Al-Quds Al-Arabi

نتائج التصويت الانتخابي في المجتمع العربي: رسالة لأحزاب اليسار والوسط

- جاكي خوري

■ الســاحة السياســية في إســرائيل صاخبة. للمــرة الأولى تصــرخ العناوين بأن حزبــاً عربياً يمكنه تتويــج رئيس حكومة في إســرائيل. ما هذا التغيير التاريخي الذي حــدث هنا؟ إذا كان نفتالي بينيــت حتى انتهاء فرز الأصوات هــو كفة الميزان، فقد أضيف اسم آخر إلى هذا التعريف وهو منصور عباس. نجم دون منازع، ليس بســبب صورته في «بلاد رائعة» فحسب، بل أصبحت طلباته مهمة. هو يعرف ذلك ويســتمتع بذلك أيضاً. الطلبات بالطبع ليست طلبات بروتوكولية. أجل، قانون القومية ما زال هناك، والاحتــال أيضاً، لكنه غير موجود على رأس القائمة. ثمة مواضيع أكثر أهمية بالنســبة له ولناخبيه، وهي ليســت في المجال السياســي، بل فــي المجال الاجتماعي: مكافحــة العنف في المجتمع العربــي، وإصلاحــات فــي التخطيــط والبناء، والاهتمام بمناطق الولايــة القانونية، وميزانيات واعتراف بقرى فــي النقب. وقد يكــون عدم رفعه علم فلسطين أمراً لا يأسر ناخبيه فقط، بل شركاءه المحتملين أيضاً.

حتى الآن يُطرح ســؤال: إلــى أي درجة يكون هذا قابلاً للتطبيق؟ هل يمكن لدولة إســرائيل التي اجتازت الانقســام والشــرخ من بيت نتنياهو في العقــد الأخير، أن توافق علــى التعاون مع العرب؟ ومع أشخاص لا يعتبرون جزءاً من حزب صهيوني؟ الإجابة المعتادة: هناك شــك كبير. هذا أمر لا يخطر على البال أبداً، لا ســيما في واقع الحياة هنا. ولكن هنــاك إجابة أخرى تتعلق برئيــس الحكومة الذي ما زال يشــغل منصبه، والذي يظل بقاؤه السياسي في مقدمــة اهتماماته، ويبدو أن كل الاتفاقات حلال بالنسبة له.

ولكن يخطئ مــن يعتقد أن عبــاس يطمح فقط إلى حكومة ليكود. فهو ورجاله يكررون لمن يتحدث معهم بأنهم ليســوا ســاذجين، فهناك باب مفتوح لليكود وآخــر لـ»يوجد مســتقبل»، ولكن المهم من سيصغي لقائمة طلباتهم ويعمل على تحقيقها.

بمعان معينة، يبدو أن هذا الواقع بث الشــعور بالنشــوة في أوســاط المواطنين العرب، بالأساس في أوســاط مصوتي «راعم»، وكأنهم لم يشــاهدوا

هذا الفيلم قبل سنة تقريباً مع القائمة المشتركة. في حينــه ،كان لهم 15 مقعداً، وفي حينه عندما أســمع “أزرق أبيــض» صوته انتهى ذلك دون أي شــيء. والآن يقولون إن الأمــر مختلف. الآن، بعد أن تبنى نتنياهو العرب في الانتخابات لم يعد بالإمكان، أو على الأقل من الصعب جداً، نزع شرعيتهم.

ليس وحده الجمهور العربي هو الذي يشــاهد ثمــاراً شــبه ناضجــة، فهناك اليســار – وســط الصهيونــي متحمس أيضاً. فجــأة أصبحت لديهم الشــجاعة للقول بأن العرب شــركاء شــرعيون. وكأنهم ينسون حكومة رابين التي اعتمدت على دعم الأحزاب العربية من الخــارج. هذا الدعم الذي أدى إلى جانب اتفاقات أوســلو والاعتراف بـ م.ت.ف، إلى الاعتراف بعشــرات القرى العربية في الجليل. هاجم اليمين في حينه الاعتمــاد على العرب، وقال إنه غير مشــروع. وماذا بالنسبة لليسار؟ دخل إلى موقف الدفاع.

منذ ذلك الحــن، تغيرت أمور كثيرة، ســيقول اليســار. التطــرف والكراهيــ­ة والانقســا­م. هذه إســرائيل أخرى. شــروط بداية مختلفة لشــراكة تاريخية، فيها العرب )من راعم( ليســوا «يســاراً أوتوماتيكي­ــاً»، ولن يضطــروا لمواجهة قضايا مثل الاحتلال والمســتوط­نات، حتى حضــور ايتمار بن غبير تم ابتلاعه بين السطور؛ هل يوجد أحد يناقش في شــرعيته أو شرعية ســموتريتش؟ لم يعد هذا الأمر على جدول الأعمال اليومي. الســؤال هو: أين كان منصور عباس؟ ربما هذا ثمن يســتحق دفعه، نوع من ضريبة الصمت. وكل ذلك من أجل أن يكون الخطــاب العربــي الاجتماعي جزءاً مــن الخطاب الإسرائيلي، وليس عدواً له.

مــن هنا يأتي الخــاص، هكذا يتوقع اليســار. أموال ووسائل ستكون بوفرة، وستكون ميزانيات من الولايات المتحدة وأوروبا، وســينمو المزيد من منظمات المجتمع المدني التي ستعمل باسم الشراكة من أجل دفع المجتمع العربي إلــى الأمام. هذا حدث بشكل مشــابه، لكن تم تغييره بعد أحداث تشرين الأول 2000. فــي حينه، تمت مشــاهدة نتائج على الأرض مثل ســنونو أمل، لكنها بقيت على المستوى المحلي المؤقت.

في جميع الجــولات الانتخابية التي جاءت منذ ذلك الحين، تعزز اليمين، وتعاظم التحريض. وربما

صورة المرآة المشــابهة لهذه العمليات هي الكنيست المنتخبة: أكثر مــن ثلثي المنتخبــن ينتمون ليمين الخارطة السياسية، بين داعم لنتنياهو أو معارض له. هذا التطرف نحــو اليمين في الحملة الانتخابية حدث في واقع أمني إســرائيلي داخلي هادئ كلياً، بدون حافلات متفجرة مثلما كان في التسعينيات، وبدون الانتفاضة الثانية في بداية سنوات الألفين. صحيح أن هناك توتراً مع الفلسطينيي­ن )بالأساس في قطاع غــزة(، لكن يبدو أن التطــرف لم يأت من هناك، كما أنه لم يأت من التهديد الإيراني أيضاً، إنما قد يكون مصدرها أقوال التحريض في شارع بلفور في القدس، التي تحولت فجأة إلى أقوال تصالحية.

غير المعروف من الذي سيشكل الحكومة القادمة، )أو إذا كانت ســتكون انتخابات جديدة(، لكن من الواضح أن المحافظة هي التي فازت. هذا من الجانب اليهودي، وهكذا الأمر من الجانب العربي أيضاً. كان هذا هو أساس حملة «راعم»، الذي حصل على أربعة مقاعــد، حملة جلبت تغييراً انتخابيــاً داخلياً. ولم يعد «حداش»، صاحب القيم الليبرالية، هو الحزب الأكبر في أوســاط الجمهور العربي. وهناك بشرى ثانيــة، وهي أن الليكود حصل على أصوات أكثر في المجتمع العربي مقارنة مع «ميرتس» (21 ألفاً مقابل 17 ألفاً(، رغم أن لـ»ميرتس» سجل مثبت أكثر فيما يتعلق بالعرب. ومن بين العشــرة الأوائل فيه هناك ثلاثة من عرب.

إذا كان اليســار الصهيوني طامحاً إلى شــراكة حقيقية فعليه العمل لشــراكة تســري فــي أجزاء المجتمع. الشرعية والتحليل اللذان جاءا من اليمين يجب ترجمتهما إلى نشاطات على الأرض في معقله، وليس فــي مظاهرة أو في اعتصــام آخر في ميدان رابــن أو في لقاء بين أصدقاء في مقهى في تل أبيب، وأيضاً ليس من خلال تجنيد عربي أليف آخر لحزب أو للهيئة التي تجلس فوق المنصة. ما هو الصحيح؟ يجب حــرث الأرض اليهودية وجلــب نتائج، لأن العرب سئموا من الشــعارات ومن مشاعر الشراكة المزيفــة. نتائج الانتخابات هــي المثال الأفضل على ذلك. هناك مرغوب وهناك مألوف. وفي هذه الأثناء، اختار العرب المألوف لأن اليسار لا يقدم بديلاً.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom