Al-Quds Al-Arabi

وليد سيف بين الأدب والفكر

-

■ الملايين من الذين شاهدوا مسلسلات وليد ســيف التاريخية: «الخنساء»1977 و «عروة بن الورد » 1979 و«شــجرة الدر » 1979 و«طرفة بن العبــد» 1982 و«المعتمد بن عباد » 1982 و «الصعود إلى القمة » 1986 و«صلاح الديــن الأيوبــي» 2001 و«صقر قريــش» 2002 و«ملــوك الطوائف» 2005 و «ســقوط غرناطــة » 2007 و «الفــاروق» 2011 و«التغريبة الفلسطينية» لا يعرفون أن كاتبها بدأ حياته شــاعرا واعدا بما هو جديد، ومتميز وفائق.

أصدر وليد سيف ديوانه الشعري الأول «قصائد في زمن الفتح» عن دار الطليعة في بيــروت 1969 وتزامن ظهوره مع الانطلاق اللافت للمقاومة الفلســطين­ية بقيادة فتح. وبعده أصدر ديوان «وشــم على ذراع خضــرة» (دار العودة 1971( ثم «تغريبة بني فلســطين» 1979، وفيه ثلاث قصائد أولاهــا بعنوان «تغريبة زيد الياســن» التي نشرت سابقا في مجلة «شــعر» المصريــة. أما قصيدة «البحث عن عبدالله البري» فنشرت في العدد 2 ربيع 1990 من البيادر، مع إضاءة على تجربته الشعرية لأحمد دحبــور )انظر ما كتبنــاه عنها في «الضفيرة واللهب» عمان ـ 2000.) ويذكر زيــاد أحمد ســامة مؤلف الكتاب الصــادر حديثــا بعنوان «وليد سيف أديبا ..ًمفكراً» قصيدة أخرى لم تنشر في أي من دواوينه المذكــورة، وهي قصيــدة )الحبّ ثانيــة( المنشــورة فــي الملحق الثقافــي لصحيفــة «الدســتور الأردنية» بتاريخ ‪.1992 /10/ 23‬ وهذا الكتاب كتاب قيم لا لحجمه الكبير )518 صفحة( ولا للقيمة التي يتمتع بها الناشر- وزارة الثقافــة، ولا لمؤلفه الناشــط الإســامي، لكن لما يتصف به من شمول.

فإذا نظــر إليه مــن حيث كونه ترجمة شــخصية لوليد سيف، وجد فيه القارئ كفاية المكتفي، وشفاء المشتفي، وإذا نظر إليه من حيث التوثيق، والتدقيق، وجد فيه القارئ مســردا لجل ما جادت به قريحة الشــاعر الكاتب من عطاء، لا يخلو من الاســتقصا­ء، ولا يعوزه التحقيق. إن كان الأمر في الشــعر، أو في المقالات، أو في التمثيليات، أو الســيناري­و والحوار، أي: المسلســات، الإذاعية والتلفزيون­ية، فهو، بهذا القــدر أو ذاك، يطفئ ظمــأ الباحث، ويشفي غلة المتعطش الصادي. فالمؤلف لا يترك صغيرة ولا كبيــرة، ولا يترك لائذة شــاردة، أو بيّنــة واردة، إلا ويذكرهــا. وهذا الجهد لا يقتصرعلــى الأعمال المهمة، كالتي اســتفتحنا بها هذه المقالة الوجيزة عــن الكتــاب. ولا يقتصر علــى الأعمال المبكــرة دون المتأخــرة، أو تلــك التي هي قيد الإعداد، ولمــا تكتمل بعــد، كاعتزامه إعادة كتابة بعض المسلســات الدرامية، وإخراجها للجمهــور على هيئة الروايات، بعد أن شــاهدوها على الشاشــة في هيئة المسلســات. وهو يستوفي إلى ذلك وذلك

مــا نشــر مــن مقابلاتٍ

صحــــــاف­ية مع الشــاعر الكاتب، ومن أحاديث إذاعية بثت من هذا الراديــو أو ذاك، ومن قنواتٍ فضائية بما فيها قناة «الجزيرة».

فقد ألــم المؤلــف بالســيرة الموجزة لوليد ســيف، الــذي ولد فــي باقة على كثب من طولكــرم، ودرس فــي مدارس المدينة المذكورة قبل أن يلتحق بالجامعة الأردنية دارســا للغــة والأدب العربيين. وتخرج فــي عــام 1970. ويتتبع المؤلف مســاره العلمي، والعملي، إلى أن استقر به الأمر متفرغــا لكتابة الأعمــال الفنية لأكثر من تلفزيون عربي. على أن المؤلف، بهذه السيرة المختصرة، لم يفته أن يذكر بعض العوامل المســاعدة والمساندة التي هيأت للشــاعر الشاب أن يحقق ما يصبو إليــه، فقد لقي دعمــا أكثر مــن كاف من عمه، وحميــه، الأكاديمي الراحل محمود إبراهيم سيف، وكان أســتاذا ذا علاقات قويــة، ومتينــة، بالنابهين في الوســط الأكاديمي، والتعليمي، علاوة على علاقته المتميزة المبكرة بالمخرج المســرحي صلاح أبو هنــود )أردني من أصل فلســطيني( الــذي شــجّعه، ولا نبالغ إذا قلنا: دفــع به دفعا إلى اقتحام أســوار التلفزيــو­ن، وكتابة المسلســات، بادئا بالخنساء، ثــم بعــروة بــن الــورد. ولا يســتغرب من يقرأ مــا ورد في الكتــاب، أنّ أول 7 مسلســات لوليــد كانت مــن إخراج صلاح أبو هنــود. وكان عليه أن ينتظر حتى عام 1983 ليخوض تجربته الأولى مع المخرج الســوري علاء الديــن كوكش في «بيــوت مكة .» وإلى عــام 1985 حتــى يخوض تجرته الأولــى، والوحيــدة، مع المخرج وفيق وجــدي ـ مصر- في «ملحمة الحــب والرحيل». وحتى عــام 2001 حتى يخــوض تجرته الأولى الممتدة مع الســوري الراحل حاتم علي. وهذا يعني ـ في ما يعنيه ـ أن من أبرز العوامل التي أســهمت في نجاحه تلفزيونيا تلك التي يعود الفضل فيها لصديقــه المخرج صلاح أبو هنود. ولا يضير الكاتب أو المؤلف أن يشار إلى ذلك.

وليد سيف والشعر

وللمؤلف زيــاد نظرة في هــذا الكتاب لشعر وليد سيف، وهي نظرة تبدو للقارئ نظرة من يستحسن شعر شاعره فحسب، لا لأنــه من أهــل الصنعة الذيــن يهتمون بالوقوف إزاء أســرار القصيــدة، وخفايا الصنعة الشعرية الدقيقة، فتأتي أحكامُهم بســبب ذلــك مســتندة لحقائــق نقدية،

وتحليلات منطقية. فهو على ســبيل المثال، لا الحصــر، لا يتطــرق لتأثر الشــاعر بمن سبقوه، مع أنَّ هذا واضح جدا في القصيدة الأولــى. وهي من بواكيــره، وفيها يتجلى تأثــره بصلاح عبد الصبور وبأمين شــنار وبعبد الرحيم عمر: بخيلة بخيلة مواسم الحياة في دروبنا وأفقنا مجرح الضمير محكم الرتاج وليس غير لحظة، ويأكل القنديل قطرة أخيرة ويرتمي بلا حياه. وليس من الســائغ المقبــول أن يبدأ الباحث حديثه عن الشاعر بذكر مكانته الشعرية، فمع تسليمنا بصحة ما يذكره المؤلف من أن لوليد سيف مقعدًا بين كبار الشعراء من نزار قباني إلى عبد الصبور، فعبد المعطي حجــازي، وبلند الحيدري، ومحمد عفيفي مطر، وحتى أدونيس، فمع تسليمنا بذلك لا يحسن بالمؤلف أن يذكر هذا في منــأىً عن القرائــن، والمعطيات التحليليــ­ة التــي تجعل شــعره يحظى بهذه المنزلة الرفيعة. فهؤلاء الذين ذكروا لا مرية في أنهــم غزيرو النتــاج، وهذا النتاج، مــع غزارته، أخضع لدراســات تحليلية، ونقدية، لا نبالغ إذا قلنا لا عدَدَ لها ولا حصــر. فكيف يمكن أن نضع وليد سيف مع تقديرنا لشعره في هذا الموضع، دون دراســة تقودنا لاســتخلاص هذه النتيجة؟

وقد اســتدرك المؤلف نفسه، وتراءى له إن هذا التقــويم تقويم مجانــي، ولا بد له من دراســةٍ تعززه، وتثبت دقة ما فيه، لذا بادر لدراسة الشعر، مستهلا ذلك بديوانه» الأول قصائد في زمن الفتح» وقد اتســمت دراســته للديوان بإيــراد الأمثلة، وما قيل فيها. ثم ينتقــل بعد ذلــك لديوانه الثاني «وشــم على ذراع خضرة » ويفعل الشــيء نفســه، فيذكــر رأي عبد الرحمــن ياغي، وفخــري صالح فــي الديــوان.. ويضيف لرأييْهما ما يقتبســه من مُعدّي الرســائل، والأطاريح، كإحسان الديك وميسر خلاف وناديا ماجد ومحمود حامد وآخرين.. على أن المؤلــف، كغيره من المؤلفــن، يعتمد، لا على تحليله الذاتي للشــعر شكلا وفحوى، وإنما يســتند في الغالب للمقابلات كثيرا. فأحيانا يعتمد على رأي الشــاعر بشعره، وفي أحيان أخــرى يعتمد علــى رأي أحد أقاربه، أو قريباته، ما يُضفي على المشــهد النقدي الطابع العائلي. وفي أحيان يعتمد على ما يقوله الشاعر عن شعره في سيرته المنشورة «الشاهد والمشهود».

ويعد الفصل الذي يتناول شعره فصلا مشــتتا، على الرغــم من الحجــم الكبير للجهد المشــكور الــذي بذله فيــه. وكان حريّاً به أن يسلك مسلك من ينظم أفكاره، ويبوب القضايا موضــع البحث. فيتناول أولا ما يــؤدي إلى الأخير. نقــول هذا لأنَّ من يقــرأ عناويــن الفصل يجدهــا تفتقر للنســق، فمثلا يذكر عنوان «كيف تتولد القصيدة؟» وعنوان آخر وهو «الســمات الفنية لشعر وليد ســيف» وبعده عنوان «مفاتيح القصيــدة» وعنــوان «التناص عند وليد ســيف» ثــم عنــوان «الصورة الشعرية» ثم تقسيم الصورة إلى حلمية، ونفســية و»توظيف الأغنيــة «، وعنوان آخر يليه «هل كتب وليد ســيف الزجل؟». وفي الصفحة ذاتهــا عنوان آخر «توظيف المثل» ويســتمر المؤلف على هــذا المنوال الذي لا يؤدي لنســقٍ متوافــقٍ مع طبيعة الدراســة النقدية، وما يهيمــن عليها من أفكار وموضوعات.

أما عن السؤال ما إذا كنا خسرنا شاعراً، أم كســبنا كاتباً درامياً، فســؤال لا علاقة له بالدراســة التــي يختصّ بهــا الفصل. وهو ســؤال تقع الإجابة عنه خارج النص الشــعري والدرامي. فقد تكون الخســارة في الشــاعر أكبر من المكســب في الدرامي، والعكسُ قد يكــون صحيحا، وهذا يتوقف علــى صاحب الشــأن إذا عــاد عليه الأمر بفوائــد تعادل ذلــك الخســران، أوْ لا. ولا نتفق مع القول: إنّ وليد ســيف تحول عن الشعر إلى )البزنس( وهو قول سمعته من أحد اساتذتنا رحمه الله. وأيا ما يكن الأمر، فإن الكتابَ «وليد سيف أديبا ومفكراً» كتابٌ قيم، ولا تكفيه هــذه المراجعة، التي تقتصرُ على فصل واحدٍ من أربعــة، كلّ فصلٍ منها يســتحق أن يكون كتاباً مستقلا بذاته عن الكتب الثلاثة الأخرى.

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom