Al-Quds Al-Arabi

أزمة قناة السويس بالغة الخطورة... وهذا هو السبب

- *كاتب فلسطيني

من المعلوم بالضرورة أن قناة السويس واحدة مــن المنشــآت الحيوية المهمــة علــى مســتوى العالــم، وتلعــب دوراً مهما في حركــة التجارة العالميــة، ولذلــك فهــي منشأة استراتيجية مهمة للعــرب جميعاً ولأمنهم القومــي، وليس فقط لمصر التي تمتلك القناة وتدير الملاحة فيها، في ما تشكل أزمة السفينة الجانحة تهديداً للقناة، وقد تشــكل دافعاً لتنفيذ إســرائيل أطماعها بشق قناة بديلة أو منافسة تربط بين البحرين المتوسط والأحمر.

لقناة السويس أهمية استراتيجية بالغة، حيث يمــر عبرها أكثر مــن %10 من التبادل التجــاري الكلي في العالــم، وأكثر من %15 من حركة الشــحن الدولية، كما أن %45 من البضائع التي ترســو في موانئ نيويورك في الولايات المتحدة تكون قد مــرت عبر القناة، قبــل أن تصل إلى هناك، فضــاً عن أن %10 من إمــدادات النفط العالمي و%8 من إمدادات الغاز المسال في العالم تمر من قناة السويس.

وعلى الجانب المصري تُشكل قناة السويس واحدة من أهــم أعمدة الاقتصاد المصري، فهي المصدر الثاني للعمــات الأجنبية بعد القطاع الســياحي، حيث بلغت إيرادات القناة العام الماضــي 5.6 مليار دولار أمريكــي، في ما كان يُــدر القطاع الســياحي على مصــر نحو 14 مليار دولار، لكــن هذا الرقــم انخفض العام الماضي بســبب جائحة كورونــا، إلى أربعة مليارات فقط. أي أن قناة الســويس تشــكل منشأة سيادية واســتراتي­جية بالنسبة لمصر خصوصاً، والعالم العربي على وجه العموم، وقــد كانت هذه القناة ســبباً فــي «العدوان الثلاثي» علــى مصر في عــام 1956 لأهميتها الكبيرة. أما أخطر ما في الأزمة الأخيرة المتعلقة بجنوح الســفينة العملاقة «إيفرغرين» فهي أنها أعادت الى الواجهة المشــروع الإسرائيلي الأخطر على مســتوى المنطقة، وهو فتح قناة مائية موازية لقناة الســويس ومنافسة لها، تربط بين البحرين الأحمر والمتوســط، وهي المشــروع الذي يطمع الاحتلال في تنفيذه عبر صحراء النقب، لكنه يحتــاج بالضرورة الى مباركة دولية، خاصة مــن الولايات المتحدة، التي هي في الأســاس أكبر المستخدمين لقناة السويس وأكبر المســتفيد­ين من هذا الطريق المختصر. مشــروع القناة المائية الإسرائيلي، كان قد تجدد الحديث بشــأنه بصــورة غير رســمية في الأوســاط العبرية، أواخر العام الماضي، بعــد توقيــع اتفاقــات التطبيع مع الإمــارات والبحرين، وذلك بالتزامن مع تلقي الإسرائيلي­ين وعوداً باستثمارات مليارية من الخليج، إضافة إلى أنه في حال تم بالمشــارك­ة بــن تــل أبيــب وأبوظبــي، فهــذا يعني أن الإيرادات المالية لمشــروع عملاق وذهبي بهذا الحجم ستكون موزعة بين الجانبين. المصيبة لا تتوقــف هنا وإنما تمتد الى ما كشــفه موقع «بزنس إنسايدر» قبل أيام عندما نشر وثائق أمريكية كانت ســرية وتعود إلــى عام 1963، وتتضمن خطة أمريكية لفتح قناة بديلة لقناة الســويس، وهو المشروع الإســرائي­لي ذاته، الــذي يدور الحديــث عنه الآن، مــا يعني أن واشــنطن خططت لذلك بعد فترة وجيزة من العدوان الثلاثي على مصر، وأن الفكرة ليست جديدة، لا بل إن الوثائــق الأمريكية تتحدث عن إمكانيــة حفر القناة عبــر صحراء النقب باســتخدام قنابل نووية ســتكون أقل كلفة وأسرع في التنفيذ.

أخطر ما في أزمة السفينة الجانحة أنها قد تؤدي إلى تشــجيع الإسرائيلي­ين والأمريكيي­ن الى المضي قدماً في هذا المشــروع، ومع وجود تمويــل كاف ومغــر من بعــض دول الخليج، فقد تكون المنطقة برمتها على موعد مع تحول استراتيجي بالغ الخطورة.

إذا أقدمت إســرائيل على شــق قناة مائية موازيــة لقناة الســويس وبديلة لهــا، فهذا سيشكل أكبر تهديد للأمن القومي العربي منذ حرب عام 1967 عندما اجتاحت قوات الاحتلال أربع دول عربية، واحتلت أجزاء من أراضيها، كمــا أنه سيُشــكل ضربة للاقتصــاد المصري الذي هو ثاني أكبــر اقتصاد عربي، فضلاً عن أن إســرائيل ســتكون بذلك قد توســعت في هيمنتها على المنطقة وتحكمهــا في مفاصلها، وهذه مصيبــة جديدة من مصائــب التطبيع العربي مع الاحتلال. والســؤال الذهبي هنا: ماذا فعل العرب وســيفعلون من أجل حماية مصر وحماية أمنهم القومي أمام هذا المشروع العدواني الإسرائيلي؟

إذا أقدمت إسرائيل على شق قناة مائية موازية لقناة السويس وبديلة لها، فهذا سيشكل أكبر تهديد للأمن القومي العربي منذ حرب عام 1967

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom