«رسّام الجسر» في بيروت: سوريّ يواجه الصعوبات بموهبته
-
■ بيــروت ـ الأناضول: في أكثــر الأماكن ازدحاماً في العاصمة اللبنانية، اختار الرسام السوريّ بسّام كمال، أن يطلق العنان لريشــته، محولاً موهبته إلى مصدر رزقٍ، متحدياً ظروفاً صعبة عاكسته سواء في بلده سوريا أم في لبنان.
منذ 7 سنوات انتقل بسّام )58 عاماً( من سوريا إلى لبنان )غير مسجل كلاجئ( بحثاً عن واقع اقتصادي واجتماعي أفضل، حســب قوله، فاســتقر مع حامل لوحاته الخشــبي أسفل جســر «الكولا» في بيروت، وسط حافلات نقل الركاب وزحمة السيارات والمارة، وبدأ في رســم وجوه الناس. ولأن المــكان يعد نقطة عبور لمعظم القادمين إلــى العاصمة والمغادرين منها، فإن نســبة الضوضاء فيه مرتفعة جداً، إلا أن ذلك لا يمنعه من التركيز في إنجاز لوحاته والتفنن في رسم ملامح وجوه الناس.
الموهبة مصدر الرزق الوحيد
وهكذا بات الرسّــام المنشــغل بإنجاز لوحاته بين زحمة الناس، يلفت أنظــار أغلب المارة الذين يدفعهم الفضول للاقتراب منه، لكن سرعان ما يصبح بعضهم زبائن ينتظرون لوحتهم المفضلة. ويقول بســام إنه في البداية كان يرســم عند الكورنيش البحري لمدينة بيروت، إلا أنه قرر الانتقال إلى جسر «الكولا» بسبب قرب المسافة من مســكنه، فضلاً عن أنها منطقة تجمع باصات لنقل الركاب، ما ينعكس إيجاباً على رزقه في رسم اللوحات وبيعها. ومع أنه منذ السابعة من عمره بدأ الرســم، إلا أنه لم يفكر يوماً أن موهبته قد تصبح مصــدر رزقه الوحيــد كما هي حاله فــي لبنان منذ 6 سنوات، هذا ما أشار إليه بسّام والبسمة ظاهرة على وجهه، مضيفاً أنه عمل ســابقاً في مجــال «الديكور» وطلاء المنازل. وقال إن الطلب على رســوماته ينشط في المناســبات الاجتماعية، فكثير مــن المارة يجدون في لوحاته هدية مميزة لأحبائهم خلال أيام الأعياد، كعيد الأم أو الأب أو عيد الحب، وكذلك في المناســبات الخاصــة، يقصــده الزبائن أكثــر من باقــي الأيام، ويطلبون منه لوحة كهدية.
تأثر بالأزمة الاقتصادية
وكمعظــم ســكان لبنــان، تأثــر بسّــام بالأزمة الاقتصادية نتيجة ارتفاع أســعار السلع بشكل كبير، وانهيار قيمة العملة اللبنانية، فاضطر إلى رفع ســعر اللوحة الواحدة من 30 ألف ليــرة )19.9 دولاراً وفق السعر الرسمي( إلى 50 ألف ليرة )33.2 دولاراً(.
ومــع تصاعد الأزمة، انخفض إقبــال الزبائن على لوحات بسّام، كما بات يشكو من أن المعيشة في لبنان
أصبحت صعبة، فاضطر إلى رفع الأسعار ليتماشى مع غلاء السلع لا سيما المواد الغذائية.
وتمنى بسّــام لو يعود وزوجته إلى سوريا، لكنه قــال إن «الظــروف الصعبة » هناك تحــول دون ذلك حالياً، وأضاف: «لكن البلد يبقى غالياً مهما كان.»
ويعيش لبنان أســوأ أزمة اقتصاديــة منذ انتهاء الحرب الأهلية عام 1990 أدت إلى تدهور قياســي في قيمة العملة الوطنية مقابل الــدولار، وانهيار القدرة الشــرائية لمعظم المواطنين، وارتفاع معــدلات الفقر والجريمة. بســام الذي أصبح جــزءاً من المجتمع في العاصمة، اعتــاد أصحاب المؤسســات التجارية في محيط جســر «الكولا» على وجوده في المكان نفسه، وباتــوا يقدّرون فنه كما يشــيدون بحســن أخلاقه
وتعامله مع الناس. ويقول خليل عربيد، صاحب أحد المطاعم هناك، إنه معجب بالفن الذي يقدمه بسّام في سبيل لقمة العيش، مشــيراً إلى أن الناس يقصدونه لأن لوحاته مميزة وفي الوقت نفسه أسعاره جيدة.
ويضيــف أنه لم ير من بســام إلا الخير وحســن تعاطيه مع الناس، لكنه لفت إلى أن الشــرطة حاولت منعــه من الجلوس تحت الجســر ذات يــوم، إلا أنها لاحقاً قدّرت ظروفه وسمحت له بالبقاء.
وعلــى إثر الحرب في ســوريا، يعيــش في لبنان أكثر من مليون لاجئ سوري، مسجلين لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشــؤون اللاجئين، فيما تقدر الحكومة اللبنانية عددهم الفعلي بـ1.5 مليون لاجئ.