Al-Quds Al-Arabi

رجاء الطالبي *

- - محمــد بنيــس: ديــوان «هــذا الأزرق» منشــورات دار توبقال، 2015 - جــون ميشــيل مولبــوا: ديوان»قصــة الأزرق» LE 1992 ‪,MERCURE DE France‬

قصائد «هــذا الأزرق» قصائد احتفاء وإنشــاد يعلــي الوجود إلى مصاف الســكرة جَــذِلًا مفتونا ســكران منتشــيا، وكم تتردد كلمات هذا الشــطح والفــرح الــذي يتلبــس الــذات وهــي تتغنــى بمــا يخطفها من تجليات الأزرق في ذاته، في الأشــياء، في الأمكنة، في المعرفة، في الفن، والتاريخ، انفتاح على نداء الشســاعة وعلى ما يتجاوز الجسد، لغة انخطــاف ونشــوة وانمحــاء وتجســد أبعــد مما تمنحه اللحظات وتمليه المادة.

«أزرقُ من الأرض جاء إلى عيني، أو أقول الأزرقُ الذي رأيت حيوان أليف. يتنفس، قريبا من الحواس. أزرقُ على قدر ما أرى.»...

إذا كان الجســد عند جون ميشيل مولْبوا يشكو محدوديتــه ونقصانه، إذا كانــت قصيدته لا تخلو من قول هذا النقصان أمام شســاعة الأزرقِ، فهذا الأخير عند مولْبوا يجســد نداء مــا يتجاوزُ الذاتَ، ومــا يخلص مــن محدودية الجســد، انفتاحا على اللانهائــ­ي المخلــص، فهناك حســب مولْبــوا «من لــم تعد تكفيــه الحياة المحــدودة لجــزر محدودة، يغادرها المهووســو­ن بالســفر للذهاب إلى البحر، روبنسواتٌ مريضون: لابد لهم أن يجوبوا الأزرقَ، فالشــواطئ لا تكفــي، ولا المحطــات الطويلــة في الموانئ، حيــث يتكئون على الحاجــز الحجري، لا تكفيهم الصورُ المرســومة، ولا الصلبانُ المصنوعة من الحديد الذي تم تطويعه، ولا أصنام البلاستيك والخشــب الملــون، لا الكرنفــال­اتُ ولا مواكبُهــا التذكاريَّــةُ، إنهم مــا زالوا متعطشــن إلى الكلمات المفلســة، والأوجــه البلاغيــة، ما زالــوا محتاجين إلى جمل، حيــث الفكر يطفو في ملابسَ واســعةٍ، إلــى الزهور في باقاتٍ أو فــي الأوانِي، إلى الرموز والطقــوسِ والأنظمة، إلــى كل أنــواع الآلات التي تصنــع البــروق والدخــان، إلــى ســيناريوه­ات لولاداتِ ولنهاياتِ العالم، متعطشــون لمن يُقرض أرواحهم الحدود، ويضعها في صندوق، ويحبس نفسه معها في قبر، مديرا ظهره لأزرقِ السماءِ.»

بين أزرق «هــذا الأزرق» وقصة «هــذا الأزرق» يحيا الأزرق من شساعة تجلياته وإحالاته، لونا وحيــاة للامحدد في معنــاه، يختلــج بتوتراته، وبأضداده، بتغيرات مزاجه، بنشواته وسكراته وامِّحَائه، حسب المكان الذي يحتله في درجات الكائنــات، والألــوان، والمعتقدات، فهنــاك «من لا يرى سوى هذه الطوابقِ الســفلية بورقها الدُّهني ورسوماتها على الجدران، وهناك من يحلقون في الأزرق الصافي للســماء الذي لا تشــوبه شــائبة، ويلقون على المدن البشرية تلك النظرة البانورامي­ة الجميلة، التي كانت تشــتت انتبــاه الآلهة». محمل وممتلئ بإيقاعات الجســد وبشــطحاته وسكراته ونشــواته وأهازيجــه ورقصه لون للســكرة التي يتحقــق فيهــا الجمــال، فهــذا الأزرق يعتمــد على كميــة الضــوء، الذي يتــردد صــداه فــي حبرها، يتغيــر مع الوقت والعمر واللغــة، باهتا في البداية حــد الامِّحَاءِ، عندما لا يــزال مجرد طموح غامض، دخانٍ يصعد، ومع ذلــك يضاعف وجوده ملتحما برغبات الســماء والبحر، فاتحا في الصفحة فكرة غامضة عن الأفق.

٭ شاعرة ومترجمة من المغرب

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom