مثقفون يهود وأجانب ينشرون تعريفا جديدا للاسامية ويميزون بينها وبين اللاصهيونية
يقبلون بوصف ممارسات إسرائيل بالاستعمار الاستيطاني أو أبرتهايد
وقّع مثقفون وأكاديميــون من العالم، معظمهم يهــود، عريضة مفتوحــة تحمل تعريفــا جديدا لمصطلح «اللاسامية» وفيه يشددون على الفارق بينها وبين مناهضة إسرائيل والصهيونية بخلاف تعريفها من قبــل «التحالف الدولي لإحياء ذكرى المحرقة الصادر قبل خمس سنوات.»
وقال الموقعون على العريضة إنهم يشــاركون في إصدار «اعلان القدس حول اللاســامية» وإن من بينهم باحثون دوليون في مجالات شتى منها دراسات اليهودية والمحرقة والصراع الإسرائيلي الفلســطيني وعلم الاجتماع والقضاء، موضحين أن هــذا التصريح يأتي على خلفيــة عدة مواثيق دولية صدرت منذ 1948 تخص حقوق الإنســان ومعاداة العنصرية بكل أشكالها، مشددين على أن اللاسامية لها مميزات خاصة، لكن لا يمكن الفصل بــن النضال ضدهــا وبين النضال الشــامل ضد كافة أشكال التمييز العنصري والعرقي والثقافي والديني والجندري.
ولتوضيح الدافع لصــدور الوثيقة هذه يقول الموّقعون على «تصريح القدس حول اللاسامية» إنهم مــن منطلق الوعي لملاحقــة اليهود تاريخيا وللدروس الكونيــة للمحرقة، وإنهــم من خلال متابعتهم بقلق مظاهر العداء لليهود في السياسة والمجتمع والإنترنت بتشــجيع من قبل مجموعات همها تأجيــج الكراهية والعنــف، فإنهم يرغبون بطــرح تعريف عملــي موجز ومســتند لحقائق تاريخية لحركة اللاســامية. وينبهون أن «اعلان القدس حول اللاســامية » جاء ردا على « تعريف» التحالف الدولــي لإحياء ذكرى الهولوكوســت عام 2016 لأنــه تعريف غير واضــح بعدة نقاط مفتاحية، ويترك مكانا للتأويلات المختلفة وينتج بلبلة وانقســامات، ولذلك يضعــف النضال ضد معاداة السامية.
تعريف بديل
كما يوضحون أنهم يقدمون نص بيانهم كبديل لتعريــف «التحالف الدولي »المذكــور ولكن ليس كوثيقة ملزمة من الناحية القضائية.
وينوه الموقعــون أن تعريف التحالف الدولي للاسامية يشمل11 مثالا على عداء السامية، سبعة منها تتمحور حول إســرائيل. ويتابعون»مقابل التشــديد المفــرط على ســاحة واحــدة تتجلى
بوضــوح الحاجة فــي إلقاء الضــوء على حدود الشــرعية لحريــة التعبير والحراك السياســي المتعلق بالصهيونية وإسرائيل/ فلسطين.»
ويقول الموقعــون إن لهم هدفا مزدوجا: تعزيز النضال ضد الســامية من خــال توضيح ما هي اللاســامية وتجلياتها، وكذلك الدفاع عن الحيز المطلوب للنقاش المفتوح حول الســؤال المشحون حول مستقبل إسرائيل/فلســطين. ويتابعون «لا نتقاســم بالضرورة آراء سياسية ولسنا معنيين رعايــة أجندة سياســية معينة. ونــرى أن فكرة أو عملا مختلفا عليه ليس بالضرورة لاســامية، وهــذا لا يرمز إلى أننا ندعم فكرة أو عملا معينا أو لا ندعمه .»
الخطوط العامة
ويشــدد الموقّعــون علــى ضــرورة التعامل مع الخطــوط الموجهّــة المتركّزة حول إســرائيل وفلسطين برؤية شــاملة ومن خلال قراءة الأولى في ضوء الثانية ورؤية الرابــط بينهما. ويعّرف هذا التصريح اللاســامية بأنهــا «تمييز، وفكرة مســبقة، وعداء أو عنف ضد اليهود كونهم يهودا أو ضد مؤسسات يهودية كونها يهودية». وبضمن الخطــوط العامة يوضــح الموقعّــون أن إلصاق صفات ســلبية جارفة وتعميمية وكأنها موروثة هو عنصرية وأن ما ينطبق على هذه ينطبق على اللاسامية. كما يقولون إن مميزا خاصا للاسامية التقليدية يتجســد بالفكــرة أن اليهود مرتبطون بقوى الشــرّ، وهي تنطلق من الزعــم أن اليهود يمتلكون مفاتيح القوة في العالم ويســتخدمونها على حســاب الآخريــن، مثلما يســيطرون على حكومــات بأياد خفية وكذلك علــى المال والإعلام وينشــطون كـ «دولة داخل دولة» فــي كثير من الدول، وأنهم مسؤولون عن تفشي الأمراض مثل كورونا. كما يشــيرون إلى أن اللاســامية ممكن أن تظهر في كلمــات وصور كـ «كل اليهود أغنياء، وبخلاء وغير وطنيين ورسوم كاريكاتيرية تظهر اليهود بشــكل ســاخر وأنوفهم كبيرة ومرتبطين بالمال والجشع.
ويقدمــون أمثلة علــى أفعال تجسّــد العداء للســامية منهــا مهاجمــة اليهود كونهــم يهودا والاعتداء على كنســهم ورسم صلبان نازية على أضرحة داخــل مقابرهم أو حرمانهــم من وظيفة معينة بســبب هويتهــم اليهودية. كمــا ينبهون الى أن اللاســامية ممكن أن تكون مباشرة أو غير مباشــرة، واضحة أو ملتبســة وهي أيضا تتمثل بإنــكار المحرقة وتقزيمها والتقليــل عمدا من عدد ضحاياها.
الأفكار المقولبة والصور والرسومات
في نــص تعريفه يقــول «اعــان القدس» إن اللاســامية تتجلى أيضا في محــور الصراع من خلال نســب الرموز والصور والأفــكار المقولبة السلبية لإسرائيل أو تحميل اليهود بشكل جماعي مســؤولية ممارســاتها أو التعامل معهم كوكلاء لها. هذا بالإضافة لمطالبة أشخاص لكونهم يهودا بالتنديد العلني بإسرائيل والصهيونية، واعتبار اليهود في العالم كمخلصــن بالضرورة لها أكثر من إخلاصهم للدولة التي يقيمون فيها، ونفي حق اليهود في إســرائيل بالتقــدم والازدهار لكونهم يهودا كجماعة وأفراد طبقا وحسب مبدأ المساواة.
في المقابل يتضمــن «اعلان القدس» أمثلة على تصــورات وأفعال مناهضة لإســرائيل ولا تعتبر لاسامية حتى لو تمت معارضتها منها تأييد مطالب الفلســطينيين بالعدل وحقوق الإنسان وتحقيق كامل حقوقهم السياســية، الوطنية والمدنية كما جاء في القانون الدولي. كذلــك يخرج «تصريح القدس» مــن تعريف اللاســامية توجيــه النقد للصهيونية أو مناهضتها بوصفها شكلا وطنيا أو مناصرة تشــكيلة من الأنظمة الدستورية لليهود والفلســطينيين بين البحر والنهر. ويؤكد أن دعم المســاواة الكاملة في الحقوق بين كل سكان البلاد من البحر للنهر ضمن دولة واحدة ثنائية القومية أو دولة ديمقراطية أو فدرالية أو دولتين هو ليس لاســامية. كما ينزع هذا التصريح صفة اللاسامية عن كل نقد مؤسس على أدلة ضد إسرائيل كدولة أو ضد مؤسساتها: سياساتها وأفعالها في الداخل
والخارج كســلوكها في الضفة وغــزة أو دورها الإقليمي والعالمي. ويتابع «ليس لاساميا أن تشير لتمييز عنصري منهجي. كما هو الحال في مناطق أخرى في العالــم فإن مقارنة إســرائيل بحالات تاريخية أخرى منها الاســتعمار الاســتيطاني أو أبرتهايد فإنها ليســت لاســامية حتى وإن كانت محط خلاف .»
مورد لتعزيز النضال ضد معاداة اليهود
كما يــرى «اعلان القدس «أن عمليات ســحب الاســتثمارات وفرض المقاطعــة وعقوبات على الــدول أو علــى إســرائيل بوصفهــا احتجاجا سياسيا غير عنيف ليسا من أشــكال اللاسامية. ويرى أن الحديث السياســي غير ملزم أن يكون معتدلا أو منطقيا كي يحظــى بالحماية وفق عدة مواثيــق دولية وحتى النقد الــذي يعتبر بعيون البعــض كمبالغ بــه أو مثير للخــاف أو مصاب بازدواجيــة المعاييــر ليــس عملا لاســاميا. كما يقول القائمون عليــه «إن «تصريح القدس حول اللاســامية» هو مورد يهــدف لتعزيــز النضال ضد اللاسامية وتشــمل مقدمة وتعريفا وخمسة عشــر خطا موّجها. ووقع عدد كبير من الباحثين في دراســات اليهودية واللاســامية والثقافة من الولايات المتحدة وأوروبا وكندا وإســرائيل على العريضة، وسبق أن اجتمعوا في يونيو/ حزيران الماضي في القدس المحتلة ضمن ورشات متتالية. وقد تضمن التصريح ملحقــا للنص يضم بعض الأسئلة والأجوبة منها:
ولماذا إسرائيل؟ «لأن المجموعة تأسســت في الأصل في القدس بمبادرة من معهد فان لير في القدس.»
ولماذا الآن؟
«تأتي هذه الوثيقة ردا على «تعريف التحالف الدولي لصيانة ذكرى الكارثة» وهو تعريف غير واضح وليس شاملا متماسكا. ويضيف «بصرف النظــر عن نوايــا داعمي التعريــف المذكور فإنه يطمس الفوارق بين تصريحات لاسامية وبين نقد شرعي للصهيونية ولإســرائيل، وهذا الالتباس الصــراع الفلســطيني ـ الإســرائيلي وذلك ردا وإجابة على الاهتمام الخــاص للتحالف الدولي لإحيــاء ذكرى المحرقــة في موضوع اللاســامية وعلاقتها بسؤال فلســطيني ومساهمة في تبيان حدود النقاش داخل إســرائيل حولهــا أو حول الصهيونية.
ويقــر «تصريح القــدس» بالفــارق العام بين مناهضــة الصهيونيــة واللاســامية/ ويقول إن القومية، اليهودية أو سواها من شأنها أن ترتدي أشــكالا مختلفة لكنهــا مفتوحة للنقــاش دائما. ويؤكد أن العنصرية والتمييــز ضد اليهود أو أي إنســان آخر أمر مرفوض. في المقابل يؤكد «إعلان القدس» أن معاداة الصهيونية أو إسرائيل ليست لاســامية وهو بخلاف تعريف «التحالف الدولي لإحياء ذكرى المحرقة» فإنه يقــدم تفصيلا لما هو ليس لاســاميا. كما يؤكد القائمون على «تصريح القدس» أنه يســتند على مبادئ كونية. وبخلاف تعريــف «التحالــف الدولي» فإنــه يخلق صلة واضحة بين مكافحة اللاسامية وبين النضال ضد أشكال أخرى للعنصرية والتمييز مثلما أنه يطمح لتوفير حيز للنقاش الصريح والمحترم في قضايا شائكة بما في ذلك الســؤال المقلق حول المستقبل السياســي لكل ســكان إســرائيل وفلســطين. ويتابعون «من هنا فإن «اعلان القدس» مقنع أكثر وبدلا من إنتاج خلاف هو يأمل بتوحيد القوى في نضال واسع قدر الإمكان ضد اللاسامية».
هدفان للتعريف
ويوضــح المحاضــر فــي تاريــخ المحرقة في الجامعة العبرية في القدس البروفيسور عاموس غولدبيــرغ أن أكثــر مــن200 مثقف مــن العالمً معظمهم يهود وقعوا على» اعــان القدس» لافتا الى أن هذا جاء ثمرة لقاءات وورشــات في المجال شــهدتها القدس خــال العام الماضي بمشــاركة مجموعــات من الباحثــن والمثقفــن، منوها أن الهدف من» إعلان القدس» هو مساعدة اليهود في نضالهم ضد اللاســامية من جهة، ومن جهة ثانية التمييز بينها )اللاسامية( وبين النضال المشروع ضد الاحتلال والممارسات الاســتعمارية من قبل الصهيونية وإسرائيل.
ويضيف «تابعت ردود فعل فلسطينية كتعقيب «حركة المقاطعــة الدولية» ومؤسســة الحق في رام اللــه اللتين اعتبرتا أن تعريفنا يشــمل أمورا جيدة وأخرى أقل، وأنا ســعيد بذلك واحترم ذلك لأننا لا ســمح الله لا نريد أن يمس النص بنضال الفلسطينيين المشروع .»