Al-Quds Al-Arabi

بن سلمان والأردن: عودة لـ«التخاطر» على إيقاع «الاتفاقية الدفاعية» الأمريكية و«الشرق الجديد»

- عمان - «القدس العربي» من بسام البدارين:

مبــادرة ســعودية لتشــجير الشــرق الأوســط وتخضيــر الإقليم، والأردن شــريك أساســي فيها... ما الذي يعنيه ذلك بصورة محددة؟ يبدو ســؤالاً حيوياً مجدداً عندمــا يتعلق الأمر بمحاولــة تفكيك ألغاز العلاقــة الأردنيــة الســعودية، التي تنمــو وتتقلص فجــأة ودون علم الرأي العام في البلدين عن الأسباب في الحالتين.

في كل حال، ولي العهد الســعودي الأمير محمد بن ســلمان يعود للتواصــل مع عمان، لا بل مغازلتها والتخاطر معها سياســياً، عشــية تواتــر الحديث عن زيارة يمكــن أن يقوم بها الملك عبد اللــه الثاني إلى واشــنطن، بعدمــا كان تمامــاً أول زعيم عربــي ومســلم يتحدث معه الرئيس الجديد جو بايدن هاتفياً.

ذلك بعلم الساســة والسياســي­ين يعني شــيئاً، وإن كان سياسي مخضــرم من وزن رئيس الوزراء الأســبق طاهر المصري يصر في كل الأحوال على قراءة أردنية معمقــة لميزان الاتجاهات والمصالح، تجيد بمهارة التعامل مع الواقع وتوقف الهدر في أي استثمار على المستوى الحكومي والدبلوماس­ي، بصيغة تؤدي إلى تحصين المصالح الأردنية العليا والبقاء في مستوى التأثير والدور. ومــع أهميــة مثل هذا الــرأي والاتجــاه بالتحديد، تبقــى العلاقات الأردنيــة الســعودية غريبة الأطــوار في الكثيــر من الأحيــان، فقد تم الإعلان من الجانب الســعودي فقط عن شراكة مع الأردن في مشروع التخضيــر والتشــجير الإقليمــي الكبيــر مباشــرة بعد الإعــان ومن الجانــب الســعودي أيضاً عن أوامر من الملك ســلمان بــن عبد العزيز فــي توفير احتياجات الأردن من غاز الأكســجين الطبــي، مع أن عمان لم تكن تعاني مستشــفيات­ها ســابقاً من نقص معــروف وملموس في الغاز الطبي.

المثير في المســألة أن السفير السعودي في الأردن نايف السديري، وبعد الضجيج الهامس إثر زيارة الأمير هاشم بن الحسين للسعودية، هــو الذي أعلن عن شــراكة مع الأردن، وتواصل مع الأمير بن ســلمان بشــأن مشروع التشجير ومبادرة الأخير تحت عنوان زراعة 50 مليون شجرة في منطقة الشرق الأوسط.

الخبراء في مســألة التصحر الســعودية يعتبرون بأن مشروع بن سلمان التشــجيري أقرب إلى مبادرة سياسية بامتياز قبل أي اعتبار آخــر، لأن الســعودية فيها مــا يكفي مــن الصحراء التي يمكــن زراعة عشــرات الملايين من الأشــجار فيها دون الحاجة إلــى التحدث عن 50 مليون شــجرة في الشرق الأوســط لتخفيض وتقليص انبعاثات غاز الكربون بنسبة 10 .%

تحدث السفير السديري عن ذلك للتلفزيون الأردني الرسمي. وثمة من يقول في الأوســاط الدبلوماسـ­ـية الغربية بأن مشــروع التشجير الأميري الســعودي هو جزء من منظومة تســويق وترويج مشــاريع مدينــة «نيــوم» الســعودية العملاقة علــى البحر الأحمر، على شــكل مبادرة سياســية، خصوصاً أن الخبرات الأردنية فــي مجال الزراعة عميقــة وكثيفة، لكنها تخفق عملياً منــذ أعوام قليلة في تحصين الأمن الغذائي الأردني المحلي، حيث يواجه القطاع الزراعي الأردني بالجملة مشــكلات وتحديات كبيــرة ينبغي أن تــدرس بجرأة وشــجاعة على الطاولة، كما يصر المهندس الزراعي والنقابي الأردني البارز المهندس كمال الســاري، وهو يتحدث مع «القدس العربي» بالتفصيل الممل عن تحديات القطاع الزراعي المحلي.

عمليــاً، يثبت ما يقوله الســاري وغيره من خبــراء الزراعة المحليين بأن مشروع التشجير الأميري الســعودي أقرب إلى مبادرة سياسية تحاول التمهيد لمنظومــة البحر الأحمر الجديــدة، وتجامل الأردنيين، وتحاول إلحاقهم بترتيب ما. ولأســباب سياسية على الأرجح، حيث يمكن أن يؤخــذ بالاعتبار هنا الحرص على التذكير بــأن التكنولوجي­ا الزراعيــة الإســرائي­لية حصرياً هــي المتفوقة في الجــوار العربي على غيرها، الأمر الذي يعني شيئاً في عرف الدبلوماسي­ين أيضاً.

والمعنــى هنا أن التناغمات الســعودية مع الأردن عبــر لافتة زراعية تهــدف فــي المقام الأول وقبــل بقية الاعتبــار­ات إلى تفكيــك التصحر السياســي بــن البلدين وليس التصحــر بمعناه الزراعــي فقط. وهنا حصريــاً، يلاحــظ بامتيــاز أن مبــادرة الزراعــة الســعودية تعقــب، بالتزامن، ذلك الحديث المتواتر عن التكامل الثلاثي بين الأردن ومصر والعــراق، وعبر البحر الأحمــر وبدون الســعودية أو منظومة النادي الخليجي. وتعقب ما أعلنه رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، عن مشروع «الشرق الجديد» بين مصر والعراق والأردن، وهو لا يزال مشــروعاً في السياق الإعلامي فقط قبل أي اعتبار آخر حتى اللحظة، وإن كان قابلاً للتطور ومفتوحاً على الاحتمالات السياسية. هل يحصل ذلك بالتزامن صدفة؟ أغلــب التقدير أن الإجابة بالنفي على مثل هذا الســؤال، خصوصاً أن الجدل النامي في أوساط المعارضة الأردنية تحت عنوان الاتفاقية الدفاعيــة الجديــدة بــن الأمريكيــ­ن والأردن، لا يأخــذ بالاعتبــا­ر أن العلاقــات العســكرية تنمو بشــكل كبير بين واشــنطن وعمــان، وأن مشــاريع التخضير الســعودية والتكامل المشــرقي العراقية المصرية تبرز على ســطح الحــدث بالتزامن مــع المصادقة المثيــرة للجدل على اتفاقيات التعاون الجديدة بين الأردنيين والأمريكيي­ن.

وهــي اتفاقيــة تعــزز تأكيــد العمــق الاســترات­يجي الأردنــي على المســتوى الإقليمــي، وتعيد إنتــاج دور أمني مهــم إقليميــاً، وبالتالي سياســياً لــأردن، ما يزيــد من وزنــه النوعي في حســابات عواصم وقادة زعماء المنطقة بعد 4 سنوات عجاف من التجاهل والتهميش في ظل الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom