Al-Quds Al-Arabi

تحول «الكهانية» الإرهابية إلى حركة شرعية ربما تشارك في حكومة لنتنياهو

من النتائج المؤكدة لانتخابات الكنيست الـ 24

- الناصرة ـ «القدس العربي»:

تســلم رئيــس إســرائيل رؤوفــن ريفلــن أمــس النتائج الرســمية لانتخابات الكنيســت الـــ 24، وما زالت المســاعي للإفلات مــن الأزمة السياسية وتشــكيل حكومة جديدة عملية معقدة وغير مؤكدة، لكــن عودة الكهانية إلــى البرلمان الإسرائيلي بدعم ورعاية رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو من الأمــور المؤكدة التي حصلت في هــذه الجولة الانتخابيـ­ـة الرابعة في غضون عامين.

ومقابل معســكر نتنياهو العاجز عن تشــكيل ائتلاف حكومي بســبب معارضة بعض شركائه لحكومــة مدعومة من الخــارج من قبــل القائمة العربيــة الموحــدة، مــا زال المعســكر المناهض لنتنياهو أيضا عاجزا عن تشكيل حكومة. وتبدو الخلافات بين رئيس «هناك مســتقبل » يائير لابيد وبين رئيس «يمينا» نفتالي بينيت على من يتولى رئاســة الحكومة أولا يحول دون تشكيل حكومي جديد يتناوب عليه الاثنــان. كما أن هناك جهات في هذا المعسكر تعارض هي الأخرى الاعتماد على دعم خارجي من نواب عرب، ممــا يزيد الصورة تعقيدا وينذر بالانجرار لجولة انتخابات خامسة رغم أن الإسرائيلي­ين يرون بذلك كابوسا.

كذلك هنــاك أمور أخــرى واضحــة ومؤكدة أفرزتها هذه الجولة، منها نجاح الكهانية المتجددة ممثلة بحزب «قوة يهودية» (عوتســما يهوديت( برئاســة إيتمار بن غفير في الانتقال من الشــارع ومــن مياديــن المواجهــا­ت الصاخبــة والعنيفة مع الفلســطين­يين أو مع الشــرطة، إلى الكنيست من خلال حصول حــزب «الصهيونيــ­ة الدينية» بمركباته الثلاثة وهي الاتحــاد الوطني وحركتا «نوعم» و«قوة يهودية» على ستة مقاعد.

النتنياهاو­ية والكهانية

وكان يمكن للحدث الســابق أن يكون عارضا وفجائيــا دون دلالات كبيرة، لــو أنه اقتصر على نجاح فــردي، نتيجة اســتغلال ثغــرة قانونية هنا أو هناك، أو لنجاح مرشــح ما في الاندساس ضمن قائمة مؤهلة للنجاح، لكــن الأمر هذه المرة جرى بدعم وتشجيع مباشر ومثابر من قبل رأس السلطة السياسية في إسرائيل، بنيامين نتنياهو، الذي لم يكتــف بخطوة حضّ المركبــات الثلاثة علــى التوحد والاندماج، حتــى لا تضيع أصوات جمهورها هباء منثورا، بل إنه وقّع اتفاقية لتبادل فائض الأصــوات مع هذه الحركــة ودعا لدعمها ايضا لضمان نجاحها.

وتدل هذه الإشارات على أن قائمة «الصهيونية الدينية» ومن ضمنها أتباع كهانا وتلامذة ســفاح مذبحة الحــرم الإبراهيمـ­ـي في الخليــل باروخ غولدشتاين، هي ملحق أو خزان احتياطي لحزب الليكود، تســاهم في اصطياد الأصــوات الهاربة منــه، بدلا مــن أن تذهــب لاتجاهــات مناوئة أو منافسة لا يؤمن جانبها في المعركة الأساسية التي وســمت هذه الجولة الانتخابية بســماتها، وهي معركة بقاء نتنياهو أو الإطاحة به.

وتأكيــدا علــى متانــة العلاقة بــن الليكود و«الصهيونية الدينية» وإدراك تميزها عن علاقة الليكود بباقي الأحــزاب اليمينية، توضح الكاتبة رافيــت هيخت فــي مقال لهــا فــي «هآرتس» أن حكم اليمين في إســرائيل بات يعتمد على ساقين اثنتين هما البيبية )نســبة إلى بنيامين نتنياهو( والكهانيــ­ة. لكن هــذا الاتجاه يبــدو مقلقا وغير مطمئن لبعض الأوساط الإسرائيلي­ة.»

ويلاحــظ الكاتب أنشــيل بيبر فــي مقاله في «هآرتس» في اليــوم التالي للنتائج، أن نتنياهو، ومعه إســرائيل، يذهبان في اتجاه معاكس تماما لاتجاه ثاني أكبــر تجمع يهودي فــي العالم، أي الولايات المتحدة، فالتجمــع الأول يذهب باتجاه «الصهيونيــ­ة الدينيــة» والتطــرف والأصولية اليهودية، بينما يهود الولايات المتحدة بأغلبيتهم الساحقة )80 ٪( اختاروا جو بايدن الديمقراطي على حساب دونالد ترامب، وهذا سيسبب شرخا عميقا بين أكبر تجمعين يهوديين في العالم.

حركة مصنفة إرهابية

يشار الى أنه ســبق للحكومة الإسرائيلي­ة أن صنفت حركة «كاخ» كحركــة إرهابية، وأخرجتها من دائرة القانون في عــام 1994 بعد وقت قصير من ارتــكاب أحد أعضــاء الحركة وهــو الطبيب باروخ غولدشتاين مجزرة الحرم الإبراهيمي في الخليل التي راح ضحيتها عشرات الفلسطينيي­ن. وهذه الحركة التي أسســها الحاخــام مئير كهانا )قتل فــي نيويورك عــام 1990 على يــد المصري الأصل الســيد نصير( هي امتداد لحركة عنصرية يهودية أسســها كهانا في الولايات المتحدة باسم رابطة الدفاع اليهودية في مطلع السبعينيات.

يشــار أيضا الــى أن كهانا انتخــب لعضوية الكنيست الحادي عشر بين عامي 1984 و1988 على رأس حركته هذه، لكن المحكمة العليا الإسرائيلي­ة منعتهمــا من خوض انتخابات الكنيســت الثاني عشر بسبب آرائه العنصرية المتطرفة وتحريضه على العنف ضد غير اليهود.

ومــن تعاليــم الحاخــام كهانــا القــول «إن تعاســة إســرائيل وجميع متاعبهــا ناجمان عن الفلســطين­يين العــرب، واليهــود المتغربين عن يهوديتهم، فالفلســطي­نيون خطر على الشــعب اليهــودي ودولــة إســرائيل، وهــم كمجمــوع يتكاثــرون كالبراغيــ­ث، وإذا لم يعالــج أمرهم فســوف يصبحون بمرور الوقت أكثرية في البلد، ويغيرون القوانين لينهوا إسرائيل كدولة يهودية، وهم كأفراد يلوثون الشــعب اليهودي بملاحقتهم الفتيات اليهوديــا­ت، وينتزعون لقمة العيش من أبناء الشــعب اليهودي بمنافســته­م على أماكن العمل، بأجورهم الرخيصة».

وكان كهانا داعية صريحــا للعنف ضد العرب والفلســطي­نيين، وهو القائــل «إذا كانت الدولة غير قادرة، أو غير راغبة فــي الرد بالمثل على من يريق الدم اليهودي فمــن واجب الأفراد فعل ذلك بأنفسهم».

وينــوه المركــز الفلســطين­ي للدراســات الإســرائي­لية «مدار» أن حركــة «كاخ» بعد مقتل زعيمها ومؤسسها مئير كهانا انقسمت إلى قسمين، الأول هو الذي احتفظ باسمه الأصلي وكان مركزه في مســتوطنة كريات أربع، وبرز من بين أعضائه كل من بــاروخ مارزل ونوعــام فريدمان والقاتل باروخ غولدشتاين، والقســم الثاني كان بقيادة بنيامين كهانا نجل مؤســس الحركة، وكان مركز هذا القسم في مســتوطنة تبواح جنوبي نابلس، موضحا أن شــخصية كهانا لا تــزال تمثل أيقونة تجــذب شــبيبة المســتوطن­ات والتيــارا­ت ذات التوجهات العنصريــة والعنيفة المتطرفة، ويمكن العثور، وخاصة في أوقــات الأزمات والتوترات، على شــعارات مطبوعة على الجدران في مختلف المدن الإسرائيلي­ة تقول «كهانا حي» أو «كهانا كان صادقا » مع صورة تخطيطية لمؤسس هذه الحركة.

ويتابع «ليــس بالضرورة أن تكون كل الأعمال الإرهابيــ­ة اليهودية وليس معظمهــا نفذت على أيــدي جماعــة «كاخ» أو جماعــات مرتبطة بها تنظيميا، فقد ساهمت «كاخ» كغيرها من جماعات «الصهيونيــ­ة الدينيــة» فــي إشــاعة مناخات الاستعلاء اليهودي وكراهية العرب والدعوة إلى طردهم، وظهرت في هذا الســياق جماعات قريبة ومتكاملــة مع «كاخ» وبعضها كانــت ذات أهداف ملموسة ومحددة مثل «غوش إيمونيم » التي كانت حركة علنية واســعة هدفها تشجيع الاستيطان. كذلك هناك حــركات أكثر تخصّصــا مثل جماعة «أمناء جبل الهيكل» التي حصرت أهدافها في هدم المســجد الأقصى وإقامة الهيــكل الثالث المزعوم مكانه، كما ظهرت جماعات ســرية متخصصة في أعمال العنف كجماعة «إرهاب ضد الإرهاب» (تي. أن. تي( المســؤولة عن تفجير سيارات ومحاولة اغتيال عدد من رؤساء البلديات الفلسطينيي­ن في الضفة الغربية المحتلة.

عنصرية واستعلائية

يصنف بعض المتابعين للشــأن الإســرائي­لي حزب «الصهيونية الدينية» كجــزء من الأحزاب الدينية القومية، لكنه في الحقيقة مختلف، ولعله لا يأخذ من الدين إلا ما يعزز اتجاهاته العنصرية والاستعلائ­ية والإيمان بالتميز الجوهري لليهود عن بقية البشــر، وذلك هو الأمر عينه الذي فعلته الصهيونية التقليدية، أي صهيونية هرتسل ومن تبعه من مختلف الاتجاهات، مع الدين.

ويؤكــد «مــدار» هنا أن مــا يغلب علــى أداء هذه الجماعــات القريبة مــن «كاخ» وفكرها، هو ســلوكها اليومي الذي يجســد أكثر أشكال العمل السياســي تطرفا وعنصرية، من خــال الدعوة إلى تهجيــر العرب والفلســطي­نيين وطردهم من «أرض إســرائيل» كما يتقاطع الأداء السياســي لهــذه الجماعات ويتداخل مع ســلوك الجماعات الخارجــة عن القانون، وعصابــات الإجرام على شاكلة جماعات «شبيبة التلال» وجماعات «تدفيع الثمن » (تاغ محير(.

ويعتبر الكهانية في إســرائيل تيارا وليســت مجرد حركة منظمة لها هيئاتها وســجلّ أعضائها، ولكونها كذلك فــإن أفكارها منتشــرة لدى فئات أوســع بكثير ممن يحســبون عليهــا كأعضاء أو

ناشطين، ويمكن بكل سهولة أن نعثر على «الثقافة» والسلوك الكهاني لدى الكثير من منتسبي أحزاب الليكــود و«إســرائيل بيتنــا» و«يمينــا» و«أمل جديد» وغيرها مــن الأحزاب. كما لدى مجموعات صغيرة منتشرة في أماكن كثيرة وليست مترابطة بالضــرورة، كالمجموعــ­ات التي تشــن هجمات منظمــة ودائمة على القرى الفلســطين­ية فتخرب المزروعات وتسمم المواشــي وترتكب جرائم قتل فظيعة مثل جريمة إحراق عائلة دوابشة، وجريمة خطف وقتــل الطفل محمد أبو خضيــر. كذلك في الدعاية السياســية والبرامج هنــاك أفكار كهانا من قبيل الدعوة إلى تهجيــر مواطني قرى المثلث منتشرة لدى كثير من الأحزاب والسياسيين، التي وجدت لها صدى ليس في دعايــة ووثائق حزب «إســرائيل بيتنا» فقط، بل حتى في وثيقة «صفقة القرن» التــي طرحها الرئيس الأمريكي الســابق دونالد ترامب.

متخصص في الدفاع عن القتلة

ويستذكر «مدار» أن السيرة الذاتية لإيتمار بن غفير تمثل ســيرة عادية لشــاب نشــأ في أجواء التطرف، وتشبع بأفكارها، ووجد بيئة متكاملــة ومواتية لنمو أفــكاره من فتى عنيف إلى سياسي يتبنى العنف كمنهج. بن غفير هو محام )44 عاما( متزوج وأب لســتة أولاد، ولد الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين

لأبوين قادمين من كردستان العراق، ونشأ في مستوطنة «مفاســيرت تسيون» غرب القدس، ويقيم الآن في «غفعات هأبوت» الواقعة ضمن مستوطنة كريات أربع في الخليل.

اشتهر بن غفير بدفاعه عن المتهمين بارتكاب جرائم وأعمــال عنف ضد الفلســطين­يين مثل المتهم الرئيســي بحرق عائلة دوابشة، كما دعا مرارا للإفراج عــن يغئال عميــر، قاتل رئيس الحكومة الإســرائي­لية الأســبق إسحق رابين. وســيرة حياة هذا السياســي الصاعد حافلة بالأحداث المثيرة والمواجهات مع الشرطة ومع أجهزة الدولة وحتى مع وسائل الإعلام وعرف بآرائه المتطرفة منذ فتوته وشبابه المبكر، حيث انضم لحركة «كاخ» في ســن السادسة عشرة، وأعفي مــن الخدمة في الجيش بســبب آرائه المتطرفــة، ودخل في ســجالات ومشاكســات عديدة، ووجهت له العديد مــن لوائح الاتهام بجرائم الشــغب والتحريض على العنصرية ودعم منظمة إرهابية. كما منعته نقابة المحامين من الانضمام لها بسبب ماضيه الإجرامي، لكنه اســتأنف ضد القرار وفاز في دعــواه وانضم للنقابة عام 2012 .

وســبق لبن غفير أن خــاض معركة قضائية مثيرة ودعوى تشــهير مــع الصحافي أمنون دانكنر الــذي وصف الشــاب المتطرف، خلال حلقــة لبرنامج «بوبوليتيكا» عــام 1995 بأنه

نازي صغير تعقيبا على مشــاركة بن غفير في المظاهرات المنددة بإســحق رابين التي شبهته كضابط نازي وعبّأت الأجواء لاغتياله. دانكنر كســب القضية في البداية، لكن بن غفير واصل الاســتئنا­ف حتى كســب القضية وحصل على تعويض رمزي.

يبــدو أن حرص بن غفير علــى دخول عالم السياســة دفعه للتخفيف من غلوائه وتطرفه المعلــن علــى الأقل، فقــد تخلص مــن صورة الطبيب القاتل باروخ غولدشــتاي­ن التي كان يعلقها في غرفة جلوسه، وبات يبدي مزيدا من الاعتدال في مقابلاتــه فأعلن أنه لا يكره جميع العرب بل يعادي أحزابهم المتطرفة والارهابيي­ن منهم، لكنه ظل يدافع عــن قاتل رابين بزعم أن الحكومة أفرجــت عن إرهابيــن قتلة )يقصد الفلســطين­يين( ومن باب أولى أن يتم الإفراج عن يغئال عمير.

ورغم كل ذلك يبدو أن هناك خيارا بأن تدعم القائمة العربية الموحدة ) الحركة الإســامية( حكومة يشــكلها نتنياهو مع «يمينا» برئاســة نفتالــي بينيت و «الصهيونيــ­ة اليهودية » لكن مثل هذه الحكومة مرشــحة للسقوط مبكرا لأن جمهور الحركة الإســامية لن يقبل اســتمرار حكومة الاحتلال بانتهاك حرمة الحرم القدسي الشريف أو شن عدوان جديد على غزة مع بقاء دعم الموحدة لها بأي شكل من الأشكال.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom