Al-Quds Al-Arabi

أفلام فلسطينية: غابت الحكاية فتناسخت الأحداث

-

■ يمكــن فــي الحديث عــن الأفلام الفلسطينية عموماً، منذ اتخاذها طابعاً روائياً متســارعاً، متعجلاً مرات كثيرة، ما بعد عام 2000 وقــد كانت بطيئة، في تطورها، منــذ أفلامهــا الروائية الأولى في الثمانينيا­ت والتســعين­يات، يمكن، فــي حديــث كهــذا، ودون أدنــى جهد، ملاحظة عامل مشــترك في معظمها، هو ترهــل الحكايــة فيها، تشــتت الحبكة، وتحــول الفيلــم إلــى أحــداث بصرية متتالية، تعتمد على سياقها الفلسطيني الضامن، إلــى درجات معينة، لإثارةٍ هنا ولحظات انعطافية هناك، حيث التناقض الباعــث لذلك حاضر دائمــاً بين طرفيه: الفلسطيني والإسرائيل­ي.

في ســياق كهذا، حيــث التوتر قائم، متى وأين كان المشــهد، يمكن لترقيعات في هشاشــة الحبكــة أن تمرر المشــهد، فالتالــي، فالتالــي، بهــروب وتهريب، بمواجهة واعتقال، وغيرها من المشــاهد المتناســخ­ة عن بعضها شكلاً ومضموناً، المملة في تكرارها، في أفلام فلســطينية يمكن لبعضهــا، بحد أدنى من تَســامح مُشــاهدها، أن تصور تلك التناســخا­ت بتنويع طفيف أو جودة سينماتوغرا­فية ما، تُمايزهــا، وإن بقيت تناســخاً، عن غيرها من التصويرات الكسولة للسياق الفلسطيني في الضفة وغزة والداخل.

ملــلٌ يصيــب أحدنــا أثنــاء متابعة الَمشــاهد ذاتها، وبالممثلــ­ن ذاتهم معظم الأوقــات، فمنطق التناســخ، كما يبدو، تعدى الأحــداث إلى الشــخصيات إلى ممثلي الشــخصيات، ما يمكن أن يضفي على عموم الأفــام الفلســطين­ية صفةً أساسية هي، التكرار شــكلاً ومضموناً، وذلــك لســبب أساســي كان تناســخُ الأحداث والشخصيات نتيجةً له: غياب الحكاية.

يُعــوض، إذن، هذا الغيــاب بوصفة جاهــزة يتناقلهــا صانعو الأفــام كما يتناقل طــابٌ ورقة تحــوي «الأجوبة الصحيحة» في امتحان تعتمد أســئلته، أصلاً، على أجوبة إبداعيــة وابتكارية. بالكاد يميز أحدنا بين شخصية من فيلم فلســطيني وشــخصية أخرى، يؤديها الممثل/ة ذاته/ا، لا لتناسخ الشخصيتين واعتياد المؤدي/ة على الحالة النفسية، والظروف الذاتية والموضوعية الواحدة للشــخصيات التي أداها فــي أفلام تكرّ كالمســبحة، وحســب، بــل )حتــى إن رغــب/ت بالتنويع( لتناســخ الحالات ذاتها، الســياقات والمواضيع والاتكاء، بثقــل،على«أكْشَــنة»(مــن ) الأحداث،و«سَسْبَنة»(من ) تتاليها، بكســلٍ بينٍ وملاحَظٍ لمتابعٍ لهذه الأفلام.

هل من جديد في هذا، والحديث يطال أفلاماً طبعت «السينما الفلسطينية» في السنوات العشر أو العشرين الأخيرة؟ لا طبعاً. إنمــا، في ذلك ما يدعو إلى التفكير بأفــام روائية لــم تعتمد على تســلقٍ لجدار أو تعرضٍ لحاجز فــي الضفة، أو انقطاعٍ للكهرباء في القطــاع، أو غيرها من الُمســتَهلكات، مــن «الُمرَســكَل» (من

) فــي أفلام فلســطينية صرنا نشــاهدها بدافع الواجــب لا المتعة. تلك الأفلام، غير الاســتهلا­كية، تعود بنا في الزمن إلى ما قبل شيوع ظاهرة التناسخ في السينما الفلسطينية، أذكر هنا مثالَين فاقا، جمالياً، عموم الإنتاج الســينمائ­ي اليوم )دائماً أقول «عموم» ودائماً توجد اســتثناءا­ت تُثبت هذا العمــوم( وفاقا، وهــذا مَبحثنــا هنــا، حكائياً مــا كرّته المسبحة من أفلام منذ بداية القرن.

نقــلَ كل مــن العراقــي قاســم حوَل والمصــري توفيق صالح روايةً لغســان كنفاني إلى الســينما، الأول اختار «عائد إلى حيفا» وأخــرج فيلماً بالعنوان ذاته (1982(، والثانــي اختــار «رجــال في الشــمس» وســمى فيلمَه «المخدوعون» (1972(. مــا زلنــا نحكــي عن ســينما فلســطينية، وإن كانت بإنتاج ســوري وإخــراج عراقــي ومصــري، وصناعة عربية فــي جوانبها التقنيــة، فالأهمية الأكبر فــي كلا الفيلمَين تكمن في الرواية المأخوذ كل منهما عنها، وفي اسم كنفاني كمؤلف لها، وفي موضوعها الفلسطيني

بامتياز، بل المؤســس لهوية وســردية وأدب فلســطيني. تختلف المقاربات بين الفيلمَــن لأدب كنفاني، وهــذا من حق صانــع الفيلم على كل حــال، في إجراء تغييــرات حســب رؤيته الســينمائ­ية للنــص الروائي، ليصير ســيناريو، ثم تغييرات في الســيناري­و ليصيــر فيلماً كما يراه هو، أو كما أراد أن يراه. لكن كلاً من الفيلمَين أخلــص للحكاية، لحبكتها ولشــخصيات­ها، بل اعتمد عليها، وليس على الحركة والإثارة وما اتخذها صناعُ أفلام فلسطينيين لا بأس بهم، كما نلمسُ من أفلامهم، عناصر لإنجاح الفيلم.

ليســت هذه العناصر فنية بأي قدر، قد تكون تقنية، تجارية، تســويقية، أو مهما يكن مما لا يشــبه الفنون في شيء. والفيلم، وهذا من بؤس حال السينما في العالم، في جانب أساسي منه، عملٌ تقني وتجاري وإرضائي )لهذا الممول وذاك(. في ذلك يمكــن لمهندس أو منتج أن يعطي رأياً مُبَــرراً له في أي من هــذه الأفلام، يكون تخصصياً غيــر معني في الجانب الفني للعمــل، ما لن يفعله أي مشــاهد للفيلم كعمــلٍ يكون في حالتــه الأولى، بالنسبة له، فنياً.

لكنفاني أعمال روائيــة أخرى، لإميل حبيبي وجبــرا إبراهيم جبرا، ولآخرين معاصريــن كإبراهيم نصرالله وســحر خليفة ومحمود شــقير وغيرهم، أعمال

يمكن أن تكون أساساً حكائياً عالياً لفيلم روائي، قد لا تناســب الممول الأوروبي، ولا الاستنساخ الكســول الذي نشاهده في هذه الأفلام، لكنها، بعناصر أساسية للفيلم كعمل فني، )لا تقني ولا تجاري ولا استرضائي(، يمكن أن توصل إلى حبكة وشــخصيات تزيل الحاجــة إلى ترقيع الســيناري­و الفارغ بهمجية استعراضية لجندي إســرائيلي )لا نختلــف عليها( يهدد فلسطينياً أعزل، بسلاح أطول منه.

أذكــر، هنا، بحســرة، رغبــة المخرج الفلســطين­ي مصطفى أبــو علي تحويل روايــة «المتشــائل» لإميــل حبيبي إلى فيلم، وقد كتب الســيناري­و له. لعله، لو تحقــق ذلك لكان بابا فُتــح لصناع أفلام فلسطينيين في تحويل الأدب إلى سينما، وتاليــاً، في منــح اعتبار أكبــر لحكاية العمل، ولفنيته وفرادته.

٭

 ??  ?? من فيلم «المخدوعون»
من فيلم «المخدوعون»
 ??  ?? من فيلم « لما شفتك»
من فيلم « لما شفتك»
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom