مدريد تنجح في تبني دبلوماسية برغماتية مع المغرب والجزائر رغم الملفات الشائكة مثل الهجرة والصحراء

تســتمر إســبانيا في تحقيق التــوازن في علاقاتها بين المغرب والجزائر دون الميل لهذا البلد أو الآخر. وشكلت زيارة وزير الخارجية الجزائــري، صبــري بوقــادوم، إلــى مدريد بدايــة الأســبوع الجــاري، مناســبة لتأكيد هذا التوجه الدبلوماســي بعيداً عن سياسة الانحياز التي تميزت بها في الماضي.

وتحاول مدريد إعطاء مكانة بروتوكولية لزيارات مسؤولي البلدين، سواء من المغرب أو الجزائر، ولهذا تخصــص لبعض الوزراء الذين يشــغلون وزارات مهمة مثل الخارجية والداخلية لقاءات ليس فقط مع نظرائهم بل كذلك مع رئيــس الحكومة ومــع ملك البلاد. وهذا ما حدث في زيارة صبري بوقادوم إلى مدريد الإثنين الماضي وسابقاً مع مسؤولين مغاربة.

وفــي الوقــت ذاتــه، تحــاول التوفيــق في القضايــا الشــائكة مثل الهجــرة ونزاع الصحــراء وهو ما تبين مــن خلاصات زيارة بوقــادم أو اللقــاء عبر فيديــو كونفيرونس بــن وزيرة خارجية مدريد أرانشــا غونثالث لايــا ونظيرهــا المغرب ناصــر بوريطــة منذ أســابيع. وعلاقة بالملف الأول، تحاول تبني الموقف نفســه مع كل من الجزائــر والمغرب بكونهما مصدر ومعبــر الهجرة والتنصيص على ضرورة التوصــل إلى اتفاقيات واقعية تجمع بــن الأمني والاقتصادي دون تحميل المسؤولية لهذا البلد أو ذاك. في هذا الصدد، توقــع معهمــا اتفاقيات ترحيــل للمهاجرين الســريين وتوقع اتفاقيــات تنظيــم الهجرة القانونية ورجال الأعمال والمستثمرين.

ونجحت مدريد أساســاً فــي خلق توازن

في الملف الشــائك الذي هــو نزاع الصحراء، إذ لــم تعد تميل لهذا البلــد أو ذاك، بل تتبنى موقفهــا التقليــدي والكلاســيكي الــذي هو الدفاع عــن الدور الرئيســي لــأمم المتحدة. ويضغط المغــرب على مدريد لكــي تميل إلى الحكــم الذاتــي، كمــا تضغط الجزائــر لكي تشــدد إســبانيا علــى تقريــر المصيــر، ولم ينجحا حتى الآن.

وتنهــج مدريد هــذه السياســية الناجحة منــذ عهد راخــوي رئيس الحكومة الســابق الذي ينتمــي إلى الحزب الشــعبي المحافظ. وتتجلى أساساً في التخلي عن لعبة المحاور التــي نهجها رؤســاء حكومات ســابقة مثل فيلبــي غونثالــث وخوســي ماريــا أثنــار ولويــس رودريغيــث ســبتيرو، حيــث كان الأول والثالــث يميــان إلــى المغــرب، بينما فضل الثاني )أثنار( الجزائر، لا ســيما بعد أزمــة جزيرة ثورة ســنة 2002. وبينما كانت العلاقات متوتــرة بين مدريــد والرباط إبان أثنــار كانت متقدمــة بين مدريــد والجزائر، وحــدث العكــس مــع ســبتيرو المنتمــي إلى الحزب الاشــتراكي الذي أيد نســبياً الحكم الذاتي للصحراء.

وكانــت سياســة مدريد مرتبطــة كثيراً برؤية فرنســا إلى منطقة المغرب العربيالأمازيغــي وخاصــة المغــرب والجزائــر، ولكنها بــدأت تســتقل عنها منــذ عقد ولم تعد تنســق معهــا كثيــراً كمــا كان يحدث فــي الماضي باســتثناء في بعــض قضايا الاتحاد الأوروبي-المغرب العربي. وتبنت إسبانيا هذه السياســة بعدما تحولت إلى الشــريك الرئيســي للمغــرب تجارياً حيث أزاحت فرنســا، وتعزيز الجزائــر لمكانتها كمصدر رئيسي للطاقة لهذا البلد الأوروبي وخاصــة الغــاز ثم ارتفــاع المبــادلات بين البلدين.