Al-Quds Al-Arabi

«بوليتيكو»: أوروبا تحولت إلى «بعبع» الصين الجديد... مقاطعة وعقوبات

-

نشــر موقع «بوليتيكو» في نســخته الأوروبية مقالاً لـ «ستيوارت لاو» قال فيه إن أوروبا تحولت لبعبع الصين الجديد. فمحاولات أوروبا التفريق بين التجارة والسياســة انفجرت في وجهها وأدت لاستخدام بكــن العقوبات والمحفزات من أجل منـــع تعاون أوروبي - أمـــريكي وثيق.

فبعــد ثلاثة أشــهر من توقيع الصــن والاتحاد الأوروبــي اتفاقية تجارية من أجل تسهيل التجارية في أسواق الطرفين، حول المسؤولون الصينيون لهجتهم الحــادة والغاضبة ضد الاتحــاد الأوروبي وبقية الدول الغربية. وبدأ مســؤولو الحزب والنجوم فــي البلد بدعم حملة مقاطعة 1.4 مليار مستهلك صيني لعدد من الماركات الأوروبية. وأغلقت مئات المحــات إن لم تكــن الآلاف من المتاجــر الصينيــة أبوابها أمام البضائع الأوروبية، وسط ردة فعل شعبية على العقوبات الغربية التي فرضت على بكين بسبب قمعها للمسلمين الإيغور.

معاملة لطيفة

وقال الكاتب إن دخول أوروبا المفاجئ للقائمة السوداء يعتبر ضربة لبروكســل التي تمتعت بمعاملــة ألطف من المســؤولي­ن الصينيين من معاملة الصين للولايات الولايات المتحدة وفي وقت متأخر أستراليا. إلا أن السكاكين قد خرجت الآن، في وقت حاول فيه المسؤولون الصينيون لفت الانتباه للماضي الأوروبي الاســتعما­ري وجرائمه واتهام الغرب بالنفاق لأنه شجب معسكرات «إعادة التعليم» التي سجنت فيها الصين مليون مسلم في إقليم تشنجيانغ.

وأهم هدف الآن هي الماركة السويدية «إتش أند أم» بالإضافة لتجار التجزئــة في أمريــكا وأوروبا الذيــن قاطعوا القطن المنتــج في إقليم تشــنجيانغ، وســط مخاوف من أن الحكومة الصينية تجبر السجناء علــى العمل في مزارعه. وبثت القناة التي تدعمها الدولة «ســي ســي تي في» يوم الإثنين برنامجــًا هاجمت فيه «مبادرة القطن الجيد» الذي تنتمي إليها معظــم الماركات التي قاطعتها ووصفتها «بغير المهنية وغير الشــفافة وغير المستقلة». وتحدث جو غواتشــجيا­نغ، المتحدث باسم الحكومة في تشنجيانغ متهماً الدول الأوروبية والأمريكيي­ن بالعنصرية وتجارة الرقيق وجرائم في الفترة الاستعماري­ة.

وفي الوقت الــذي عاملت الصــن أوروبا بلطف فــي محاولة منها لمنعها من الوحــدة مع أمريكا ضد الصين إلا أن جو ألمــح إلى دور ألمانيا في الهولوكوسـ­ـت وجرائم القتل التي ارتكبها الجنود الفرنســيو­ن في الجزائر. وعندما ســئل في مؤتمره الصحافي حــول مقاطعة أتش أند أم قال «ليس من الجيد التنمر على الشــعب الصيني، بمن فيهم شــعب تشــنجيانغ وعرقياته المختلفة. والرد المباشــر أننا توقفنا عن شــراء منتجاتكم، وقلــة من الناس تذهب الآن إلى محــات أتش أند أم، وهل تســتطيع مواصلة التجارة في الصين؟ وهل تســتطيع الحصول على المال من الشــعب الصيني؟ ولا حتى فلس». وفي تطور حول ميل الصين القوي للشــدة والتمترس قالــت تايوان إن 20 طائــرة صينية خرقت مجالها الجوي يوم الجمعة.

وفي الوقــت الذي بدأت فيه حملــة مقاطعة المــاركات الغربية عبر منصات التواصل الاجتماعي التي دعا إليها الفرع الشــبابي في الحزب الشــيوعي الحاكــم إلا أن المتحدث باســم الخارجية الصيني تشــاو ليجيــان نفى أن تكون للحكومة علاقة بها. وقــال إن الحملة هي تعبير عن الغضب الشعبي «بالطبع، يشعر الشعب الصيني بالقرف والغضب )بســبب الأكاذيب القطن في تشــنجيانغ( فهل هنــاك حاجة لأن تقود الدولة وتحــرض؟». وفي ظل الحملة الشــعبية وجدت ماركة «هيوغو بوس» نفســها تتعرض لحملة لأنها وضعت بيانــاً لا علاقة له بالقطن في تشنجيانغ. وجاء في مقال نشرته صحيفة «سينا فايننس» «الماركة الألمانية التي صنعت الزي العسكري للنازية تتعرض للنار» في إشارة لاستخدام الشركة عمال السخرة أثناء الحرب العالمية الثانية.

ويقول الكاتب إن هناك مخاوف صينية خلف الحملة القومية، حيث تشــعر بكين في حاجة لإظهار الســخط بشــأن التعاون الدبلوماسي المتزايد والتنســيق الأوروبي مع منافستها الولايات المتحدة. وتتزامن اللهجة المتشــددة تجاه الصين مــع الخطاب الحاد وحملــة الاتهامات المتبادلة مع كل من أستراليا وكندا.

وتنبع مخاوف الصين من الحملة التدريجيــ­ة التي يقودها الرئيس الأمريكــي جوزيف بايدن لبناء تحالف ضدهــا. وذلك بعد التعاون مع أوروبا واتخاذ كل مــن بريطانيا وكندا خطــوات لفرض عقوبات ضد مسؤولين صينيين على علاقة بالقمع ضد الإيغور. وتبع هذا زيارة وزير الخارجية الأمريكية انتوني بلينكن لبروكســل يوم الثلاثاء والأربعاء ومناشدته أوروبا للتفوق على الصين.

جهود قوية

وجاءت هذه الجهود القوية لمواجهة مسألة حقوق الإنسان وانتهاكات تشــنجيانغ التي تصنفها الولايات المتحدة بحملة الإبادة وســط غضب صيني عميق لأنها ترى معاملتها للإيغور شــأناً محليــاً خاصاً، ومحاولة لمواجهة ما تصفه بالتطرف الإســامي. وزادت شكوك الصين حول تحالف دولي ضدها عندمــا طرح الرئيس بايــدن ورئيس الــوزراء البريطاني بوريس جونســون فكــرة التأثير على مبادرة «الحــزام والطريق» وهي خطة من تريليونات عدة لبناء مشاريع بنى تحتية تربط الصين بالاقتصاد الغربي، وتعتبر مشــروع الرئيس الصيني شــي جينبنغ المفضل. وعوّم جونســون فكرة وضعها على أجندة قمة الدول السبع التي سيترأسها في حزيران/يونيو. وشــعرت كندا بحرارة الهجوم بسبب اعتقالها مسؤولة بارزة في شــركة الاتصالات «هواوي». ووقعت مهمة الهجوم على رئيس الوزراء جاســن ترودو على عاتــق القنصل الصيني العــام في ريو دي جانيــري، حيث كتب في تغريــدة «يا ولد، كان إنجــازك الأكبر أن خربت العلاقات الودية بــن الصين وكندا وحولت كندا إلى كلب يجري نيابة عن المبذرة الولايات المتحدة .»

وهذه المعاملة الإعلامية التي يحصل الأوروبيون عليها بالضبط. وقالت المتحدثة باســم الحكومة الصينية هوا تشونينغ « شنت فرنسا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي حرباً في ليبيا مما قاد إلى اضطرابات إقليمية وموجات لجوء. أليســت هناك حاجة لتحميلهم المسؤولية ؟». وأشارت في تغريدات غاضبة أخرى إلى النازية وفرنسا في الجزائر.

وجــاءت حملة النقد والغضب ضد الاتحــاد الأوروبي بعد قرار الأخير فرض عقوبات على أربعة مســؤولين في تشنجيانغ. ومع أن التحرك جاء

بتنسيق مع الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا، إلا أن الإعلام نشر أخباراً عــن التحرك الأوروبي مقدمــاً مما منح بكين الفرصــة للتحضير وتوجيه ضربــات قوية. وفعلت هــذا من خلال عقوبات مضادة ضد دبلوماســي­ين وكذا أعضاء لجنة حقوق الإنسان في البرلمان الأوروبي وبرلمانيين آخرين. وكان الرد على الخطوات الأوروبية والبريطاني­ة أشــد من الرد على كندا والولايات المتحدة.

ومع ذلك لم تفقد الصين الأمل في أوروبا ولديها أوراق للعبها، وممارسة لعبة «فرق تســد». وزار وزير الدفــاع الصيني وي فينغي في الأســبوع الماضي كلاً من اليونــان والمجر ومقدونيا الشــمالية وصربيا. وثلاث من هذه الــدول أعضاء في حلف الناتو، في وقت تباهــى فيه الوزير الصيني أن الهدف هو «الدفع بالتعاون العســكري - العســكري لمستوى جديد.» ومنح الإعلام الصيني أوروبا الفرصــة للاختيار بين التجارة أو التحالف مع أمريكا. وفي افتتاحية «غلوبال تايمز» جاء فيها: «على الصين وأوروبا اليقظة وتذكير أنفســهم بعــدم الوقوع في حقل الولايــات المتحدة المحدد مسبقاً». و «لو تطورت القصة حسب التصميم الأمريكي، فستخسر الصين مناخاً استراتيجياً كبيراً للانفتاح عليه، وستخسر أوروبا أهدافها وكونها مستقلة استراتيجياً وكذا الســوق الصيني ويجب أن تتبع قيادة أمريكا. وهذا سيناريو لن يكون الرابح فيه إلا أمريكا وستخسر الصين وأوروبا.»

لكــن في فرنســا وبريطانيا زادت الإجــراءا­ت الصينيــة المضادة من التشدد. واســتقبل جونسون يوم السبت خمســة من البرلمانيي­ن في مقر الحكومة ممــن وضعوا على القائمة الصينية الســوداء. ومن بينهم زعيم حزب المحافظين إيان دانكن ســميث وعضو مجلس اللوردات ديفيد ألتون الذي دعــا لتضمين الإبادة في مشــروع حكومي للتجــارة؟ وفي باريس اســتقبل وزير الخارجية جان إيف لورديان، رفائيل غلاكســمان، النائب الفرنســي في البرلمان الأوروبي وأحد أهم الناشــطين الذين تبنوا قضية الإيغور في بروكسل.

وستلعب فرنســا دوراً مهماً في تقرير مصير اتفاق الاستثمار الأوروبي مع الصين وكذا عندما تتولى رئاســة المجلــس الأوروبي العام المقبل حيث ســتصل الاتفاقية نهايتها للموافقة أو عدمها فــي البرلمان الأوروبي. وفي الوقت الحالي لم تتحسن مشاعر فرنسا تجاه الصين.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom