Al-Quds Al-Arabi

الأمهات القاصرات ظاهرة حاضرة بقوة في المجتمع الروماني

-

■ بوخارســت - أف ب:إميليــا مراهقــة رومانيــة حملــت في ســن الخامســة عشرة، وبعد خمس سنوات، أصبحت أماً لثلاثة أولاد وتشعر بأن شبابها ضاع في بلد يولد فيه أكثر من 10 في المئة من الأطفال لفتيات مراهقات.

في الشــقة الصغيرة التي تدفع البلدية بدل إيجارها، وتقع في الطبقة الثانية من مبنى شعبي متهالك في بوخارست، قالت إميليا «عندما علمت بحملي الأول، أدركت أن مستقبلي انتهى.»

ومــع أن والدتها التي كانت هي أيضاً في الثالثة عشــرة عندما أنجبت طفلها الأول نبهتها، إلا أنها لم تأتِ على ذكر اية حماية.

أما الإجهاض، فمسألة «لم تُطرح إطلاقاً» على ما تشرح إميليا، محاطة بأبنائها الثلاثة.

إميليــا هي الصغرى في عائلتها المكوّنة من 11 ولــداً والمنتمية إلى فئة اجتماعيــة غالباً ما يؤدي فيها عدم اســتقرار الأســر وصعوبة الحصول على التعليم إلى حمل المراهقات.

تركت الشــابة ذات الشــعر البني الطويل مقاعد المدرسة وهي بعدُ في الثانية عشــرة. تتذكر قائلة: «كنا نعيش في مــأوى موقت، لا تتوافر فيه الكهرباء ولا المياه الجارية، ولم أكن أســتطع إنجاز واجباتي المدرســية.» ثم وُلِد أطفالها، فلم يعد لديها أي أمل في العودة إلى المدرسة.

مستقبل لأبنائها

وتتنهد إميليا التي لم تشــأ ذكر اســم عائلتها قائلة «لو ساعدني أحد على مواصلة الدراســة، لكان في إمكانــي اليوم البحث عن وظيفة». وهي تركّز اليوم على تعليم أطفالها بعدما انفصلت عن والدهم. وتضيف «أريد لهم المستقبل الذي لم أحظَ به».

وتعتبر رئيســة الفــرع الروماني لجمعيــة «أنقذوا الأطفــال» غابرييلا

ألكساندريس­ــكو أن «الطفلــة التــي تصبــح أمــاً تشــكّل مأســاة وحياة محطمة»، إذ يؤدي ذلك إلى التسرب من المدرسة والوقوع في براثن الفقر فضلاً عن خطر ولادة أطفال مبتسرين. في العام 2020 بلغ عدد المراهقات اللواتي أنجبن وهنّ في أعمار دون الخامســة عشــرة 673 في حين يرتفع الرقــم إلى 19915 لدى اللواتي تتراوح أعمارهن بين 15 و19 عاماً، في هذا البلد الأوروبي الشــرقي الذي يبلغ عدد سكانه 19 مليون نسمة. بالنسبة إلى كثيرات منهن، كان المولود سنة 2020 الثالث أو حتى الرابع.

ويبدو أن الاتجاه نفســه سيبقى ســائداً عام 2021 إذ أن والدة المولود الأول هذه السنة لم تكن تتجاوز الخامسة عشرة.

أمــا في بلغاريا المجــاورة، وهي دولة تتنافس مــع رومانيا على المركز الأول في الاتحاد الأوروبي من حيث عدد الأمهات دون الســن القانونية، فأنجبت فتيــات كثيرات بالكاد تبلــغ أعمارهن 11 عاماً خلال الســنوات العشر الأخيرة.

وعود بتوفير التربية الجنسية

وتؤكــد نائبة رئيس منظمــة «الجنس مقابــل اللقلق» غيــر الحكومية دانييــا دراغيتشــي «فــي هــذا العمر، لا تكــون الطفلــة مؤهلة جســدياً وفيزيولوجي­ــاً لتحمل الحمل حتى نهايتــه وللوضع. بالإضافة إلى ذلك، غالباً ما تجد نفسها وحيدة تماماً، إذ يكون شريكها انسحب من المشهد».

وفــي هذين البلدين أقليات كبيرة من شــعوب الرومــا أو الغجر الذين تقضي تقاليدهم بأن تتزوج الفتيات في ســن مبكرة جداً. وتحذر دراسة أصدرتهــا فــي كانــون الثاني/ينايــر اليونيســف وجمعيــة «ســماس» المســؤولة عــن دعم الأمهــات والأطفــال حديثي الــولادة، مــن أن «حمل المراهقــا­ت ظاهرة دورية تتكــرر من جيل إلى جيل».وتــرى المنظمات غير الحكومية أن وقف هذه الظاهرة يســتلزم وضع برامج للتثقيف الجنسي

في المدارس والمجتمعات الفقيرة. لكنّ الســلطات في بوخارســت تأخرت فــي الوفــاء بوعودها في هذا الشــأن.ولا يزال مشــروع قانــون في هذا الصدد عالقاُ فــي البرلمان كونه يواجه معارضة من أبرز جهاتها «تحالف الأهل » القريب من الكنيسة الأرثوذكسي­ة التي تشكّل الغالبية في رومانيا.

وتنتقــد هذه المنظمة ما تســميه «خدش حيــاء» القاصرين، وترى في إقرار هذا التعليم «اســتراتيج­ية مقنعة للاســتغلا­ل الجنسي للأطفال في سن مبكرة .»

من المحرّمات

إلا أن دراغيتشــي ترى أن الوضع مُلحّ، موضحة أن نحو ثلاثين مركزاً لتنظيم الأســرة أُغلقت في السنوات الأخيرة ، بســبب لامبالاة السلطات ونقــص الإمكانات. ومن بين مئــات المراكز التي لا تــزال مفتوحة، اثنان فحسب يوزعان وسائل منع الحمل مجاناً.

وتأســف لكــون الشــباب يعتمــدون علــى الإنترنــت كمصــدر وحيد للمعلومات بسبب قلة البالغين الذين يمكنهم اللجوء إليهم.

وتواظب الوســيطة الصحية الغجرية يوانا كونســتانت­ين منذ عشرين عاماً على القيام بجولات على البيوت في حي فقير بجنوب بوخارست.

وتعتني يوانا بنحو 700 عائلة، معظمها من الأزواج الشــباب، وتتولى تأمين تواصل هؤلاء مع الأطباء أو تســاعد في قيد أطفالهم في ســجلات الأحوال الشــخصية الرســمية، وهي عملية تتســم بالتعقيــد إذا لم يكن الوالدان يملكان وثائق هوية، أو إذا كانوا هم أنفسهم قاصرين.

وتشــرح قائلة «أحاول إقناعهم بأن منع الحمل أسهل من التعامل مع العواقب» معربة عن أسفها لضعف دور السلطات في هذا الشأن.

وتضيف «يبدو أن هــذا الموضوع من المحرّمات، حتى في القرن الذي نعيش فيه .»

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom