Al-Quds Al-Arabi

رغم إنجازها في كشف «النووي العسكري»: «كل شيء أو لا شيء»... سياسة إسرائيلية فاشلة تجاه «الخطر الإيراني»

- أودي افينتال

■ في هذه الأثنــاء، حيث تعمــل الإدارة الأمريكية على العودة إلى الاتفاق النووي، عادت إسرائيل لتقف ضد هذه العملية، وبــدأت تعطي علامات بإعداد بدائل عســكرية لمنع إيران من أن تصبح دولــة نووية. وهي الآن تقود جهود وقف تعزز إيــران وبناء قوة فروعها في المنطقة.

في العقود الأخيرة، اســتطاعت إسرائيل أن تسجل لنفسها عدة إنجازات في زيادة الوعي الدولي للتهديد النــووي الإيراني، وفــي تجنيد العالــم لوقفه. نذكر تحذير افرايم ســنيه من ذلك من فوق منصة الكنيست في بداية التسعينيات. ومنذ ذلك الحين تلعب إسرائيل دوراً قيادياً في الســاحة الدولية لإقناعها بأن مشروع إيران النووي مخصص لأهداف عســكرية. وإن كشف وثائق الأرشيف النووي الإيراني في 2018 أثبت للعالم بأن لإيران برنامجاً منظماً لإنتاج القنبلة النووية.

تقاســمت إســرائيل خــال ســنوات معلومــات اســتخباري­ة وتقديرات مع دول العالم عن نشــاطات محظورة لإيران. والبينات التي كشفتها قادت الوكالة الدوليــة للطاقة النوويــة إلى مطالبة إيــران بتقديم تفســيرات عن نشاطات ســابقة مشــبوهة في مواقع نووية غير معلن عنها. من المعروف أن لإسرائيل تأثيراً كبيراً أيضاً في موضوع الضغوط التي استخدمت على إيران؛ فبدفع من إســرائيل، فرضــت الولايات المتحدة للمــرة الأولى عقوبات علــى إيران وعلــى جهات لها علاقات تجارية معهــا في منتصف التســعيني­ات. في بداية العقد السابق، دفعت إسرائيل بواسطة إشارات عن نيــة القيام بعملية عســكرية ضد البنــى التحتية النووية فــي إيران، الولايــات المتحدة إلــى أن تضع تهديداً عســكرياً موثوقاً أمام إيــران، وأن تتعهد بمنع

وصول إيران إلى الســاح النووي وتجديد العقوبات عليها. في نهايــة المطاف، وفي خطــوة مختلف فيها، بدأت إســرائيل بصراع ضد الاتفاق النووي الذي وقع عليه المجتمع الدولي، لأنهــا اعتقدت بأن إنجازاته غير كافية. معركة إسرائيل ضد الاتفاق التي وصلت ذروتها بكشف الأرشــيف النووي، كانت من بين العوامل التي دفعت إدارة ترامب للإعلان عن الانســحاب من الاتفاق وإعادة بناء نظام العقوبــات ضد إيران، الذي كان من أشد نظام العقوبات.

ولكن رغم إنجازات إسرائيل، إلا أن المشروع النووي الإيراني واصل تقدمه. نجحت طهران في جعل المنشآت النووية حقيقــة واقعة، التــي تم كشــفها بالتدريج، وتقدمهــا التكنولوجـ­ـي أيضــاً، وقامت باســتخدام ذلك كأداة ضغط فــي المفاوضات مع الــدول العظمى. الاعتراف الدولــي بحق إيران في تخصيب اليورانيوم تمت المصادقة عليه في الاتفاق النووي في العام 2015. وهو الاتفاق الذي وفر لإيران إنجازاً دراماتيكياً عندما نــص على رفع معظم القيود المفروضة على مشــروعها النووي بعد 15 سنة.

وفــي النضال ضد تعزز قوة إيــران في المنطقة، في إطار المعركة بين حربين، ســجلت إســرائيل نجاحاً في تأخير وتعويق وإحباط البرنامــج الإيراني، لكنها لم تنجح في إقناع طهران بأن جهود تمركزها في ســوريا والمســاعد­ة في تعزيز حــزب الله، تضــر بمصالحها. إضافة إلى ذلك، يبدو أن المعركة بين حربين التي تديرها إيران في السنوات الأخيرة، وبناء قوة فروعها، تزداد وحتى تتسع إلى ساحات أخرى مثل العراق واليمن.

باختصار، نجاح إســرائيل في كبــح إيران موجود علــى محور توجه ســلبي. مــن دولة قامــت بتجميد المشــروع النووي في 2003، أصبحت إيران الآن تملك بنية تحتية مهمة للتخصيب، بمصادقة واعتراف دولي. من دولة عانت من أزمة اســتراتيج­ية في بداية سنوات الألفين وخشــيت مــن محاصرة أمريكيــة بعد احتلال أفغانســتا­ن والعراق، تحولت إلى دولة تطبق بنفسها استراتيجية محاصرة إسرائيل والسعودية وتقف على رأس معسكر راديكالي يعمل كجهاز عسكري وسياسي.

في ضوء الميزان الاســترات­يجي الشامل، يبدو أنه يجب على إسرائيل أن تفحص ما إذا كان الوقت لم يحن بعد لتحديــث مواقفها من الموضــوع الإيراني وبلورة بدائل جديــدة. والتمركــز في مكانة المؤشــر اليميني والتركيز على الأهداف القصوى والتطلع إلى تحقيقها، ســواء في المجال النــووي أو في المنطقــة، كل ذلك لم يوفر الإنجــازا­ت المطلوبة. هذه المقاربة التي تأثرت من سياســة ترامب هي مقاربة غير واقعية وتقرب تحويل المشــكلة الإيرانية إلى «مشكلة إســرائيلي­ة». التحدي الإيراني كبير ومعقد جداً. وببســبب قدرات إسرائيل، هو أكبــر من أن يحل بصورة نهائيــة في عملية حازمة واحدة.

يبدو أن على إســرائيل إدارة نقاش معقد أكثر، على الأقل في الحوار مع الولايات المتحدة. وعليها التسامي إلى ما فوق مقاربة «أقصى ضغط» من أجل تحقيق «أكبر عدد من الأهداف»، وهذه معادلة تبدو مثل سياسة «كل شيء أو لا شيء» التي تؤدي إلى طريق مسدود. وبدلاً من ذلك، مطلوب اســتراتيج­ية تفضيلية تشــمل سلم أولويات ودمجــاً بين فضاءات مرنة و »خطوط حمراء » وعمليات كبح ومحفزات، وبالأســاس اتفاقات بقيادة الدول العظمى حتى لو كانت جزئية ومؤقتة، سواء في ســوريا أو في موضوع النووي. في ظل غياب إنجازات جوهريــة طــوال الوقت، ســيتقلص هامــش مناورة إسرائيل، والخيار العسكري غير مفضل وباهظ الثمن، وقد يتحول بالتدريج إلى البديــل الوحيد لوقف تقدم إيران في المجال النووي.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom