Al-Quds Al-Arabi

تصاعد السباق بين رؤساء الأحزاب الإسرائيلي­ة لتشكيل حكومة جديدة

47 ٪ فقط من فلسطينيي الداخل شاركوا في انتخابات الكنيست

-

تتواصل الاتصالات بين قادة الأحزاب في إسرائيل في محاولة للإفلات من الأزمة الائتلافية وتشــكيل حكومة جديدة، وســط سباق بينهم حول من سيكون بيده أكبر عدد ممكن من التوصيات عليه بصفته مرشــحا لرئاسة الحكومة. وينتهي هذا السباق يوم الإثنــن المقبل الموعــد النهائي لتلقي رئيس إســرائيل توصيات الأحزاب قبيل تكليفه أحد رؤسائها بإقامة حكومة.

وما زالت كافة السيناريوه­ات مفتوحة على مصراعيها، فهناك من يرجح نجاح نتنياهو في تشكيل حكومة ضيقة بدعم خارجي من القائمة العربية الموحدة برئاسة النائب منصور عباس، أو من خلال ضم منشقين له من أحزاب أخرى.

فــي المقابل هناك من يرى أن مــأزق نتنياهو هذه المرة أصعب من الجولات الثلاث السابقة التي فشــل فيها في تشكيل حكومة مســتقرة، وبالتالي يرجح كفة تشــكيل حكومة بيد خصومه في اليمين والمركز واليسار يتناوب على رئاستها رئيس حزب «هناك مســتقبل «يائير لابيد وحزب «يمينا» نفتالــي بينيت وبدعم من القائمة الموحدة وربمــا بعض نواب المشــتركة أو بدون النواب العــرب، من خلال انتقال حــزب «يهدوت هتــوراه» المتزمت من معسكر نتنياهو التقليدي للمعسكر المناهض له. أما رئيس حزب «أمل جديد» بقيادة غدعون ساعر الذي انشق عن الليكود فرفض كل إغراءات نتنياهو ومنها التنازل عن رئاسة الحكومة بعد عام، مشــددا على أنه لن ينضم لنتنياهو وأنه شخصيا لا يرى بنفسه مرشحا لرئاسة الوزراء وحاليا يقوم هو بدور الموفق بين رؤساء الأحزاب الأخرى لتشكيل ائتلاف جديد بدون الليكود.

وقال رئيس حزب «إســرائيل بيتنا» عضو الكنيست أفيغدور ليبرمان إنه ســيوصي بتكليف رئيس حزب «يوجد مســتقبل» بتأليف الحكومة الإســرائي­لية المقبلة. وأضاف ليبرمان في بيان نشــره في حســابه على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» أمس أن حزبه ســيقدم مشروع قانون ينص على وجوب استقالة أي رئيس حكومة تقدَّم بحقه لائحة اتهام ومشــروع قانون آخر يقضي بتقييد شغل منصب رئيس الحكومة بولايتيْن فقط.

وكان ليبرمان قد عقد اجتماعــاً مع لابيد يوم الجمعة الماضي، وقال مصدر مســؤول في «يوجد مستقبل» إنهما اتفقا على البقاء على اتصال وعقْد اجتماع آخر قريبــاً. وجاء هذا الاجتماع ضمن الجهود التي يبذلها رئيس «يوجد مستقبل» لحشد التأييد له كي يســند رئيس الدولة رؤوفين ريفلين إليه مهمــة تأليف الحكومة أولاً. وعقد لابيــد اجتماعين مع رئيس القائمــة العربية منصور عباس، ورئيســة حزب العمل عضو الكنيست ميراف ميخائيلي. كما تُبذل مســاع لإقنــاع نفتالي بينيت بالانضمام إلى المعســكر المعارض لنتنياهــو في مقابــل توليه منصب رئيــس الحكومة بالتناوب.

وقال رئيــس القائمة العربيــة الموحدة منصــور عباس إنه يرى بقائمتــه «بيضة القبان» وإنه منفتــح على عروض من قبل كلا المعســكري­ن وإن ما يحسم أمره هو مدى اســتعداد كل منهما لتلبية مطالبها الخاصة بفلســطيني­ي الداخل، مثل خطة حكومية

لمكافحة العنف، ووقف هدم منازل العرب وتوســيع مســطحات البناء في بلداتهم والاعتراف الرســمي بالقرى البدوية في النقب غير المعتــرف بها حتى الآن وبقيت محرومة مــن الماء والكهرباء وغيرها. وســوغ موقفــه «البراغماتي»هذا بالقــول إنه لم يعد هناك يمين ويســار صهيوني في إســرائيل ولا مجال للتمييز بين المعســكري­ن، وأن الذهاب للكنيســت يقتضي مواقف عملية مرنة لخدمة جمهور ينتظر حلولا لمشاكله الملّحة، في إشارة لفلسطينيي الداخل )18 ٪( الذين يرغبون بسياســة التأثير وعدم الاكتفاء بالتمثيل السياسي كما تؤكد استطلاعات رأي ودراسات كثيرة.

اتصالات ومفاوضات

فــي المقابل علمت «القدس العربــي» أن اتصالات ومفاوضات رسمية ســتجري فعلا اليوم بين مندوبين عن «الليكود» والقائمة العربية الموحدة.

والتقى أمس رؤســاء مكونات القائمة المشــتركة أيمن عودة وأحمــد الطيبي وســامي أبو شــحادة للتداول فــي موقفها من موضوع تشكيل حكومة جديدة في إسرائيل. وقالت النائبة عايدة توما من المشــتركة لـ «القدس العربي» إن التوصية السابقة على رئيس حزب «أزرق - أبيض» بيني غانتس عقب انتخابات 2020 جاءت بعد نقاشات كبيرة داخل القائمة المشتركة، منوهة الى أن ذلك تســبب بخيبة أمل بعدما انقلب على نفســه وعلى المشتركة وانضم لليكود وشــكل حكومة وحدة وطنية معه. وتابعت «لذلك نحن لن نســارع للتوصية على أحد وننتظــر ممن يرغب بدعمنا بتقديم دلائــل على أنه مختلف في طروحاتــه وبعيد عن مواقف الليكود». وجاءت هذه الإشــارة عقب توّجه رئيس حزب «هناك مستقبل» للقائمة المشتركة أمس طالبا اللقاء بمندوبيها للتباحث في طلبه بالتوصية عليه.

يشــار الى أن لابيد حاز على دعم الأحزاب «يســرائيل بيتنا» و«العمل»،»ميرتس» فيمــا تتواصل الاتصالات مع حزب «أزرق- أبيض» ومع «أمــل جديد» ومع «يمينا». ومن المنتظر أن يتســلمّ رئيس إســرائيل رؤوفين ريفلين غدا الأربعــاء كافة التوصيات ليقــرر خلال أيــام من ســيختار من بين المرشــحين بنــاء على التوصيات التي سيتلقاها.

وقال الطيبي لـ «راديو الناس» الذي يبث من مدينة الناصرة داخل أراضي 48 أمس» اجتمعنا نحن رؤســاء المشــتركة اليوم قبيل اللقاء مع لابيد وتباحثنا في التحركات السياسية في البلاد خاصة أن الأمور غير الواضحة حتى الآن. ولذلك لم نحسم أمرنا

بعد ونريد إسماع موقفنا بعد سماع المواقف ونأخذ بالحسبان ما حصل في الماضي أيضا من هذه الناحية». وقال الطيبي إن حركته «الحركة العربية للتغيير» لها اجتهادها ولم تبلوره بعد ولا أعرف إذا كانــت التوصية على أحدهم هي أهم شــيء هذه المرة خاصة أن الصــورة معقدة وضبابية وغير محســومة إلا بانتقال بعض النواب من هذا المعسكر للمعسكر المنافس» معتبرا أن الانتخابات الخامسة إمكانية واردة طبعا في ظل الصورة السياسية المعقدة.

وردا على ســؤال قال إن القائمة المشــتركة تلغــي أي تعاون مع محور نتنياهو ســموطريتش وبن غفير، وفــي المقابل أبدى اســتعداده للتعاون مع القائمة العربية الموحدة من أجل فحص إمكانية تعاون مشــترك في المفاوضات مع يائير لابيد. وردا على ســؤال لماذا انهارت المشــتركة قال الطيبي إن الأحزاب ســتقوم بمراجعــة دفاترها وأخطائها بشــكل معمق كل حــزب على حدة وكقائمة مشتركة بشــكل جماعي بعدما خسرت نحو ربع مليون صوت، وهذه رسالة ينبغي أن تؤخذ بالحسبان.

وكشــف بالأمس أن نســبة المواطنين العرب ممن شاركوا في انتخابات الكنيســت الـــ 24 بلغت 46 ٪ فقــط بعدما بلغت في انتخابــات 2020 نحــو 65 ٪. وتابع «هذه الخســارة تقول إن هناك حاجة لتبدأ معالجة فوريــة. باركت لنواب القائمة العربية الموحدة. صحيح أننا متنافســون لكن القواســم مشتركة مع أن الحملة الانتخابية الأخيرة كانت قاسية جدا بحقنا للأسف».

وقال رئيس حزب التجمع الوطني الديمقراطي جمال زحالقة لـ «القدس العربي» إن حزبه لن يوصي هذه المرة على أي مرشح لرئاسة الوزراء نظرا للتجربة الفاشلة مع غانتس قبل عام. يشار الى أن تمثيل التجمع الوطني الديمقراطي انحسر من ثلاثة نواب داخل المشتركة إلى نائب واحد ) ســامي أبو شحادة( بعد الهزة السياسية التي عصفت بها في هذه الانتخابات.

ودعــا رئيــس تحريــر صحيفــة «معاريــف» بن كســبيت الإســرائي­ليين لممارســة دورهم وإفشــال أي محاولــة للذهاب لانتخابات خامسة تستنزفهم من كل النواحي. هل تكون الانتخابات الإسرائيلي­ة الرابعة كسابقاتها؟ بهذا الســؤال يتســاءل الباحث في الشــؤون الإســرائي­لية أنطوان شــلحت ويقول إنه مــن غير الواضح بعــد أي حكومة إسرائيلية يمكن أن تُشــكل في ضوء النتائج النهائية لانتخابات الكنيست الـ24 وكانت الرابعة خلال أقل من عامين. كما يقول إنه لم يتضح بعــد ما إذا جولة الانتخابات الرابعة هذه هي الأخيرة، أم أنها ستكون كســابقاته­ا وتؤدي إلى جولة انتخابات خامسة على خلفية الأســباب ذاتها. ولعلّ ما يبدو واضحاً حتى الآن هو

أنه ليســت هناك أغلبية لحكومة يؤلفها معســكر الأحزاب المؤيد لاســتمرار حكم بنيامين نتنياهو والذي يضــم الليكود وأحزاب اليهود الحريديم المتشددين دينياً و «الصهيونية الدينية .»

وفي الوقت نفســه يرى شــلحت فــي مقال نشــره في المركز الفلســطين­ي للدراســات الإســرائي­لية )مدار( أنه ليست هناك أغلبية لحكومة يؤلفها معسكر الأحزاب المناهض لاستمرار حكمه. ويتابع «كما يبدو واضحــاً أن هناك حزبين فقط لم ينتميا إلى أي معســكر طوال الحملة الانتخابية، وهما «يمينا» برئاسة بينيت، والقائمة العربية الموحدة برئاســة النائــب منصور عباس. بناء على ذلك فــإن أياً منهما لــن ينكث وعوده إذا ما قرر الســير مع نتنياهو أو الانضمام إلى خصومه». كذلك من الواضح بالنســبة لشــلحت أن نتنياهو حاول الاستفادة إلى أقصى الحدود من فتح مرافق الاقتصــاد، وانخفاض أعداد المرضى بفيــروس كورونا، وتلقيح أغلبية السكان، وعودة الدراسة والتجارة، لكنه لم يحظَ بالنصر الذي كان يتمناه. لافتــا أنه في المقابل، لم ينجح خصوم نتنياهو أيضاً في اســتغلال تقصيره في عام الوباء لإطاحته من الحكم، بالأساس على خلفية شــبهات الفساد التي تحوم حوله. وقد اتســمت الانتخابات الإســرائي­لية بعدة خصائص تستلزم الوقوف عندها كما يرى شلحت، ومن أبرزها نشير إلى ما يلي:

ازدياد عــدد القوائم الفائزة التي اســتطاعت تجاوز نســبة الحســم )3. 25 ٪( حيث فازت 14 قائمة في مقابل 8 قوائم فازت فــي الانتخابات الســابقة التي جــرت في مــارس/ آذار الماضي 2020. وهذا يدل على حالة تفكك في المشــهد الحزبي الإسرائيلي، فالقائمة المشــتركة للمجتمع الفلســطين­ي في الداخل تفككت إلى قائمتين، وقائمة «يمينــا» للصهيونية الدينية تفككت إلى اثنتين، وانشــق جدعون ســاعر عن حزب الليكود وأقام حزبــاً جديداً )تكفا حداشــا ـ أمل جديد( وتفكك تحالــف «أزرق أبيض» الذي كان يضم ثلاثة أحزاب هي «مناعة لإسرائيل» و«يوجد مستقبل» و «تلم» إلــى حزبين («أزرق أبيض » و«يوجد مســتقبل ») وتفكك تحالف حــزب العمل ـ ميرتــس إلى قائمتين مــن جديد )العمل وميرتس(. وهذا يدل على أن التكتلات التي كانت في الانتخابات السابقة كما التفكك في الانتخابات الحالية لم ينقذا إسرائيل من معضلتها السياســية الموجودة فيها منذ انتخابات نيسان/ابريل 2019. ويعتقــد أيضــا أن ذلك يدل على أن أحزابــاً صغيرة وفيّة لدربها ولا تطمس هويتها الأيديولوج­ية يمكنها أن تحظى بتأييد جمهور الناخبين الذين يتماهــون مع وجهة نظرها، منبها إلى أن كل الأحزاب الصغيرة التي كان هناك شــك في أنها ســتنجح في تجاوز نسبة الحســم فعلت ذلك بنجاح، وتحديداً عندما خاضت الانتخابات لوحدها.

ويشير شلحت إلى أن زيادة قوة الأحزاب التي تعتمد، وفقاً لما يؤكده عدد من المحللين، على ما تسمى بـ«اليهودية الصرفة» على غرار أحزاب اليهود الحريديم والصهيونية الدينية. وأصبح لهذه الأحزاب معــاً أكثر من 22 مقعداً في الكنيســت الحالي. ويضيف «لا بُدّ من أن نشــير هنا إلى أن حزب «الصهيونية الدينية» الذي يشمل حركة «عوتســما يهوديت )قوة يهودية)» التي تضم أتباع حركة «كاخ» التي أسسها الحاخام العنصري مئير كهانا، استطاع الحصول على 225 ألف صوت، أي. ‪1 5‬ ٪ من الأصوات، وقد عمل نتنياهو كثيراً على تركيب قائمة هذا الحزب خوفاً من خســارته وضياع عشــرات الآلاف من أصوات اليمين، كما حدث في دورات الانتخابات السابقة». ويشــير لنجاح الحزب في تحقيق إنجاز انتخابي كبير بحصوله على ســتة مقاعد في الكنيســت، ليُعاد بذلك تمثيل حزب كهانا القديم/ الجديد في الكنيست لأول مرة منذ ثمانينيات القرن العشــرين الفائت، حيث كان مئير كهانا نفسه عضواً في الكنيست ومُنع حزبه )كاخ( من خوض الانتخابات في عام 1988. وفي عام 1994 أعلن عنه كمنظمة إرهابية، وهو مُدرج ضمــن لائحة المنظمات الإرهابية في الولايــات المتحدة والاتحاد الأوروبي وكندا. ويتفق شــلحت مع تحليلات ترى أن فوز قائمة «الصهيونية الدينية » ينطوي على شرعنة للكهانية، فضلاً عن أنه لم يأت تقريباً على حســاب الحزبين الحريديين، شاس ويهدوت هتوراه وبالتالي فإن نحــو 20 ٪ من الناخبين اليهود انتخبوا أحزاباً أصوليــة يهودية، وهم فعلوا ذلك بمباركة وتشــجيع من رئيس حكومة الاحتلال.

الاستعصاء السياسي

ومنبها أيضا الى أن الكهانية تشــكل تياراً في إســرائيل، ولا يجوز قياس تأثيرهــا بقوتها الانتخابيـ­ـة. ويتابع في تلخيصه «تواترت علــى أعتاب هذه الانتخابات التحذيــرا­ت من مغبة أن يؤدي الاستعصاء السياسي إلى ما يشبه الفوضى والانهيار.

ويقارن عدد من المحللين بين الأزمة السياســية التي تســببت بهذا الاســتعصا­ء وترافقت خلال الانتخابات مــع أزمة فيروس كورونا، وبين الأزمة التي ترتبت على حرب تشرين/ أكتوبر1973 وتســببت بأزمة ثقة عميقة بالقيادة الإسرائيلي­ة في ذلك الوقت. ويقول أيضا إنه في الوقت نفســه يشــير هؤلاء إلــى أن الأزمة الحالية أضيف إليها المزيد من الانقســام القبلــي والعرقي وإلى حدّ ما الأيديولوج­ــي، ناهيك عن أنها تزامنت مع تبدّل الإدارة في الولايات المتحدة وانتهاء ولاية إدارة كانت متماهية مع سياســة اليمين الإسرائيلي بزعامة نتنياهو.

بطبيعــة الحال يحتاج ما حدث في أوســاط الفلســطين­يين في إسرائيل إلى وقفة أوســع من هذه بكثير، ونقصد بالأساس تفكيك القائمة المشــتركة وما يعكســه ذلك من دلالات وتغيّرات قد يكون بعضهــا بنيوياً. وقد ســاهم ذلك إلــى حد كبير في تراجع نســبة التصويت في المجتمع الفلسطيني بشكل ملفت حيث يتضح أن 47 ٪ فقط من المواطنين العرب شاركوا في الانتخابات الإسرائيلي­ة.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom