Al-Quds Al-Arabi

جائزة كتاب فلسطين ومقاومة تزييف التاريخ

- ٭ كاتبة من العراق

■ لم تكن الهوة بين الشــعوب العربيــة وحكوماتها أكبــر وأعمق منها، مما نعيشــه، حاليا، حول فلســطين. ففي الوقت الذي سارعت فيه حكومات عربية، الى إعلان التطبيع الرســمي مــع الكيان الاســتعما­ري العنصري، تزداد مقاومة الشــعب الفلســطين­ي تجذرا، ونشاطات مناهضة التطبيع الشــعبية العربية انتشــارا، وحملات التضامــن العالمي والانضمام الى حملــة المقاطعة تزايدا حول العالم.

لم يعد تبرير استخذاء الحكومات وخضوعها لابتزاز وضغوط شــرطي العالم من جهــة وتبريرها بأنها تفعل ذلك من أجل « الســام» وانهــاء « النزاع الفلســطين­ي الاسرائيلي» من جهة أخرى، ســاري المفعول. كما انتهت صلاحيــة ادعائهــا بأنها تحقق مــا يصبو اليــه الجيل الفلسطيني والعربي الجديد. فيوم الأرض، مثلا، لايزال جزءا مــن الذاكرة التــي يحاولون طمســها. وتنوعت مســتويات المقاومة، بفضل مبادرات الجيل الجديد الذي يواصل نضال آبائه واجداده، سواء كان داخل أو خارج فلسطين. يحملون شــعلة المقاومة، بأشكالها وتنوعاتها، لوحدهم أو مع المتضامنين مع عدالة القضية الفلسطينية عالميا.

يركز عــدد من المبــادرا­ت الفلســطين­ية العالمية على الجانــب الثقافي لمقاومة الاحتلال، وأن تكون الســردية الفلســطين­ية أداة حفــظ الذاكــرة ومواجهــة عمليات التزوير. ولنقل الرواية الفلســطين­ية إلى أوسع جمهور ممكن أطلقــت منظمة )ميدل إيســت مونيتــور( جائزة كتاب فلســطين عــام 2011. احتفاء بإنجــازات الكُتاب، أينما كانوا، في الكتابة عن فلسطين ولتشجيع الناشرين على نشــر الكتب المعنية بفلسطين، كما يذكر د. داود عبد اللــه، رئيس المنظمة. واذا كانت فكــرة الجائزة قد بدأت كفكرة بسيطة فانها نمت وتطورت خلال العشر سنوات،

نتيجة العمل الــدؤوب لفريق مؤمن بفلســطين وأهمية الكتب، وعلى رأسهم الصحافية الناشطة فكتوريا بريتن، والزميــل د.ابراهيم درويش، وكان لي شــرف الانضمام الى الكادر في العام الثاني للجائزة.

كيــف نقيم عمــل الجائزة بعد عشــر ســنوات على تأسيســها ؟ تمكنت الجائزة، تدريجيا، من جذب انتباه دور النشــر والجامعات والمؤلفين المســتقلي­ن، في ارجاء العالم، حيث باتت تتقدم بكتبها الصادرة عن فلســطين، المستوفية لشــروط الجائزة الرئيسية بأن يكون الكتاب عن فلســطين وباللغة الانكليزية وتمــت طباعته خلال العام السابق لمنح الجائزة. واذا كان عدد الكتب مقياسا للنجاح فتجدر الاشــارة الى ان العام الاول شهد استلام 20 كتابا ووصل العدد في الاعوام الاخيرة الى خمســن كتابا، تغطي موضوعات واسعة، من السياسة والاقتصاد وحقوق الانسان الى القصة والرواية والشعر والمذكرات وكتب الأطفال والرســم والتصوير والطبخ. أما المؤلفون فانهم من جنســيات ودول مختلفة بالاضافة الى الجيل الجديد من الفلســطين­يين داخل فلســطين بالاضافة الى المهجرين فــي ارجاء المعمورة. ما يجمعهــم هو التزامهم المبدئي بحقوق الشــعب الفلســطين­ي وايمانهم، ككتاب وأكاديميــ­ن وشــعراء وفنانين، بمقاومــة الاحتلال عن طريق نشر المعرفة عن فلسطين وشعبها وتحدي الصورة النمطية لمظلومية الُمستَعمر، مع بقاء معيارها هو الأصالة والإبداع في البحث.

وقد تطورت الجائزة لتصبح حدثا ســنويا له مكانته، في الســاحة الادبية البريطانية. حيــث يتطلع الجمهور المهتم، الى حضور الامسية المقامة عادة في اليوم السابق لاعــان الفائزين، بلندن، للاســتماع ومناقشــة مؤلفي الكتب المرشــحة للقائمــة القصيرة. وكان الاســتثنا­ء الوحيد لهــذا التقليد، هو مــا تم في نوفمبــر، من العام الماضي، حيث نوقشــت الكتب المرشحة وتم الإعلان عن الفائزين، بواســطة تطبيق زوم على الانترنت، بســبب الحظر المفروض على الاجتماعات لانتشار كوفيد 19.

في تلك الامســية، كانت د. ريما خلف ضيفة الشرف. والمعــروف ان د. ريمــا كانت قــد اســتقالت من منصب وكيل الأمين العــام والأمين التنفيذي للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعي­ة لغربي آســيا )الإســكوا( عام 2017، عندمــا رفضــت ســحب تقرير مؤثر عــن معاناة الفلســطين­يين تحت الحكم الإســرائي­لي ؛ خلص التقرير إلــى أدلة دامغــة على أن إســرائيل أقامــت نظام فصل عنصري يضطهد ويسيطر على الشعب الفلسطيني ككل، وفي أي مكان يقطنه. وهي، حاليا، عضو مؤسس ورئيس «المنظمة العالميــة لمناهضة التمييــز العنصري والفصل العنصري »

لخصت د. ريما، في كلمتها اثناء الأمســية، الأســباب التي جعلت الجائزة متميزة، ومــن بينها «تركيزها على موضــوع كان حتى وقت قريب تحــت الحصار في معظم دول العالم الغربي. كانت محاولة نشر كتاب عن فلسطين هناك، ولا سيما كتابًا ينتقد إسرائيل، بالنسبة للكثيرين، مهمة محبطة، إن لم تكن غير مجدية.»

وأعطــت أمثلة تبين مدى خوف الناشــرين في المملكة المتحدة من نشــر كتب قد تســيء، بنظرهم للصهيونية، ويتعرضون جراء ذلــك لمقاطعة منظمــة لجميع كتبهم، حيــث « اضطر المؤلف آلان هارت أن يؤســس شــركته الخاصة لنشــر الطبعة الأولى من كتابــه: «الصهيونية: العدو الحقيقــي لليهود». كما كانت ترجمــة الكتاب إلى اللغة الإنكليزية صعبة بنفس القدر إذا تضمن أي شــيء قد يبدو أنه يشوه صورة إسرائيل.»

وقد تم ترتيب برنامج يمتد على مدى الشــهور المقبلة على موقع المنظمة للاحتفال بمرور العشر سنوات. يضم البرنامــج مقابــات مع مؤلفين حازوا على الجائزة وناشــرين وشــخصيات فلســطينية واجنبيــة ســاهمت بدعــم المشروع. بالاضافة الى انتاج فيديو يحكي قصة الجائزة. وسيصدر خلال العام كتاب يضم كلمات ضيوف الشرف بالاضافة الى لوحات فنية وقصائد مختارة.

ان اســتلام ما يقارب 400 كتاب عن فلســطين ) وهو ليس كل المنشــور( على مدى عشر ســنوات، دليل مادي على مدى الاهتمام المتزايد بفلســطين كقضية عادلة غير قابلة، كما يدحض زيف دعــاة التطبيع مع المحتل بحجة اقامة « السلام». فقضية الشعب الفلسطيني ليست قضية خلاف أو نزاع بل قضية مقاومة اســتعمار اســتيطاني عنصري، وما التطبيــع غير تنفيذ المخطط الامبريالي من قبل حكومات عربية مستبدة.

والكتب المؤلفة عن فلسطين، كأداة انتاج ثقافي معرفي وحفظ للذاكرة، ســواء كانت ضمن القائمة المختصرة أم لا، هــي جزء من ســيرورة النضال للوصــول الى الحل الحقيقي وهو انهاء الاحتلال وتحقيــق العدالة كمفهوم للعيش بكرامة ومساواة.

والدرس الأوسع من النجاح النسبي في تجربة جائزة كتاب فلســطين هو امكانية تغيير السردية التي تفرضها الهيمنة السياســية الاستعماري­ة والصهيونية في المجال الفكري والثقافــي، عبر جهد مثابر، ومتواصل يشــترك فيه الناشــطون من جميع الثقافات. وهو أمر ينطبق على مقاومة تزييــف تاريخ الحروب التي شــنت تحت لافتة محاربة الإرهاب واهمها جريمة غزو وتدمير العراق، كما على تاريخ الكولونيال­ية في بلدان العالم الثالث عموما.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom