Al-Quds Al-Arabi

الإسلاميون المغاربيون: لماذا في الصحراء يتيهون؟

- *كاتب وصحافي من تونس

يشاركون في الانتخابات البرلمانية فــي الجزائــر، أم يعلنــون مقاطعتها وعــدم الانخراط فــي باقــي حلقات المسلســل السياســي فــي البــاد؟ يصوتــون على قانون يقر اســتهلاك الحشــيش في المغرب، وفــق معايير مضبوطــة؟ أم يرفضونــه من الأصل ويتحملون تبعات ما قد يســببه ذلك من تصدع لتحالفهم، أو تأثير محتمل في اســتمراره­م على رأس الحكومة؟ يحنون رؤوسهم للريح العاتية التي تضرب تونس، ويســلمون بقوة الضغوط والإشــاعا­ت المســلطة عليهم من الداخل والخــارج؟ أم يصمدون للآخر في صراع كسر العظم؟

أليس ذلك باختصار هو الجزء الظاهر الآن من مشــاغل الإســاميي­ن المغاربيين، وجانبا من الخيــارات المتاحة أمام بعض أحزابهم وحركاتهم، التي قد تكون حُسمت أو هي على وشك أن تحسم فيها، إما بالســلب أو بالإيجاب؟ لكن أليس هناك بالمقابل قضايا أخرى قد تكون أهم وأكبر، لا تزال على العكس موضوعــة على الرف بانتظار الحســم الجماعي لا الفردي فيها؟ لطالما ردّد معظم هؤلاء أن ما جمعهم ويجمعهم أقوى بكثير مما قد يقســمهم أو يشــغلهم، عمــا يفترض أن يكون جوهر اهتماماتهم، لكن هــل كان الأمر دائما على ذلك النحو؟

إن الانطباع الذي تخلفه بعض قراراتهم ومواقفهم، على الأقــل، لا يوحي في الغالب بذلــك، والدليل الأقوى الذي قد يقدمه خصومهم، حين يريدون تثبيت ذلك وتقديمه كحقيقة لا تقبــل النقض، هو طريقة تعاملهم مــع الملف الصحراوي، بالنظــر لارتباطــه الوثيق بمصيــر الإقليــم المغاربي، وما يظهر في مواقفهم منه، من تباعد وانقســام حاد في المفاهيم والتصورات، بشــكل يجعل كثيرين يعتبرون تلك المســألة بالذات، هي المحــك الحقيقي لاختبار مدى نجاح طروحاتهم في الشــمال الافريقي، في الاســتجاب­ة للتطلعــات الكبرى للشــعوب المغاربية، إن لم يكن في الوحــدة الفورية، فعلى الأقل في حد معقــول من التقارب والتكامــل بينها. ومع أن انتســابهم لأصل فكري واحد، لا يعنــي بالضرورة تماثلهم وتطابقهــم في كل الجزئيات والتفاصيــ­ل والملامح، فإنه لم يســبق أيضا أن شــكّلوا، يوما ما، كتلة واحدة لها هدف أو برنامج مشــترك في الدول المغاربية الخمــس، أمام وجود خصوصيات وظرفيات متباينة، أو ما عرف بشكل عام بفقه الواقع، جعلت لكل حركة أو حزب إســامي مغاربي في تلك الأقطار، حرية ضبط برامجه وتوجهاته المســتقلة نوعا ما، لكن واحدة من الأســئلة العالقة، التــي ظلت حاضرة، هي معرفــة الدوافع التــي جعلتهم حين يتعلــق الأمر بمعضلة إقليمية في حجم المشــكل الصحراوي، الــذي لا يزال يقف حجر عثرة أمام المغرب الكبيــر، يبدون على قدر صارخ من التعارض والتناقــض، في ما بينهم في المواقف والخيارات، بشــكل قد يفــوق أحيانــا حتى ما يبــدو مــن تناقضاتهم واختلافاته­م العميقة مع بعض خصومهم المحليين، في بعض الخيارات والمواقف السياسية الأخرى. فحتى إن قبلنا جدلا أنه يوجد مــن بينهم من يقول على هذا الجانب مثلا، إن تلك الصحراء كانت وســتبقى مغربية، وأن يوجد على الجانب الآخر مــن ينكر ذلك، فإنه ســيكون من الصعــب أن يقتنع أحد بصمت الباقين، وتســابقهم لدفن رؤوسهم في التراب، معتبرين أنفسهم غير معنيين بالمشكل. فأين هو الحد الأدنى إذن من الثوابت؟ وأين الالتقاء المفترض على المشتركات؟

إن انقســام الأنظمة المغاربية حول ملــف الصحراء، قد يبدو أمام تلــك الاختلافات مفهوما، وحتى مبررا لحد ما. أما التناقض بين وجهات نظر الإســاميي­ن، وبغض النظر ما إذا كانوا في الحكــم، أم في المعارضة حول تلك القضية بالذات، فإنه يســتعصي على التبرير، بل لعله قد يكون مؤشرا على وجود خلل منهجي وفكري داخلهم. فالثابت أن ما يجمع تلك الحركات هو أنها تعتبــر أن الروابط الروحية والدينية هي أســمى الروابط، التي يمكن أن تشد شعوب المنطقة بعضها لبعض، مع أن ذلــك لا يعني بالطبع نفيهــا أو إنكارها وفي المطلق لوجود روابــط أخرى وطنيــة أو قطرية، قد ترجح كفتها هي أيضا في حالات.

والســؤال المحــدد هنــا هــو، أي مكانة تحتلهــا الأزمة الصحراويــ­ة فــي ترتيب ســلم أولويات تلــك الحركات؟ وهل إنها تعتبرها مشــكلة ذات طابع دينــي بحت، تتطلب مرجعيات شــرعية للحل والعقــد؟ أم أنهــا تراها معضلة سياســية، تتيح لها قدرا واضحا من المبــادرة والمناورة مع ســلطات الحكم؟ إن الرســالة المفتوحة التــي بعثها حزب العدالة والتنمية المغربي في الخامس من الشهر الجاري، إلى رئيس حركة مجتمع الســلم الجزائرية، قد تدل على وجود مأزق معياري، لا منــاص من الإقرار به. فبعد أن نبه الحزب المغربــي مما وصفه بـ»المنزلق الذي يســير فيه إســاميو الجزائر، والــذي يتنافي مع مبادئ وحــدة الأمة والمصالح المشتركة والأخوة وحسن الجوار»، شدد على أن «الأحزاب ذات المرجعية الإســامية، أو القومية لا يمكنها بأي شكل من الأشــكال أن تؤيد أي حركة انفصالية فــي العالم العربي، أو الإســامي، أو في غيره»، ليضيف أن «سياسة الأطراف المناوئة للوحدة الترابية للمغرب معروفة عند الجميع، ولها دوافع تاريخية وجيوسياسية». ويستدرك بأن الحزب كان يتمنى «أن تبقى القوى الحية والأحزاب السياسية في منأى عن هذه السياســة التصعيدية العدائيــة، التي تؤدي إلى التفرقة بين أبناء الأمــة الواحدة». والتعارض الواضح هنا هو بين منطقين يبــدوان وكأنهما بالفعل على طرفي نقيض، وهما وحدة الأقطار وحقوق الشــعوب، أي حاجة الدول أو الأمم للبقاء ككتلة وككيان متماسك من جانب، وتطلع الأفراد المشــروع والطبيعي للتحرر والانعتــا­ق من الجانب الآخر. ومن حيث المبدأ، فإن علة ظهور معظم الحركات الإســامية في المنطقــة المغاربية، إن لم يكن كلها، وبحســب المعلن في برامجهــا على الأقل لم تكن الثورة على الأنظمة، بل محاولة إصلاحها بالتدريج. وبهذا المعنى فإن أي إخلال أو انحراف قد يحصل في بــاب الحريات الفرديــة أو الجماعية، داخل تلك الدول لا يجعل شــعبا أو مكونا من المكونات في حِلٍّ من الالتزام بالحفاظ على وحدة الدولة، على اعتبار أن وحدتها هي جزء من وحدة إقليمية أكبر وأوسع.

والمفارقة الأكبر هي ليســت فقط في تحول ذلك التجاذب بين الإسلاميين المغاربة والجزائريي­ن إلى تراشق بيزنطي لا مخرج نهائي له، بل في اكتفاء باقي الإســاميي­ن المغاربيين في تونس وليبيا وموريتانيـ­ـا، بمراقبته عن بعد، ومتابعة تطورات الملف من فوق الربوة، أي من دون أن يبذلوا جهدا للتقريب بــن الأطراف، أو لحمل جهة على الإقرار بما يرونه الحل الشــرعي والسياســي والقانوني العــادل والمنصف للجميع. إن سلبيتهم تلك وإن كانت لا تصنع تشدد الطرفين المغربي والجزائري، وتمســك كل واحد منهما بأطروحاته، إلا أنها تزيد وبلا شــك من تعميق الفجوة بينهما. وما يحرك ذلك للأسف الشــديد، هو انخراطهم في منطق الحسابات، ورغبتهم فــي التماهي مع مواقف حكوماتهــم بأي ثمن. أما متــى يتوقف ذلك؟ فببســاطة عندما يصوب الإســاميو­ن المغاربيون معا بوصلتهم نحو المشــاغل الحقيقية لمنطقتهم، بدلا من أن يصوبها كل واحــد منهم على انفراد، كما يحصل الآن نحو المسائل التي تعنيه فحسب.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom