Al-Quds Al-Arabi

في أسطورة الصين «الممانِعة»

- Huawei(

■ منذ أشــهر وأمين عام «حزب اللــه» اللبناني يردّ علــى الأزمة الاقتصادية الخانقة التــي تعصف بلبنان منذ عامين ببرنامج اقتصادي أوحد، يتلخّص بشــعار: إلى الشــرق درْ! والحقيقة أن هذه الفكرة لا تعدو كونها ســتاراً شفّافاً لغياب رؤية اقتصادية لدى الحزب تختلف عن السياسات النيوليبرا­لية والرأسمالي­ة الفاحشــة التي ســاهم في إدارتها من موقعه كشــريك في الحكومات المتتالية منذ ســنوات، لاســيما أنه بات صاحب النفوذ الأكبر في الدولة اللبنانية بعد أن تعاظم نفوذ طهران الإقليمي إلى حدّ ســيطرتها على دمشــق بالتنافس مع موسكو. أما فحوى الحلّ الســحري الذي تلخّصه الدعوة إلى الانعطاف نحو الشرق، فهو أن الصين هي باب الخلاص، وكأن بكين تنتظر بفارغ الصبر فرصة تقديم مليارات الدولارات التي يقتضيها تعــويم الاقتصاد اللبناني لوجه الله وحســب، بدون مقابل يفضي إلى هيمنتها على اقتصــاد البلاد كما حلّ بدولة ســريلانكا على ســبيل المثال، التي ترزح تحت وطأة ديونهــا إلى الصين بما اضطرّها إلى تمليك شركة صينية ثاني موانئ البلاد لمدة 99 عاماً.

وقد باتت الصين تصوَّر في أوســاط «الممانعة» التي تشــمل بعض المقتنعين بســذاجة بأن محرّك إيران هو عداؤها للصهيونية وليس مطامعها التوسّعية الإقليمية التي تغلّفها بالمزايدة في الشــأن الإســرائي­لي، باتــت تصوَّر وكأنها هي بالذات دولة «ممانِعة». وقد تزايد هذا الوهــم بعد توقيع اتفاقية التعاون الاقتصادي لمدة 25 عامــًا بين إيران والصين يوم الســبت الماضي. كل هذا يتم بالطبع مع إغفال مطبَق لكون الصين تمارس أبشع اضطهاد للمسلمين في زمننا الراهن وتدعــم أنظمة اضطهادية أخرى كالدكتاتور­ية العســكرية في ميانمار التي شرّدت شعب الروهينجيا المسلم وباتت تفتك بانتفاضة سكّان البلاد على طريقة ما فعله نظام آل الأسد بالانتفاضة الشعبية السورية قبل عشر سنوات.

لكــنّ الإنصاف يقتضي أن نذكّر هنا بأن ســائر الدول ذات أغلبية مســلمة، والــدول العربية على الأخص، لا تختلف عن إيران في تغافلها عن عداء الصين للمســلمين ضمن حدودها ولدى جيرانها. وقد احتفت الــدول العربية بوزير الخارجية الصيني عندما زارها مؤخراً بدون أي إشــارة إلى مصير المســلمين في الصين، اللهمّ ســوى مــا نقلته وكالة الأنبــاء الصينية )شــينخوا( يوم الخميس الماضي من أن وليّ العهد السعودي، محمّد بن سلمان، «قال إن المملكة العربية الســعودية تدعم بقوة الموقف المشروع للصين بشأن القضايا المتعلقة بشــينجيان­غ وهونغ كونغ، وتعارض التدخل في الشــؤون الداخلية للصين تحت أي ذريعة، وترفض محاولــة بعض الأطراف زرع بذور الفتنة بين الصين والعالم الإسلامي».

لكــنّ التغافل الأكبر لــدى «الممانعين» إنمــا يتعلّق بالعلاقــا­ت بين الصين وإســرائيل، وهي علاقات وثيقة جداً شــأنها في ذلك شــأن علاقات روسيا، حبيبة «الممانعين الأخرى» بالدولة الصهيونية. فإن الصين هي ثاني مســتهلك للمنتوجات الإســرائي­لية بعد الولايات المتحدة، تستورد منها بما تفوق كلفته 4 مليارات من الدولارات ســنوياً، أي ما يناهز نصف قيمة الصادرات الإيرانية إلى الصين مع فارق نوعي هو أن النفط يشــكّل الحصة الأكبر من هذه الأخيرة بينما تغلب المنتجات التكنولوجي­ة على الصادرات الإســرائي­لية. والأخطر من ذلك بكثير أن الصين وظّفت ما يفوق 15 مليار دولار في إســرائيل، معظمها في قطاع التكنولوجي­ات المتقدّمة.

فقداشترتشـ­ـركة«هواوي» )الصينيةشرك­ة«شبكاتتوغا» الإســرائي­لية التي تحوّلت إلى مركز أبحاث وتطوير للشركة العملاقة الصينية في قطاع معدّات الاتصالات. هذا وتتســابق أعظم الشركات الصينية وأكثرها تقدماً في المجــال التكنولوجي )علي بابا، والصينية الكيميائية كيم تشــاينا، وكوانغ تشــي، وليجند، ولينوفو، وشــياومي( على التوظيف في إسرائيل، خاصة في مجالات الذكاء الاصطناعي والحوسبة السُحابية ونصف الناقلات )التي تســمّى أيضاً «شــبه الموصلات») وكلّها قطاعات بالغــة الأهمية ليس اقتصادياً وحسب، بل استراتيجياً وعسكرياً في المقام الأول.

والطريف فــي الأمر أن الضغوطات الأمريكية، التي تعاظمت في عهد دونالد ترامب بعدما شــنّ حرباً تجاريــة وتكنولوجية على الصين، لم تســتطع قطع التعاون بين هذه الأخيرة وإســرائيل، بالرغم من أن ترامب ذهب في التواطؤ مع الصهيونية أبعد من أي رئيس ســبقه في البيت الأبيض. بل بالعكس، فقد ازداد تصدير إســرائيل لنصف الناقلات إلى الصين بنســبة 80 بالمئة في عام 2018. والنتيجة أن عهد ترامب انتهى وديفيد شــينكر، مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى، يحذّر إسرائيل في نهاية العام الماضي من أن تعاونها مع الصين في حقل التكنولوجي­ات ذات الاستخدامي­ن المدني والعسكري من شأنه أن يشكّل خطراً على أمن الولايات المتحدة.

هذا وقد قامت شــركة صينية ببناء مرفأ جديد في مينــاء حيفا بتجهيزات تكنولوجيــ­ة حديثة، على مقربة من مرســى الغوّاصات الإســرائي­لية المزوّدة بالقدرة النووية، وسوف تُشرف الشــركة الصينية على ما بنته لمدة 25 عاماً. هذا الأمر على الأقل لا شــك في أن أمين عام «حزب الله» يعرفه تماماً، وهو الذي صرّح بعد فاجعة مرفأ بيروت أنه أكثــر درياناً بما يدور في ميناء حيفا مما في ميناء العاصمة اللبنانية.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom