المحكمة العليا في تركيا ترفض دعوى إغلاق أكبر حزب كردي في البلاد
رفضت المحكمة العليا )المحكمة الدستورية( فــي تركيا، أعلــى هيئــة قضائية فــي البلاد، الدعوى التي قدمها مــدعٍ عام وتطالب بإغلاق حزب الشعوب الديمقراطي أكبر حزب سياسي ممثل للأكــراد، في خطوة أثــارت غضب زعيم حزب الحركــة القومية حليف حــزب العدالة والتنمية في الحكم الذي هاجم المحكمة واتهمها بـ «التهاون».
وعقــب أيام مــن المداولات وتحــري ملفات الدعــوى المكونة من 600 صفحة، قررت المحكمة العليا بإجماع كافــة أعضائها، الأربعاء، إعادة القضية إلى المدعي العــام الذي قدمها «لوجود نواقــص قانونية» وعدم اكتمــال الدعوى من الناحيــة القانونيــة، في خطوة ســريعة كان يتوقع أن تأخذ وقتاً أطول، حسب قانونيين.
لكن رفض المحكمة الدستورية العليا لا يعني
إغلاق ملــف القضية أو رفضها بشــكل نهائي، حيث يتوقــع أن يعاود المدعى العــام تقديمها مجدداً عقب استكمال النواقص القانونية لتعيد المحكمة النظر بهــا وهو الســيناريو الأرجح، أو يقرر المدعي ســحبها بشــكل نهائي في وقت لاحق، وهو ما يبدو مستبعداً حتى الآن.
وعقــب ســنوات مــن الاتهامــات للحزب بالتعاون مع تنظيم «بي كا كا» المصنف إرهابياً في تركيا وأوروبا وأمريــكا، رفع الادعاء العام فــي تركيا إلــى المحكمــة الدســتورية العليا، منتصــف آذار/مــارس طلبــاً بإغــاق حزب الشــعوب الديمقراطــي ثالث أكبــر حزب في البرلمان التركي بدعــوى دعم الحزب للإرهاب و«محاولة المساس بالدستور ووحدة الأراضي والأمــة التركية» في خطوة أثــارت ردود فعل دولية واســعة وإدانات مــن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
زعيم حزب الحركة القومية دولت بهتشيلي الذي يتصدر المطالبات بإغــاق الحزب أصدر بياناً هاجم فيه المحكمة الدســتورية اعتبر فيه
أن المحكمة الدســتورية «بعيــدة وغير مدركة لنضــال تركيا ضد الإرهابيــن والانفصاليين» معتبراً أن حزب الشــعوب الديمقراطي كســب مزيداً من الوقت «من خلال الحجج التي ساقتها المحكمة الدســتورية» لرفض الدعــوى المقدمة ضده. ووجه دعوة للمحكمــة بضرورة النظر مجدداً وبسرعة في الدعوى.
ومنــذ ســنوات، تتهــم الحكومــة التركية والرئيس رجب طيب اردوغان حزب الشعوب الديمقراطــي الكــردي بأنــه يمثــل «الواجهة السياســية لتنظيم بــي كا كا الإرهابي» حيث شنت قوى الأمن التركية حملات واسعة شملت اعتقال الآلاف من أنصار الحزب، تجريد عشرات رؤساء البلديات التابعين له من مناصبهم، إلى جانب إســقاط عضوية البرلمان عــن عدد من نوابه بالبرلمان بتهــم مختلفة تتمحور جميعها حول دعم الإرهابي وارتباط بتنظيم «بي كا كا».
ومنذ عــام 2016، جــرى إســقاط عضوية البرلمان عن قرابة 15 نائباً للحزب في البرلمان، كان آخرهــم النائب فــاروق جارجالي أوغلو الــذي أعلن رئيــس البرلمان، الشــهر الماضي، إســقاط عضويته لصدور حكــم قضائي بحقه بالحبس بســبب تغريدة اعتبــرت بمثابة دعم لتنظيــم «بــي كا كا» وعلى الرغم مــن أن هذه الإجراءات أدت إلى خفــض عدد نواب الحزب فــي البرلمان إلى 55 نائباً مــن أصل 600، إلا أنه مــا زال يتمتع بثالــث أكبر كتلــة برلمانية بعد حزب العدالة والتنمية الحاكم وحزب الشــعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة.
وعلى الرغم من أن حــزب العدالة والتنمية الحاكــم وحليفه حــزب الحركــة القومية هما اللذان يدفعان بطريقة أو بأخرى باتجاه إغلاق الحزب إلا أن الطلب لم يقدم من أي من الحزبين، وإنما تقدم به مدعٍ عــام جمع ملفات للاتهامات الموجهــة للحــزب، حيث تخشــى الأحزاب أن يحســب عليها أنها هي من دفعت بشكل مباشر من أجل إغلاق حزب سياسي ممثل في البرلمان وهــو انطباع ســلبي فــي الحياة السياســية التركية يعيد الذاكــرة إلى فترة الحزب الواحد وما أعقبها من حقب التدخل العســكري وحظر الأحزاب السياسية.
ورغــم أن العدالــة والتنميــة اتهــم مراراً الشعوب الديمقراطي بأنه «الواجهة السياسية لتنظيــم بــي كا كا» فيما طالب زعيــم الحركة القوميــة علناً بإغلاق الحــزب، إلا أن الحزبين لم يرغبا على الإطلاق فــي تقديم الدعوى ضد الحزب، وينفيان أي علاقــة لهما بهذه القضية عبر التأكيــد المتواصل على أن مــا يجري هي عملية مســتقلة يقودها القضــاء التركي الذي سيقرر هو بشأن قبول الدعوى أم لا.
وفي حال إعادة رفع الدعوى، ســيكون أمام المحكمة الدســتورية متسع من الوقت للنظر في القضية واتخاذ قرار نهائي بشأنها دون وجود ســقف زمني لذلــك، حيث تــدور مجموعة من الســيناريوهات التي تتنوع بين قبول الدعوى وإصدار قــرار بإغلاق الحــزب، أو رفضها، أو اتخاذ إجراءات وسطية ضد الحزب.
وبموجــب الدســتور التركــي، فــإن قرار إغلاق حزب سياســي يحتاج إلى موافقة ثلثي أعضــاء المحكمة الدســتورية المكونــة من 15 عضــواً، وبالتالي فإنه في حــال حضور كافة أعضــاء المحكمة فإنه يتوجــب تصويت 10 من أعضائها علــى القرار، أو ثلثي عدد الحاضرين، وهي أغلبية كبيرة لا يســهل توفرها في قضايا شائكة بهذا القدر. وللمفارقة فإن حزب العدالة والتنميــة هو من قاد سلســلة مــن التعديلات الدســتورية في العقد الماضي من أجل تصعيب إجــراءات إغلاق الأحــزاب السياســية كونه كان مســتهدفاً بهذه الحملات فــي تلك الفترة، ويتفاخــر أنه هو من قدم هــذا الإنجاز للحياة السياسية التركية.
وما بين قبول الدعــوى وصدور قرار بإغلاق الحزب، أو رفضها بشكل مطلق، توجد مجموعة مــن الســيناريوهات الوســطية التــي تتعلق بإمكانية صدور قرار بحرمان الحزب بشكل كلي أو جزئي من حصته من الدعم الذي تحصل عليه الأحــزاب من خزينة الدولــة، أو صدور قرارات قضائية بحــق مجموعة من قادة الحزب ونوابه الذين يوجد بحقهــم اتهامات وأدلة كافية، دون المساس بالحزب بهيكله العام.