Al-Quds Al-Arabi

«القمبري»: ملكة آلات موسيقى الصحراء في الجلجزائر

-

■ الجزائــرـ الأناضول:عندما تســافر إلى جنوب الجزائر، لا تسحرك فقط المواقع الأثرية مثل رسومات الطاســيلي أو قصور جانت أو قمة الأسكرام في جبال الهقار، لكن تأســرك أيضاً الموســيقى التي تقوم على آلة عمرها نحــو 4 قرون، إنّها «القُمبــري» ملكة آلات موسيقى الصحراء وعمودها الفقري.

والقمبري أو الكمبري آلة موســيقية وترية عريقة، مصنوعة من الخشــب، وجلد الإبــل أو الماعز، وتأتي على شــكل مســتطيل وفي بعض الأحيان دائري أو مربع.

أصل القُمبري

يعود أصل «القمبري» إلى الطوارق )أقصى جنوب الجزائر( وهم مجموعة مــن القبائل أمازيغية الأصل، اســتوطنت الصحراء الكبرى وأزواد شــمالي مالي والأهقــار جنوب شــرقي الجزائر، وشــمال النيجر وجنوب غــرب ليبيا وشــمال بوركينا فاســو، وفق باحثين.

ويعتبــر القمبــري ذو الإيقاع الوتــري المخفض، العنصــر الأهم في الآلات الموســيقي­ة المســتعمل­ة في موسيقى الديوان أو»القناوى» التي تشتهر بها تاغيت وبشار )جنوب غربي الجزائر( ومحافظات أخرى مثل تمنراست وورقلة )جنوب(.

ووســط تضــارب الآراء حول تاريخهــا، وصلت موســيقى الديوان إلى الجزائر ودول المغرب العربي، عبــر قوافل التجار القادمة من الســنغال وغينيا، في حين تقول روايــات أنّ مالي كانــت موطنها الأصلي، ويعود تاريخهــا إلى القرنين الـــ16 والـ17 ميلادي، حسب باحثين.

وتختلف تســمية هــذا اللون الموســيقي في دول المغرب العربي، حيث يســمى فــي الجزائر»الديوان» وفي المغرب «القناوى» أو )تاقناويت( و»اسطمبالي» فــي تونس.ويتشــكل القُمبري من مقبض خشــبي وثلاثة أوتار أحدها قصير واثنين طويلين، وصندوق خشــبي رنان )جزء محفور من جذع الأشجار( مغلف بجلد مجفف من وبــر الإبل أو الماعز، مــا يعطي عند الضرب عليــه تزامناً مع العزف علــى الأوتار نوتات موسيقية رائعة.

ويبلغ طول الصندوق الخشــبي 30 سم، وعرضه نحو 15 ســم، أمّا المقبض الخشبي فمصنوع من شجر الجوز والصفصاف وطوله يصــل إلى متر واحد. كما تصنع عــادة أوتار القمبــري الثلاثة مــن أمعاء ذكر الماعــز، لاحتوائها علــى الكثير مــن الدهون.ويُزين القمبري بـ»جلاجــل» معدنية من النحاس، في نهاية المقبض، مــن أجل إصــدار صوت عنــد تحريك الآلة الموســيقي­ة أو العــزف على الأوتــار، أو عند الضرب على الصندوق الخشبي، فيما يعمد بعض صنّاعه إلى تزيين جلده بالحنّاء وبمختلف الألوان لمنحه شــكلاً جميلاً وعصرياً.

وقال الدكتور سليم دادة، مؤلف موسيقي جزائري، إنّه «في الجزائر تســتعمل آلــة القمبري في عديد من التعابير الموســيقي­ة التقليدية وبالأخص في الجنوب الغربي والصحراء .»

وأضاف أن الأنواع الموســيقي­ة الأهــم في توظيف القمبري هي موســيقى الديوان، وموســيقى الزاوية البلالية والعيســاو­ة والتيجانية، والحضرة )طرق صوفية( والقرقابو )آلة يد بها أقراص معدنية محدبة في الوسط تصنع موسيقى(.

واعتبر الباحث في العلوم الموســيقي­ة أنّ القمبري من بــن الآلات التقليدية الجزائرية، تنتمي إلى عائلة الوتريــات وتتواجــد بجميع أنحاء جنــوب المغرب العربي وفــي بلدان الســاحل الإفريقي )مــن بينها السنغال، ومالي، والنيجر(.

وفــي وصفه للقمبري، قــال إنها عبــارة عن عود إفريقي قديم ذي عنق واحد وطويــل، به ثلاث أوتار مصنوعة من أمعــاء الحيوانات، وكذا صندوق صوت مربع أو مستطيل الشــكل، مغطى برق سميك وجاف مصنوع من جلد الجمل.

وأشــارإلى أنّه «يمكن العثورعلى القمبري بأشكال وأحجام مختلفــة ولكن العزف عليها يتــم دائماً عن طريق جــس الأوتار بإبهام وســبابة اليد اليمنى مع النقر علــى الجلد المشــدود، مما يجعلهــا آلة لحنية وإيقاعية في آن .»

متى ظهرت القمبري

ويــرى العــازف والباحــث معلّم حمّو، واســمه الحقيقي محمد زيــدي، أنّ «أصل آلــة القمبري يبقى ثابتاً، لكونها خلقت من أجل موسيقى وفن الديوان.»

وقال إنّ تاريــخ ظهور القمبري غيــر معلوم، لكن يرجح باحثــون أنّ عمر هذه الآلة فــي الجزائر بين 3 أو 4 قرون.وأضاف ابن محافظة بشار )جنوب غرب( المشهورة بموســيقى الديوان، أنّ «القمبري ظهر بعد الطبل )الدف(، وهــو آلة وتريــة مصنوعة من مواد أولية كالخشب وجلد والمصران )الأمعاء(.

واســتطرد قائلاً: «كما أنّه آلة روحانية لا يشــبه الآلات الموســيقي­ة الأخرى، لأنه يسكن الروح وتقوم عليه موسيقى الديوان الروحية.»

ووفــق الباحث معلّــم حمو: «موســيقى القمبري تســتعمل لعلاج الأمراض النفســية، وهناك سر في نغمة القمبري التي تسكن الروح والوجدان.»

وأشارإلى أنّه في السنوات الأخيرة دخلت تغيرات على القمبري مواكبة للتطور في مجال الموسيقى.»

ولفت إلى أنّ «هذه الآلة التقليدية بدأت تســتعمل مــع آلات أخرى مثــل القيتــارة والبيانــو والكمان والموندولي­ن وغيرها .»

وحــول تاريــخ القمبــري، يعتقد صانــع الآلات الموســيقي­ة محمد بوســعيد، أنّ «القمبري آلة وترية ضاربة في القدم، وجزء لا يتجزأ من موسيقى الديوان الشهيرة في الجزائر .»

وقــال إنّ «القمبري آلــة ابتكرها طوارق شــمال إفريقيا، ومــن بينهم الطوارق فــي الجزائر .وأردف بوسعيد: «أصل كمبري أو )القمبري( يعود للطوارق، ومعناه أنّه يحكي قصة الآلــة التي صنعها العبيد من غينيا في شمال إفريقيا قديماً». وأوضح أنّ «القمبري واحدة من أقدم الآلات الموســيقي­ة فــي الجزائر، ولا يعرف معناهــا أو يفهم لحنها إلّا من ســمعها وارتاح قلب المستمع إليها .»

ويتراوح ســعر القمبــري بين 70 إلــى 200 دولار حسب جودة العمل وصوت الأوتار وطريقة تزيينه،» وفق بوسعيد.

 ??  ?? آلة «القمبري»
آلة «القمبري»

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom