبائية فرصة ســانحة للدول الإفريقية لاســتيعاب المســتقبل عبــر التركيز على الإشــكالي­ات الحقيقية للتنمية من قبيل تســوية المنازعات ومواجهة الأوبئة وتطوير البنيات التحتية الصحيــة، وتحقيــق الاكتفــاء الذاتي فــي عدد من المنتجات الغذائية والصناعية.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom