Al-Quds Al-Arabi

«نيويورك تايمز»: من أين تسرّب الفيروس المستجد؟... لا أحد يعرف غير الصين

- لندن - «القدس العربي» من إبراهيم درويش:

نشــرت صحيفة «نيويورك تايمــز» تقريراً أعده كل من خافير هيرنانديز وجيمس غورمان، قالت فيه إن تقرير وفــد منظمة الصحة العالمية إلى ووهان، مركز انتشــار فيــروس كورونا لم يجب على سؤال من أين خرج؟

وجاء في التقرير أن أصول انتشار الفيروس لا تزال غير واضحة، فقد قام فريق التحقيق ولمدة 27 يومًا بالبحث عن أدلة في مدينة ووهان، وقام بزيارة المستشفيات وأسواق الحيوانات الحية والمختبرات الحكومية، وأجرى مقابلات ومارس الضغط على المسؤولين الصينيين للحصول على البيانات، لكن الفريق الدولي المؤلف من الخبراء غادر البلاد ولا يــزال بعيداً عن فهم أصول وباء فيروس كورونا الذي تســبب في وفاة ما يقرب من 2.8 مليون شخص في جميع أنحاء العالم.

ويحتوي التقرير المكون من 124 صفحة على تحقيق مشــترك من قبل منظمة الصحة العالمية والصين، الذي صدر رســمياً يــوم الثلاثاء لكن تم تســريبه إلى وســائل الإعلام يوم الاثنين، على وفرة مــن التفاصيل الجديدة، لكن لا توجد رؤى عميقة جديدة. وهي لا تفعل الكثير لتهدئة المخاوف الغربية بشــأن دور الحزب الشيوعي الصينــي، الــذي يشــتهر بمقاومتــه للتدقيق الخارجي، وقد ســعى في بعــض الأحيان إلى إعاقة أي تحقيق من قبل منظمة الصحة العالمية، كما أن التقرير غير واضح بشــأن مــا إذا كانت الصين ستســمح للخبراء الخارجيين بمواصلة البحث.

خطر

وقال يانتشونغ هوانغ، الزميل البارز للصحة العالمية في مجلــس العلاقات الخارجية: «هناك خطر بأن يصــل التحقيق إلى طريق مســدود، وقد لا نجد أبــداً الأصل الحقيقــي للفيروس.» وتوصل التقريــر إلى أن الصين لا تــزال تفتقر إلى البيانات أو الأبحاث التي تشــير إلى كيف ومتى بدأ الفيروس في الانتشــار. ويقول بعض المتشــككي­ن خارج البــاد إن الصــن قد تكون

لديهــا معلومات أكثر مما تعتــرف به. ويرفض فريق الخبــراء أيضاً احتمال ظهــور الفيروس عرضيا من مختبر صيني باعتباره «غير مرجح للغاية» على الرغم من أن بعض العلماء يقولون إن هذا ســؤال مهــم يجب استكشــافه. وبينما منحت الحكومة الصينيــة منافذ للفريق وأبدت درجة من التعاون، إلا أنها حاولت مراراً توجيه التحقيق لصالحها.

وتمت كتابة التقرير بشكل مشترك من فريق مكون مــن 17 عالماً من جميع أنحــاء العالم، تم اختيارهم من قبــل منظمة الصحة العالمية، و17 عالماً صينياً، كثير منهم يشغلون مناصب رسمية أو يعملون في مؤسســات تديرها الحكومة، مما يمنح بكين تأثيراً كبيراً على استنتاجاته. وقدم العلماء الصينيــون جميع البيانــات البحثية المســتخدم­ة في التقرير، بينمــا راجعه العلماء الأجانــب وأجروا مقابلات مــع باحثين وأطباء ومرضى صينيين. ليس مــن الواضح ما إذا كان الفريــق الذي اختارته منظمــة الصحة العالمية ســعى للوصول إلى بيانات أخرى أو إذن لجمع المزيد.

وقال جيســي بلوم، عالم الأحياء التطوري في مركز فريد هاتشينســو­ن لأبحاث السرطان في ســياتل، إنه لــم يكن مقتنعاً بأن التســرب في المختبــر كان مســتبعداً للغايــة، بعد رؤية نســخة من التقرير. وقال إنه يوافــق على أنه من المعقول للغايــة أن يكون الفيروس قد تطور بشكل طبيعي لينتشر إلى البشر، لكنه لم ير أي ســبب في التقرير لرفض احتمال التســرب من المختبــر. وعارض أحد أعضــاء فريق الخبراء، بيتر داســزاك، عالم بيئة الأمراض البريطاني الذي يدير «إيكو هيلث ألايانس» وهي مجموعة للوقاية من الوباء ومقرها نيويورك، الانتقادات الموجهة لعمل الفريق ومســتوى تعاون الصين. وقــال إن فرضية التســرب في المختبــر كانت «سياسية منذ البداية .»

وأضاف الدكتور داســزاك أنه لــم يتم تقييد الفريق في مقابلاته مع العلماء الذين كانوا على الأرض فــي بداية الوباء. ولقد اتهم هو نفســه بوجــود تضارب فــي المصالح بســبب أبحاثه الســابقة حول فيروســات كورونا مــع معهد ووهان لعلم الفيروسات، وهو، كما قال، ما يجب أن يفعله عالم بيئة المرض. وأضاف داســزاك: «كنا نعمل هناك مع هذه المجموعة الفيروســي­ة بالضبط وقد حدث ذلك.»

وتبقى النظرية الســائدة أن الفيروس نشأ في الخفافيش وقفز إلــى حيوان آخر، ثم تحور بطريقــة مكّنته مــن الانتقال إلى البشــر، ومن إنسان إلى إنســان. لكن من المعروف أن عملية تتبع أصول الفيروس دقيقة ومضنية.

سلوك الصين السري

وللإجابــة على العديد من الأســئلة المتبقية، يوصــي التقرير بإجــراء مزيد من الدراســات الاســترجا­عية للعــدوى البشــرية، بمــا فــي ذلك الحــالات المبكــرة، والمزيد مــن اختبارات الفيروسات للماشــية والحياة البرية في الصين وجنوب شــرق آســيا. كما يدعو إلى تتبع أكثر تفصيلاً للمســارات من المزارع إلى الأســواق في ووهان والتي تتطلب مقابلات مكثفة واختبارات دم للمزارعين والبائعين وغيرهم من العمال.

لكن من غير الواضح إلى أي مدى ســتتعاون الصين، وقد ساعد سلوك البلاد السري والدفاعي في تغذيــة النظريــات التي تجعــل الصين هي المســؤولة بشــكل ما عن بــدء الوبــاء. حاول المســؤولو­ن المحليون فــي ووهان فــي البداية إخفاء تفشــي المرض ومنذ ذلــك الحين، طردت بكين العديد من الصحافيــن الغربيين وطرحت نظريات خالية من الأدلة حول أن الفيروس نشأ في مكان آخر، علــى الرغم من أن الحالات الأولى المعروفة كانت جميعها في الصين، ويتفق الخبراء على أنه من شبه المؤكد ظهورها لأول مرة هناك.

وقال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في مقابلة مع شبكة «سي إن إن» بثت يوم الأحد: «لدينا مخاوف حقيقية بشأن المنهجية والعملية التــي تم إدخالها فــي ذلك التقريــر، بما في ذلك حقيقــة أن الحكومة فــي بكين ســاعدت على ما يبدو في كتابته». كما أدت علاقة الصين المتوترة بشــكل متزايد مع أمريكا ودول أخرى إلى تعقيد التحقيق.

وانتقــدت إدارة بايدن مــرارا افتقار الصين للشــفافية، بما في ذلك رفضها تســليم البيانات الأولية حــول حــالات كوفيد-19 المبكــرة إلى المحققين عندمــا زاروا ووهان. فردّ المســؤولو­ن الصينيــون بغضــب، أن على أمريكا الســماح لمنظمة الصحة العالمية بأن تفحص النظرية التي لا أســاس لها من أن الفيروس قد يكون نشــأ في مختبــر للجيش الأمريكي. وقال تشــاو ليجيان المتحدث باســم وزارة الخارجيــة الصينية في مؤتمر صحافــي دوري في بكين يوم الاثنين: «لن نقبل أبداً الاتهامات التي لا أساس لها من الصحة والتشهير المتعمد لأمريكا بشأن قضية الوباء.»

مقالات منمقة

وفي مقــالات إخبارية منمقة، أشــاد مروجو الدعايــة الصينيون بالتحقيــق باعتباره علامة على انفتــاح الصين على العالــم وإثباتاً لتعامل الحكومــة مع الوباء. وتعرضــت منظمة الصحة العالمية لضغــوط للمطالبة بمزيد مــن البيانات والأبحــاث من الحكومــة الصينيــة. لكن بحكم تصميمها، فــإن المنظمة رهينة الــدول الأعضاء والتي لم تمنح فريقها ســلطات واسعة لإجراء، على سبيل المثال، أبحاث جنائية حول حوادث في مختبر الفيروسات في الصين. في حين أن الكثير من التقرير كان مليئاً بالتفاصيل حول الدراسات الجزيئية وتطور الفيروس والمضيفات الحيوانية المحتملة، كان القسم الذي يتناول إمكانية حدوث تســرب في المختبر عابراً في أحسن الأحوال. في حين أن الأصل الحيوانــي للفيروس لا جدال فيه إلى حد كبيــر، يؤكد بعض العلمــاء أنه كان من الممكن جمــع الفيروس وتواجده في مختبر معهد ووهــان لعلم الفيروســا­ت، على الرغــم من أن العلماء الصينيين يقولون إنه لم يكن كذلك.

ودفــع افتقار الصين إلى الشــفافية بالإضافة إلى مخاوف أخرى، مجموعةً صغيرة من العلماء غير المنتسبين إلى منظمة الصحة العالمية للدعوة هذا الشهر لإجراء تحقيق جديد في أصل الوباء. قالــوا إن مثل هــذا التحقيق يجــب أن يأخذ في الاعتبار إمكانية تســرب الفيروس من معمل في ووهان أو إصابة شخص بداخله.

وتم الترويج لنظرية التســرب في المختبر من قبل بعض المسؤولين في إدارة ترامب، بما في ذلك د. روبرت ريدفيلد، المدير السابق لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، في تعليقات لشبكة «سي إن إن» الأســبوع الماضي. لم يقدم أي دليل وأكد أنه رأي شخصي.

 ??  ?? صينيون يلتقطون صورا بجوار أشجار الكرز المزهرة حيث عادت الحياة في بلادهم إلى طبيعتها
صينيون يلتقطون صورا بجوار أشجار الكرز المزهرة حيث عادت الحياة في بلادهم إلى طبيعتها

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom