Al-Quds Al-Arabi

الأردن: موسم الكلام عن «حوار وطني» بدأ والمعارضة تبحث عن «ضمانات التنفيذ»

- عمان «القدس العربي» من بسام البدارين:

المعطيات الصحية لا تزال تســيطر على المشــهد السياســي الأردني في الوقت الذي يحاول فيه مجلس النواب بالتوازي التحرك في اتجاه تنشيط حلقات ما يســمى بالحوار الوطني ضمن ملف مراجعة تشــريعات الإصلاح السياسي.

مبكراً، كان رئيــس مجلس النواب عبد المنعم العــودات قد أبلغ «القدس العربي» بأن المجلس ســيقوم بدوره وواجبه في رعاية طاولة استثنائية لا تنحصر في البحث عن صياغات توافق وطنــي لنظام انتخابي جديد فقط، ولكنها تعمل على تأطير مراجعة التشريعات المتعلقة بالتنمية السياسية.

في الأثناء، يبحث وزير التنمية السياسية في الحكومة والمعني بشؤون البرلمان موســى المعايطة، عن مقاربة حوارية لا تقــف الحكومة على الحياد بواســطتها، بل تنتهي بحوار ما لم تحدد أطره وتنميطاته بعد الإقرار الذي سمعته «القدس العربي» أيضاً من المعايطة شــخصياً بأن قانون الانتخاب الحالي اســتخدم دورتين، ويبدو أنه لا يناسب التطلعات المستقبلية لا على صعيد البوصلة الملكية المرجعية ولا على صعيد الشارع.

حزب «الجبهة»... والذاكرة

مبكراً أيضاً، وفي الســياق تزاحم وتكاثر دعــوات الحوار الوطني تحت لافتة الإصلاح السياسي، دخل على الخط بموقف واضح ومحدد حزب جبهة العمل الإسلامي الذي يمثل أكبر هيئة حزبية بالمعارضة، مطالباً بتهيئة مناخ إيجابي لمعالجة حالة الاحتقان السياســية والشــعبية قبل انطلاق الحوار الوطني.

يريد حزب الجبهة الممثل للإسلاميين توقف سياسات التسويف والمماطلة في تحقيق الانطلاق الشامل وطي ملف الاعتقالات السياسية ووقف التغول الأمني والانفراج في ملف الحريات قبل الانطلاق نحو هذا الحوار.

تحتفظ الذاكرة عند الإسلاميين وغيرهم بلافتات حوار وطني سابقة، لكن حزب المعارضة الأكبر، وهو يستمع للحكومة تتحدث عن الحوار الوطني من أجل الانتخابات أو غيرها، يطالب بتوفير الضمانات لتنفيذ مخرجات الحوار الوطني، وبالنص بعدم تكرار تجارب لجان الحوارات السابقة.

ذلك يبدو أقرب إلى عقدة في طريق المنشــار السياســي، حيث إن غياب اليقــن بالإصلاح أصبح ملازماً لكل المبادرات والدعــوات، الأمر الذي يعني ضمنياً بأن توفير الضمانات التي يتحــدث عنها حزب الجبهة قد لا يتجاوز اللفــظ دون أن ينتقل إلى المضمون الحقيقي، لأن أصل أزمة الإصلاح - برأي وزير البلاط الأســبق الدكتور مروان المعشر- هو الإرادة السياسية قبل أي اعتبار آخر.

وأصل الإصلاح الجــذري الحقيقي والعميق الذي تتحــدث عنه أدبيات الأمين العام لحزب جبهة العمل الإســامي الشيخ مراد العضايلة، هو مجدداً العمق والجذر وتوقف مبادرات الإصلاح اللفظية، فيما الغرق في حســابات كلفة الإصلاح على أســاس أنها أكبر من عدمه يجعل المسألة أقرب إلى القفز في المربع الحائر نفسه. هل توجد صيغة لضمانات حقيقية؟ قد يبدو ســؤالاً صعباً للغاية عند التفكيك والتركيب والتلغيز السياسي في المشــهد الأردني، فوجهة نظر عضو البرلمان الأســبق والناشط سياسياً واجتماعيــ­اً الدكتور محمد هديب، أن المشــهد ما زال فــي حاجة ملحة إلى مقاربة تعكس توافق الأردنيين على الحاجة الملحة للإصلاح الشــامل وليس إلى كلاسيكيات الإنشاء الإصلاحي.

هديــب، وعلى هامش وقفة مــع «القدس العربي» ســريعة، يضم صوته إلى تلــك الأصوات التي تطالــب بالاتفاق وطنياً علــى أن الإصلاح العميق والشــامل ضرورة للدولة وللناس، ولــم يعد مطلوبــاً أي مراوغة في هذا الاتجاه. لكن مجدداً، يلاحظ سياسيون خبثاء بأن ضمانات الحوار ستبقى لفظية في كل الأحــوال، فالمتغيرات في الإقليم كثيــرة ومتزاحمة، والوضع الاقتصادي ضاغط وبشــدة، والوضع الصحي مقلق فايروسياً، وحسابات الدولة الأردنية المفصلية يبدو أنها مرتبطة بالنمو اللافت للعلاقات الأردنية الأمريكيــ­ة، خصوصاً في ظــل الإدارة الأمريكية الجديــدة، ولاحقاً في ظل الاتفاقية الدفاعية الجيدة التي هاجمها الحراك الشــعبي بغلاظة وتحدثت عنها بخجل أحزاب المعارضة.

دعاة الإصلاح

المعنى هنا أن جديــة الإصلاح، بعيداً عن هتافات مراجعة التشــريعا­ت المعنية بالتنمية السياســية وعن خطابات الوزراء والنواب، مرتبطة بسلم أولويات وتعقيدات مصالح متشــابكة؛ لأن الانطباع السياســي والإسلامي أقوى في الأردن وأن الضمانة الوحيدة لتشــريعات الإصلاح السياســي قد تنتج عن الرهان، حصرياً، على ضغــط أمريكي في مجال الحريات تحديداً، وليس على الإنشائيات الحوارية لمسؤولي الحكومة الأردنية وللنواب الذين أفرزتهم اليوم واحدة من أسوأ الانتخابات في السجل الديمقراطي الأردني.

لا يريــد دعاة الإصلاح السياســي الجــذري والعميق، خلافــاً لما يظهر أحياناً بين الوزراء والنواب، التركيز على شــكل الإصلاح أو اســتعراضا­ت الحوار الذي ســيقود إليه. لكنهم لا يريدون في الوقت نفســه الانطلاق في ملف الإصلاح السياســي من منســوب البراغماتي­ة السياسية التي تحاول «ملاطفــة» رموز الإدارة الأمريكية الجديدة فقــط أكثر من الاندفاع حقاً نحو تنميط وتفعيل ذلك الإصلاح عبر تغييرات عميقة في نصوص التشــريعا­ت والقوانــن، وتحديداً تلك المتعلقــة بنظام الانتخاب ومشــروع اللامركزية وقانون التعددية الحزبية.

وعليه، يقدر الإســاميو­ن وغيرهم بأن البلاد ســبق أن دفعت كلفة تلك الملاطفة للحزب الديمقراطي الأمريكي بالقطعة والتقسيط، وبصيغة خدمت التغول وعكس الحريات طوال ســنوات، ولم ترفع حقاً من مستوى منظومة النزاهــة الديمقراطي­ة والانتخابي­ة، مما يدفع الإســاميي­ن وغيرهم إلى عدم الاكتفاء بدعــوات الحوار الوطني، بل المطالبــة بضمانات لتنفيذ مخرجات ذلك الحوار.

تلك الضمانــات هي الأزمة فــي الواقع، لأن وثائق الإصلاح السياســي الأردنية موجودة في الأرشــيف ويمكن نفض الغبار عنها في أي وقت، ولأن لجان الحوار الســابقة خاضت تجربة الحوار وتأرشفت هي الأخرى، وعلى أساس أن الأزمة في التنفيذ وليس في الكلام والتوصية والوثيقة.

لا أحــد من المهتمين اليوم بملف الحوار السياســي الإصلاحي لديه الثقة العميقة بالتنفيذ والانتقال الحقيقي نحو إصلاح أفقي شامل.

ومن المؤســف القول بــأن الرهان على ضغط خارجي هو الأســاس، لأن المطلــوب وصفة إصلاح وطنيــة، كما يصفها الدكتور المعشــر دوماً، حتى لا تفرض من الخارج.

موسم الكلام بدأ عن الإصلاح السياسي في الأردن، والسباق مرصود بين من يتزاحمون بحمل ميكرفــون الحوار الوطني، ومقابل ذلك وبالتوازي بدأ أيضاً موسم ملاطفة التحولات الأمريكية في البيت الأبيض. يعلم الجميع بأن الاتفاقية الدفاعية العســكرية الأخيرة المثيرة للجدل أهم بكثير للمستويات الرسمية في واشــنطن وعمان من ملف الإصلاح السياســي والديمقراط­ي في كل الأحــوال، والذي يمكن التعامل معه مجدداً بالتقســيط دون حصول فوارق، ما لم تنضج إرادات سياسية في الاتجاه المـعاكس.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom